" لا ..
لا لهذا البحر الموشوم وهما و ألما ..
لا لأحزان الحمام و دموع البحر المنتهي تاريخ صلاحيتها ..
لا لقلبي ..
و لا .. لوعودك التي لا تنتهي "
استيقظت فزعة على هذيان الحمامة الجريحة بجانبي ..
و لم أستطع إيقاظها .. كانت تبدو صادقة جدا ..
و عميقة جدا في نومها ..
لم أملك إلا الانصات ..
أحضرت شريط تسجيل
و صممت على توبيخك يا سيدي البحر ما أن أجدك .. حتى لو اضطررت للسفر لشلالات نياجرا التي لا أعلم إن كانت منطقتها تحتوي على البحار لكنها كانت أبعد منطقة استطعت التفكير فيها بسوء جغرافيتي
و بدأت أسجل ..
" ماذا سأفعل .. كيف لحمامة أن تحب البحر ؟! و هو منفاها الأزلي ..
كيف لي أن أعيش برفقته ؟
أأخذه للسماء ؟ أم أغوص معه ؟ و كيف أغوص بدون أدوات ؟
أأبيع روحي و أتخلى عن أجنحتي ؟!
لأراقب الغروب بانكسار كل يوم ..
!! "
دخلت والدتي و وجدتني ذاهلة .. لم تستطِع رؤية الحمامة بسبب لونها الشاحب و ضياعها في وسادتي ، فقبلتني و نامت هي الأخرى ..
تابعت الحمامة : "
أرأيتَني ذاك الصباح ؟ تحت شجرة الزيتون أختبئ من الشمس لأني أرهقت بحرارة المفاهيم المشوهة ..
و حينها قررتَ رشَّي ؟!
الكون مليء بالحمام ..
حمام ملون ..
و نوارس أجنبية ..
و في زاوية شارعك توجد فصائل مثيرة من الطاووس بشتى أشكاله المبهجة ..
لمَ اخترتني بنزفي الذي قد لا ينتهي ..؟!
لمَ لمْ تتركني أقضي بسلام ..؟!
أكان عليك أن تضايق لحظاتي الأخيرة ؟!
ألم أخبرك أني في درب نهاية السماء ؟!
ألم ترى الكحل ذائب من عيني الجاحظتين ..
و اللون الأسود في ريشي مبغضا لي ..
فأعيد صبغه مرارا و تكرارا .. لأتخفى عن كوابيسي السوداء ..
ألم أخبرك عن الصياد الأسود الذي خطفني من سريري ذات ليلة و ما زلت أهرب منه .. ؟!
"
أوقفت التسجيل هنا لأنها بدأت تجهش بالبكاء المرير ..
و بدأت حواجز الفولاذ في غرفتي السوداء بإصدار أنين انفجار الأقنعة ..
لمست الحمامة فوجدت أناملي حمراء ..
يا للهول !
جرحها ينزف بلا انقطاع ..
كم هي تتألم .. !
و بالرغم من ذلك فدمائها امتلكت ميزة الانسكاب على ما يلمسها فقط لا ما تلمسه هي فلم يظهر الدم على وسادتي مطلقا ..
كم هي عجيبة ..
أردَفَت : "
و ها أنا رحلت بجنون الغافلين .. و بحمق الطائشين .. و بِحُمَّى المتهورين أنا الآن سجينة ..
و لكني لم أجد بدَّا من فراق أمواجك التي لا تبحر بي سوى بمنامي ..
بحرك الواسع لا شيء حتى الآن .. سوى كلمات تنسج بالأحلام و تأتي بالأحلام لتأكلها في النهاية حين يأخذها الملل لشرق التأملات التعيسة ..
و افتقدتك بلا حساب لعقلي التالف ..
و لكبريائي المنهار ..
و لأجنحتي التي قيَّدتُها ..
و قلبي الذي اختار أن يرحل أملا منك أن تمسك به و تقول : لا ..
لكن ، كل ما تقوله هو اليأس من شطآنك و الكواكب البعيدة التي تنظر لها ..
و تنسى أنني حمامة لأحملك إليها ..!!
..... تعبت يا قلبي " بحري " تعبت كثيرا من هذه الطفولة السيئة التي تعيث بها في أرجائي ..
متعبة و الله !
"
بحثتُ عن أول دليل جغرافي للبحور ..
فتحت صفحة حرف الـ س
و وجدت عنوانك في أعلى الصفحة بارزا كأن الدليل دليلك !.
أخذت العنوان و قمت بإرسال الشريط مع كتابة : ( سري للغاية ، عاجل جدا ، يسلَّم باليد لأعماق بحر السعد ) و ضحكت بمرارة على كثرة كلامي و مضيت ..
جائتني رسالة في اليوم التالي من سيادتك ..
تقول أنك لا تعرف اللغة التي توجد في الشريط ..! و لم تفهم كلمة واحدة مما سمعت !
رغبت حقا بتمزيق شعري و الركوب عليه إليك ..
نظرت إلى الحمامة الغائبة عن الوعي على فراشي و بكيت يائسة أدعو الله أن أستطيع إنقاذها و فهم لغة البحر الغريب هذا ..
و قلت لنفسي : هل السعادة حقا تتحدث لغة أخرى .. لا نعرفها نحن ، ولا الحمام ؟!!