لن أسمح للخوف أن يوقفني. ! هكذا قررت بكل ثبات و عزم ..
في الصباح، انطلقت مع صديقاتي.
اخترنا مراكش، حيث الألوان الزاهية والحياة المليئة بالحركة و السعادة.
أردت أن أهرب من كل ما يُثقلني، لكن ما حدث هناك كان أكبر مما توقعت...
في اليوم الثاني، وأنا أتمشى وحدي في( ساحة الفنا) و في أزقة المدينة القديمة، شعرت بأن شيئا بداخلي يصرخ و يود إخباري أن المكالمة ليست صدفة !
حاولت تجاهل الأمر و لكن لا مفر من عواصف ذهني التي لا تنتهي كأنها طواحن هوائية ..
ارتحت قليلا عندما توقفت، بعد أن رنَّ هاتفي.. و لكن للأسف كأن الراحة تستكثر نفسها علي، لأن الرقم المتصل مجهول مرة أخرى، ترددتُ للحظة قبل أن أجيب.
جاءني صوت دافئ، مليء بالحياة، لكنه محمل بصدى الماضي البعيد...
"ندى؟ لا أصدق أنني وجدت رقمك أخيرا!"
حاولت أن أميز الصوت، لكنه كان مألوفا بطريقة غريبة، كأنني أعرفه من زمن بعيد، لكنه مدفون في زاوية مظلمة من الذاكرة.
سألته بحذر:
"من معي؟"
ضحك بخفة، وقال:
"يا لكِ من قاسية! اعتقدت أنني سأكون أوضح من ذلك. أنا يوسف... ."
شعرتُ بتيار كهربائي يمر في جسدي.
استجمعت قواي و خاطبته: يوسف! من؟
أجاب بحذر هذه المرة و قد خفض صوته: يوسف الإدريسي يا ندى: الدروس المعمقة بجامعة (ظهر المهراز) بفاس ..! ألا تتذكرينني !؟
ببساطة فهمت أن لا علاقة له بتلك المكالمة المقلقة..
و التفت إليه مستفهمة : أ لم تتصل بي من قبل !؟
أجابني : لا أبدا ! أ لم أخبرك أني للتو حصلت على رقم هاتفك و سأحكي لك فيما بعد عن قصة العثور عليه ..
من يكون إذن المتصل الأول ..؟
أزحت التفكير في الأمر بعد أن خاطبته قائلة:
يوسف بنفسه! الذي كان يملأ المدرجات في الجامعة بنقاشاته الحادة وأحلامه الكبيرة؟
يوسف الذي اختفى فجأة دون أي أن يودعنا نحن أصدقاؤه؟!
"يوسف؟!" كانت نبرتي مزيجًا من الدهشة والذهول.
"نعم، أنا : يوسف يا ندى الذي سافر في مغامرة لم يكن يخطط لها، يوسف الذي قرأ حكايا تتنفس برئة ثالثة وشعر أنه يستنشق أنفاسكِ بين السطور.
و هو من اشترى مجموعتك السردية: ( إيفري) رغم أنها موجهة لطلابك، لكنه وجد فيها عمقًا يشبهكِ تمامًا."
شعرتُ بقشعريرة تسري في جسدي، كأن كلماته تخبرني أنه يعرف أخباري كلها أو معظمها.. لا أدري !
بدأ يحكي لي عن حياته، كيف سافر إلى أماكن لم يكن يتخيلها، كيف غامر في بلاد لا يتحدث لغتها، كيف كاد أن يفقد حياته أكثر من مرة لكنه خرج أقوى في كل مرة.
أخبرني عن الليالي التي قضاها في دول متعددة ، وعن الأيام التي أمضاها في البرازيل ،تعلم فيها فقط رقصة السامبا لأنه أراد أن يكسر خوفه لا غير.
كنتُ مأخوذة بسرده، كأنه يعيد كتابة حياته أمامي بلغة لم أكن أعرفها عنه. ولكن فجأة، توقف.
"ندى، هناك شيء يجب أن أخبرك به...
شيء لم أستطع أن أخبر به أحدا، غيرك."
تغير صوته، أصبح أكثر جدية، كأنه يوشك على كشف سر ثقيل.
حبستُ أنفاسي، و تنهدت تنهيدة كبيرة بعد أن انقطعت أنفاسي و هجمت علي حساسية الزكام مبعدة الهاتف عن فمي و لا أدري هل انقطاع تنفسي كان سببه توقعاتي عن هول ما ينتظرني بعد هذه المكالمة؟ أم هي أعراض سري اللعين الذي استطاع يوسف أن يقتلع همه من ذهني و تفكيري ...؟!
في بضع ثوان شعرت أن هذه المكالمة لن تكون مجرد لقاء مع الماضي، بل بداية لعقدة جديدة في حياتي...
يتبع ....