النَّبْعُ : - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
مواسم الروح... سيرة الضوء، والثرى! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 0 - )           »          صورتي في عينيك .. (الكاتـب : نازك - مشاركات : 0 - )           »          مطرٌ على نافذة القلب! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 6 - )           »          مُعْتَقُ النُّورِ: رِسَالَةُ الْغَرِيبِ إِلَى صَبِيَّةِ الشَّعَاعِ! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 4 - )           »          حين يوقظ الضوء رعشة القلب! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 2 - )           »          خِبَاءُ اللَّحْظَةِ: سَرَدِيَّاتُ الْوُجُودِ الْخَفِيَّةِ! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 2 - )           »          رحلة الحلم والأجر الروحي! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 2 - )           »          ما لا يمكن أن تكتبه الآلة: بين لهب الشعور وبرودة الشرارة! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 2 - )           »          ظِلُّ الكَلَامِ! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 2 - )           »          الرجلُ الذي رأى ظِلَّه يذوب... (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 0 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-14-2021, 10:32 PM   #1
عبدالعزيز التويجري
( شاعر وكاتب )

افتراضي النَّبْعُ :




النَّبْعُ


عاج في أحد الأشتية عند الأصيل على النبع –الذي أحبه ، وألفه كثيرًا ، والذي يعوجُ عليه كلما أشجاه خطبٌ- وجال حوله قليلًا بخطى وئيدة ، ثم اتجه إلى الأثلة ، واتكأ على جذعها الضخم ، وأغمض عينيه ، وسرح بفكره إلى حقبةٍ انصرمتْ ، ثم أفاق من شروده على قطرات غيثٍ تسقطُ على وجهه ، ففرد كفيه ، حتى اجتمعَ فيهما الكثيرُ من القطرات ، فشربها ، ورنا بطرفه إلى السماء ، والغيث المنهمر ، ثم قال : غادَرَ حياتي من غَادَرَ معهم الأُنْسُ والسُّرُورُ ، وأَقَامَ الشَّجنُ بعدهم بقلبي ولم يَبْرَحْهُ !
وأنتِ إن بقيتِ فلكِ الكرامة والزُّلْفى ، وإن ظعنتِ ، فأنتِ كمن ظعن من أحبابي الذين لم يبرحوا قلبي ، ولا عقلي ساعة ، فأنتِ أثيرةٌ ، حبيبةٌ في ظعنكِ والإقامة ، وستظلين كالشمس ، بعيدة المنال ، وتغمرين قلبي بالضياء والدفء ، فأستودعُ اللهَ قلبكِ الرقيق ، وروحكِ النقية !
ثم رنا بطرفه إلى القرية القابعة خلف الرابية ، وقال : أعرفُ السُّبُلَ المُؤَدية إلى المدن والقرى ، ولكني لا أعرفُ السَّبيلَ المُؤَدِّيَ إلى قلبكِ النقي ، فهنيئًا لمن اهتدى إليه ، وحظي بصدقه ووفائه !
عاد إلى الأثلة واتكأ على جذعها الضخم ، وسرح بفكره إلى ذلك العهد المحبب إليه ، ثم أخرج قلمًا وورقةً وكتب فيها : لا تسألي عن حالي ! فما حالُ من ينتظرُ أزوف تلك الساعة منذ عشرين عامًا ، ولم يَنْبَلجْ نُوْرُها ، رغم طول انتظاره !
أيتها الحبيبة : ها هي السحب البيضاء بهدوئها وصفائها ، ونقائها ، تُزيحُ الغيوم السوداء (المثقلة بالفتوة ، القوة ، الأماني العذاب) ، لتستحلَّ مكانها !
أيتها الغيمة التي لم تظلني من هجير السأم ، ورمضاء النوى : سأُلملمُ جراح الهوى ، وذكريات الحنين ، وأظعنُ إلى حيثُ أقضي ما بقي لي من أيامٍ قد لا تطولُ ، حتى تأتي تلك الساعة –التي سألتُ الله كثيرًا أن يُعجِّل لي بها- ، وتبزغَ الشمسُ التي انتظرتها عشرين عامًا ، لتُبدِّدَ ليل الشجى ، فإذا غمرتْ قَلْبَكِ أمواجُ الحنينِ ، بعد هذا الهَجْرِ الـمُضني ، فلا تُكَلِّفي نَفْسَكِ عناءَ القُدُومِ إلى مُلْتَقَانا عند النَّبْعِ ، لأني أكونُ هناكَ في الموْطنِ الذي حَنَنْتُ إليه كثيرًا في مَجْمَعٍ من أحبابِ قلبي الذي ظعنوا ظُعُونًا لا أَوْبَةَ لهم مِنْهُ !
طوى الورقة ، ثم مضى إلى حديقة منزل الفتاة ، ووصل إليها عند السَّحَر ، فتخطى السياج ، واتجه إلى الشجرة التي عندها طاولة القهوة ، وأحد النظر إلى فنجان القهوة فوقها ، وقال : ارتشفتُ هواكِ العذب ، كما ترتشفين فنجان القهوة المرة ، المحببة إليكِ ، مع فارق حلاوة هواكِ وعذوبته ، بحرقه ، وإنهاكه ، ومرارة قهوتكِ وسخونتها !
وضع الورقة في التجويف في بطن الشجرة ، ومضى ميمِّمًا وجهه شطر قرن الشمس الذي بدأ يلوحُ لناظره ، وهو يقول : كان الحبُّ غَيْثًا ، والنَّأْيُ عَيْثًا !
بعد العصر وبينما كانتِ الفتاةُ تتناولُ قهوتها ، لفتَ انتباهها ، بياضٌ في تجويف الشجرة ، فنهضتْ لتستجلي الأمر ، فوجدت الورقة ، ففضتها ، وقرأتها ، وعرفتْ كل شيءٍ ، وعَدَتْ مُسْرعَةً إلى النَّبْعِ ، لعلها تراه ، لتُنْبِئَهُ بأَسْبَابِ نَأْيِهَا ، وعندما وَصَلَتِ النَّبْعَ ، انتظرته إلى الغسق ، ولكنه لم يحضر لأنه كان في تلك الساعة يسمع قرع نعالهم !

حصري .

 

التوقيع



twitter : @arabods

عبدالعزيز التويجري غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:18 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.