ناسكة خاطئة - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
مُعْتَقُ النُّورِ: رِسَالَةُ الْغَرِيبِ إِلَى صَبِيَّةِ الشَّعَاعِ! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 0 - )           »          مُعْتَقُ النُّورِ: رِسَالَةُ الْغَرِيبِ إِلَى صَبِيَّةِ الشَّعَاعِ! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 0 - )           »          اقرأ الصورة بمِدادٍ من حبر (الكاتـب : نواف العطا - مشاركات : 2896 - )           »          كون يغلي؛ (الكاتـب : نواف العطا - مشاركات : 0 - )           »          قضبان القصر (الكاتـب : إبراهيم امين مؤمن - مشاركات : 7 - )           »          رُفعت الجلسة.. قصيدة نثر.. آخر ما كتبت (الكاتـب : إبراهيم امين مؤمن - مشاركات : 4 - )           »          حكم وأمثال وخواطر (الكاتـب : إبراهيم امين مؤمن - مشاركات : 2 - )           »          النقد البلاغي للشعر (الكاتـب : مصطفى معروفي - مشاركات : 4 - )           »          نصوص بلا أجنحة ..🪽🪽 (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 14 - )           »          قراءة في ديوان لشاعر مغربي (الكاتـب : مصطفى معروفي - مشاركات : 4 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد الهدوء

أبعاد الهدوء اجْعَلْ مِنَ الْهُدُوْءِ إبْدَاعَاً

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-14-2016, 01:44 AM   #1
أحمد الأخرس
( شاعر وكاتب )

الصورة الرمزية أحمد الأخرس

 






 

 مواضيع العضو
 
0 ناسكة خاطئة

معدل تقييم المستوى: 0

أحمد الأخرس لديه هالة مذهلة حولأحمد الأخرس لديه هالة مذهلة حولأحمد الأخرس لديه هالة مذهلة حول

افتراضي ناسكة خاطئة


"ناسكة خاطئة"

الفصل الأول
"رسالة في زجاجة"



