
جاءنا ذاك المدعُو بالعيد .. حاملاً بعض الابتسامات الصّفراء و ألعابٍ زَهيدَةٍ و باقاتِ وردٍ على وشكِ الذبُول و أطباقٍ باهِظةَ الثّمَن مِن وجبةِ المُجاملةِ الرّائجةِ علَى مُستوى المنطِقة .. جا العِيد جا العِيد << كما يقولُها الأطفالُ و هم يقفزونَ إلى المجهول مغمورينَ بـ رغوةٍ مِن سعادةٍ نتجَتْ عن فقاعةِ براءة ... الوقت يُداهِمنا و لا رصيدَ يكفي لـ إرسالِ رسالَتينِ عبر هاتفٍ نقّال ، رغم أنّ المحفظةَ مكتنِزةٌ بالرّيالاتِ منذ أمَد لكِنّ الكسلَ حبيبٌ و عزيز .. الأمُ تنشرُ الصُّراخَ كـ مُبيدٍ حشريٍّ في أرجاءِ المنزل " هيّا رتِّبوا .. قومُوا .. افعلُوا " .. و الأبُ يَتملّصُ منها منذُ الصّباحِ في الخارج ،، البيت تملؤهُ روائحُ العُودِ و البَخُور .. و الثيابُ القديمة تُوضعُ في كيسٍ أسودٍ مِن أكياسِ القُمامة لـ تبحثَ لها عن مَن يرتَديها هذا العام ..!
على مَقربةٍ منَ المدفأةِ ، لأنهُ الشّتاء ، يُحصِي أحدُ الصّغارِ ما بمحفظتِهِ من نقُود و تتكَوَّنُ فوق رأسهِ الصّغيرةِ غيمَة كُتِبَ بـ داخلها : 10 + ؟ = 100 .. و حالاً ترتسمُ على وجهه الصغيرِ ابتسامةٌ شقيَّة كمَن فازَ بـ حُبِّ سندريلا عَن مُنافسَة !
و بِمُحاذاةِ الأشلاء ، قريبًا مِن روائحِ الدّماء ، تتلحَّفُ فتاةٌ في التّاسعِ مِن خريفها بـ قِطعةٍ مزَّقها جنديٌّ بعد أن فعلَ فعلته .. هي لا تبكي إنّما عيناها لا ترفُّ وقلبها لا يتسارَعُ فرحًا بـ عيدٍ لا أبَ فيه ولا وطَن .. كُلُّ ما في الأمر أنّ الخبرَ لم يُغيِّر شيئًا بِها .. تمامًا كأعداد خُططِ بغدادَ الأمنيةِ المُتزايد !
الأبوابُ تتأفّف مجيئه .. مُعدّلُ مشاركاتِ الأعضاءِ يتزايدُ مِن شدّةِ المَلل .. حاوياتُ القُمامةِ تتشَبَّعُ بالخَيرِ في بلاد .. أيدٍ صغيرَة تُنقِّبُ بِحاوياتٍ أخرى في بلادٍ مُجاوِرة .. الماءُ يبرُدُ أكثر مِن ذي قبل فـ أعصابُ من يغتسلُونَ بهِ باردة .. يهرعُ الخوفُ نحوَ زاويةٍ مُعيّنة .. تسقطُ دمعةٌ سخيفة على رسالَةٍ مختُومةٍ بـ قُبلة .. تكبرُ أُمنيات .. و تمُوت أخرى على عتباتِ الأحوَالِ العقيمَة .. و .... حسنًا و ماذا أيضًا ؟
لا رغبةَ لـ شيءٍ بشيءٍ كالرّغبةِ بالاختِفاءِ عن هذا الزّائرِ الغريب أو بالظهور بأكثرِ صُورِ الجمَالِ خاوي الأحشَاءِ مِنَ المعاني و أيضًا لا يهُم .. حتمًا لأنّهُ يأتي بـ تفاصيلَ مُملّة كـ الفرحِ و الاستيقاظِ باكرًا لـ نفضِ النُّعاسِ اللذيذ عن وجنَةِ الصّباحِ الشّتويّ دونَ داعٍ !
حتمًا لأنّهُ يُجيدُ الظهورَ بالألوانِ على شاشاتِ البُؤسِ المألوفةِ في الوجوه .. تلكَ تضعُ ميك أب و ذاك يُلصِقُ ابتسامةً في وجههِ عُنوة !
جِئتنا يا عيدُ مرّةً أُخرَى فماذا تحمِلُ في جعبتِكَ مِن جديدٍ غير مللٍ قديم و دغدَغةٍ لـ قلوبَ انتهتْ مُذ عَلِمنا أنّكَ مُزيَّف !!