أوجاع تقهر...! بقلم ندى يزوغ
في قاعة انتظار مكتظة برائحة القلق، جلست امرأة في الأربعينات من عمرها، على كرسي جلدي أخضر باهت، يئنّ تحت وطأة ثقلها ووجعها.
كانت القاعة تعجّ بالهمسات، أنفاس المرضى الممتزجة بالصبر والتوتر، وصوت عقارب الساعة التي بدت وكأنها تسخر منها، تبطئ الزمن عن عمد.
السيدة لم تكن تستطيع الجلوس. كانت تنهض وتجلس كل بضع ثوانٍ، كأنها هاربة من نيران تطاردها، لكنها لا تعرف إلى أين المفر.
وجهها شاحب، عيناها محاطتان بهالات سوداء، وصوتها المكسور يتوسل:
"من فضلكم، دعوني أدخل... لا أستطيع الانتظار. النار تأكلني من الداخل....! أرجوكم."
كان المرضى ينظرون إليها بتوجس، بعضهم بتعاطف، وآخرون بازدراء صامت، كما لو أن ألمها غير شرعي أو مبالغ فيه. اقتربت من رجل مسن، كانت ملامحه حادة وممتعضة، وقالت بنبرة خافتة مملوءة بالدموع:
"أرجوك، أنا لا أستطيع... لدي شعور بأنني سأختنق... لن أخرج من هنا حية إن لم يدخلني الطبيب."
لكن الرجل اكتفى بالهزّ برأسه، وغمغم بصوت خافت:
"كلنا مرضى هنا، كلنا نعاني. انتظري دورك."
النار في جوف السيدة التي كانت تشعر بأن هناك لهبًا يشتعل في أعماق معدتها، يمتد إلى صدرها وحنجرتها، يجعل التنفس مهمة شاقة. حرارة حارقة تفوق قدرتها على الاحتمال، لكن الألم لم يكن في الجسد فقط. كان هناك ثقل في روحها، كأن حطام السنين قد تراكم فيها حتى باتت عاجزة عن حمله.
رأت حياتها تمر كشريط سريع. طفولة مظلمة، شباب ضاع بين أعباء الآخرين، وزواج انتهى بالفشل.
شعرت أن الحياة لم تكن عادلة معها، وأن كل لحظة انتظرتها بشوق تحولت إلى خيبة جديدة.
الاقتراب من حافة الواقع
مع كل دقيقة تمر، كانت السيدة البائسة تشعر بأنها تفقد صلتها بالواقع.
الأصوات من حولها تصبح أصداءً بعيدة، وجدران القاعة تضيق عليها وكأنها فخّ.
تخيّلت نفسها تسقط في هاوية لا قرار لها. بدأت تهمس بكلمات غير مفهومة، تخاطب شخصًا غير مرئي، ربما نفسها، ربما أشباح ماضيها:
"أريد فقط أن أرتاح.!
لماذا كل هذا العذاب؟ أليس من حق الإنسان أن يتوقف؟"
رغبتها في الهروب من الألم لم تعد مجرد شعور. أرادت أن تختفي، أن تصبح نقطة ضوء تخبو وتختفي من هذا العالم المليء بالصخب.
النهاية أو البداية؟
عندما فُتح باب الطبيب أخيرًا، انطلقت تلك المسكينة نحو الداخل دون أن تنتظر إذنًا.
صرخ الموظف ليوقفها، لكن الطبيب أشار له بالصمت. نظر الطبيب في عينيها، رأى فيهما قصة كاملة، لم تكن بحاجة إلى أن تنطق بكلمة.
جلس معها، وأمسك بيدها المرتجفة.!
لأول مرة منذ سنوات، شعرت أن هناك من يسمعها حقًا، أن هناك مساحة للألم دون حكم أو تقليل.
سامية لم تكن بحاجة فقط لعلاج جسدها، بل لطمأنة روحها بأن الاحتراق الذي تعيشه يمكن أن ينطفئ، بأن اختصار الرحلة لا يعني نهايتها، بل ربما ولادة جديدة.