مرحبًا..
اسمي خنساء، ولا أعرف لماذا وسمني أبي باسمٍ كهذا منذُ ولادتي!
ربما لأعتاد الفقد، ومراقبة القطارات -كأية محطة بائسة تحترم حزنها- وهي تتوقف
على رصيف انتظاري قليلًا ثم بكل وقاحة تمضي..
وليس بيدي إلا تلويحة شاحبة بالوداع!
ربما عرف أبي أنه سيكون أول المُغادرين عنّي، فترك لي اسمي رسالة وداع طويلة
ترافقني مدى هذا العمر المتشح بحزنٍ كزاد نبيّ الله عزيز لا يتسنّه ولا يتغير طعمه!
هل مات أبي؟ لا.. ما زال حيّا يلاحق كدّاً ما، في بلدٍ خليجيٍ مجاور، بلد من النوع الذي تحاول مناعته جاهدة طرد العروبة
منه ليتسرطن بشكلٍ حضاري أنيق.
لم يمت أبي، لكنّي رأيتُ رحيله، وكأنني استرقتُ النظر لفصل يبعُد مائة صفحة عن الصفحة التي
توقفتُ عندها في كتاب حياتي، فرأيتُ فاجعتي القادمة لتحيلني علامة استفهام محنيًا ظهرها لا يُقوّم ولا يستقيم!
اسمي خنساء، وقد أحببتُ هذا الاسم الملاصق لي كإرث لم أستطع رفضه،
واعتدتُ اسقاط النون منه واستبدالها بـ (راء) لأصير: امرأة (خرساء)، لا لسان لي
إلا للعق جراح أصابعي التي يدوسها حذاء الأيام المهترئ دون اكتراث أو توقف..
أولى الفاجعات داهمتني برحيل جمال، فاجعة حوّلت خرسي إلى شظايا من صراخ،
وأعادت النون العتيدة مثل رصاصة اخترقت قلبي
لأصلبُ وتأكل الطير من رأسي بلا صاحب سجنٍ ولا نبيّ يُئوِّلُ مُسبقًا موتي..
رحل جمال.. وتركني يتيمة بين أبويّ، وثكلى دون أطفالي الذين حلمتُ بهم منه
وماتوا قبل أن يولدوا، يا الله كم بكيتهم، وكم نعيتهم، وكم كرهتك يا جمال!
أحقر مشكلة يتركها خلفهم أولئك الذين يرحلون، هي التفاصيل الصغيرة التي تتحول لدينا
إلى غصص يصعب على عصا النسيان كنسها، تتكدس وتتكدس وكلما تخيلنا
أن هذا الحُزن صار مألوفًا، فتحت الذاكرة شفتيها _كعاهرة ثملة_ وقائت مزيدًا من الحُزن
اللا مألوف على حُليمات تذوقنا!
لكنّي رغم كُل شيء كنتُ أتوقع هذا الرحيل!
لنقل أني صرتُ أفهم مكر الحياة حين تمنح، إنها تُعاملنا كالخراف، تُسمّنُنا بأفراحٍ يكاد حُسنها يضيء،
وتسن سكاكينها، حتى حين نُذبح، ننزف بعنف أكثر، وغزارة أكثر..
آهٍ يا جمال.. كم صرتُ أشبه عجوزًا أخذوا أطفالها للحرب، وانتهت الحرب ومرت السنوات ولم يرجعوا،
ولم تجرؤ على أن تُغادر كوخها المهترئ القديم أو تغيّر العنوان، خشيّة أن يرجعوا يومًا ولا تلتقيهم!
تُعد الطعام لهم كل يوم، فلربما عادوا جائعين كما غادروها حينها..
أذكر يوم رحيله أنني ارتديتُ ملابسي السوداء التي كنتُ أعدها مُسبقًا لفاجعة مُنتظرة كهذه
وعقّصتُ شعري، ووقفت أمام المرآة أتأمل ملامحي الذابلة وأبتسم..
يومها همستُ لنفسي في بلادة أعرف أنها تسبق انهياري الكبير: بدأت مواسم الحِداد يافتاة!
لكن.. حسنٌ.. الحياة تستمر!
لا بد أن تستمر..
صحيح أنها استمرت بالكثير من نوبات الصراخ الليليّة التي أصحو بها أبكي وأنادي باسمه
حتى كدتُ أصيب أمي بالجنون -إن لم تكن جنت بالفعل- والكثير من الرسائل الصوتيّة التي
كنتُ أبكي بها شفقة على صوتي الحبيب المبحوح وهو يتوسله، حتى قام هو -جمال- بتغيير رقم هاتفه
مُعلنًا أن أبواب حياته صارت موصدة تمامًا أمامي..
لحظة!
لماذا أقحمك في كل هذا؟
هذه مجرد رسالة كتبتها ووضعتها في زجاجة وألقيتها في البحر، غير عابئة بصاحب الحظ البائس
الذي سيلتقطها، غالبًا لن أعرفك، ولن تعرفني..
ولن أجد حرجًا حين أهمس لك ببعض أفكاري!
أتعرف من أنا؟
أنا امرأة سامّة، عاق، ذنبٌ يمشي على قدمين..
لا أرى عاشقين إلا وتمنّيتُ أن يفترقا..
ولا طفلة ووالدها إلا وتمنّيتُ أن يفقدها أو تفقده..
ولا ابتسامة على وجه أحدهم إلا وتمنّيتُ أن يتبعها بكاء طويل لا ينتهي!
لم يعجبك هذا؟
بإمكانك إذن أن تأخذ الزجاجة التي خبأتُ بها رسالتي وتضعها في..
حسنًا، سأكون مهذبة هذه المرة وأقول تضعها في فمك!

***


"مذكرات خنساء"


لا تتغير الأشياء حولي.. فقط أنا التي أفعل
أو ربما تتغيّر كلها باستمرار وأنا الوحيدة العالقة في مكاني..
أصحو كل يومٍ من النوم.. شبه ميتة، أعتكف النافذة التي تحاول أن تسلبني ملامحي،
أتأمل منها الحياة التي سلبتني طهارتي،
من خلف انعكاس شخصي الآثم الذي يحاول أن يحرمني مكانًا في الجنة بعد موتي!
علاقتي بأمي ليست على ما يُرام منذ فترة طويلة، أحيانًا يمر أسبوع أو أكثر لا نتبادل الحديث،
أو ربما لا نرى بعضنا إلا مصادفة حين تسوقنا الأقدارعند رصيف الأريكة،
أو قارعة مائدة الطعام، أو حين تفتح باب غرفتي ليلًا فتجدني أبكي، أو أرقص،
أو أجلس منطوية في ركنٍ قصيٍ، أو في أي وضع عجيب آخر
يمكن أن تتخيله، فتطمئن أنني لم أمت بعد، ثم تغلق الباب في هدوء وتمضي..
طبعًا لا يعني هذا الفتور أننا لا نتشاجر..
فهي غالبًا ما تمطرني عند أول صِدام بيننا بالكثير من: حسبي الله،
وليتني ربيت قرد ولا ربيتك، والله ياخذك ويريحني مِنك..
وما يثير جنونها هو أنني أقابل هذا بصمت وبلادة فتزيدني مِن سِعة!
أمي تذبل.. أرى هذا وأشعرُ بالخريف الذي صار يسكن بيتنا ويُسقِط أوراقها ببطء..
وفي أخر شجار بيننا.. انفعلت عليّ بشدّة وأنا اكتفيتُ تمامًا بأن أتأمل ملامحها التي انهمكت الحياة
بنحتِ تجاعيدها بريشة المعاناة ولم ترأف بحالها ولا بي..
وبابتسامة مريرة قلت: أصرتِ عجوزًا يا أمي؟!
صدمتها عبارتي وعرفتُ أنها ظنتها شيئًا من عقوقي المعتاد لها، ولم تفهم مرارتي وحُزن حالي..
لم تغضب ولم تقل شيئًا، فقط التمعت الدموع في عينيها ومضت..
وأنا قضيتُ الوقت أبكي..
رباه.. أجعلني سطحًا خلفيًا لمرآة، لا يقف أحد أمامه، ولا يعكس أي شيء، لا أريد أن يبحث أحد عن انعكاسه بي..
فأنا سوداء يا الله.. سوداء!


***


في الليل تسللتُ لغرفتها فوجدتها ضائعة في نومٍ عميق..
جلستُ على الأرض جوار السرير وأخذتُ أحدثها بصوتٍ يخنقه البكاء:
أنا أسفة يا أمي، لم أقصد أن أوجعك هكذا، أنا فقط خائفة، خائفة..
هذه الحياة بشعة، ولا تتوقف عن سكب بشاعتها في دمي لأصير مثلها..
كل ما ظننته في صغري عاد ليخذلني وأنا كبيرة هشة!
لا يوجد أمير يحتفظ بحذاء الفقيرة اليتيمة، ولا شجاع يوقظ الأميرة النائمة!
ساندريلا ستظل عرجاء للأبد يتيمة للأبد، والنائمة ستكون تلك الميتة
التي يوهمون أنفسهم أنها ستستيقظ يومًا، ولن تفعل..
أنا لا أريد أن أكون نائمة لا يوقظها أحد يا أمي، ولا يتيمة تهرب من حقيقتها..
أرجوكِ لا تذبلي، لا تتركيني هُنا.. فأنا أحبكِ أكثر من أي شيء، والله أحبكِ!


***


واستمرت بالنوم ليلتها.. ولم تسمعني!



***


رسائل نصيّة




الساعة 1:14 a m
- يوسف.. اتصلتُ بك كثيرًا ولا تجيب.. عاود الاتصال بي أنا متعبة ياحبيبي وأحتاجك بعنف!
- أنا بالعمل الآن خنساء، لن أرجع اليوم من المستشفى إلا حين أخلص عاتقي من مئات الأشياء المكدّسة عليّ.. أحبكِ!
الساعة 2:17 a m
- يوسف أنا ضائعة تمامًا وبحاجة لوطنكِ، اتصل بي أرجوك!
- حبيبتي لقد عدتُ للتو.. أنا منهك وسع السماء، لا تطلبي منّي أي شيء سوى أن أنااام!

الساعة 2:18 a m
- يوسف "ياوسخ ياعديم الشرف كل تبن" واتصل بي الآن!
- مِن عيوني..


***


متى ظهر يوسف في حياتي؟!
ظهر حين بدأت تلك الأحلام المشوّهة بمراودتي.


يُتبع..

 

أحمد الأخرس غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:36 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.