✿
كان حضوره براعم حياة
وبقاؤه إليها امتداد غصن العمر إلى رحابة السماء
بعيداً عن الأرض سقف الذبول
أما رحيله ... رحيله رحيله !
هل ستحبه كل هذا الحب لو فكرت بأنه سيرحل يوماً.
"الحياة ستفر منا لو أسرفنا بالإيمان في حقيقة الموت" هكذا كانت تغتاب الموت ورحيله..
رجل جسده الليل ..
صدرهُ وسادة الغيوم وأنفاسه رياح تبشر بمولود جديد أسمته ( المطر )
كلما جذبها إليه ذات شغف ..تفيق في اليوم التالي خارج حدود الجاذبية .. ولآن هذا ما حدث ليلة البارحة
كم من الوقت يلزمها لتضع قدميها على الأرض من جديد , أو تحيل سقوطها إلى السماء فتعود إليه
كم فنجان من القهوة تحتاج لتقلع عن امتصاصه من أشياءه المبعثرة حولها ..أعقاب سجائره .. مشروبه المفضل ساعة يده .. و أخر كتاب تشاغل به عنها دون أن ينتبه أنه يمسك به مقلوباً .
كل شيء يشي به ..( يشي به أم يتلبسه ) لم تعد متأكدة !
هذا الرجل الذي يتقن الحضور على الرغم من أنه لا يأتي تماماً ولا يرحل أبداً.. شيء ما يشترك بين حضوره وغيابه يجعلها تشعر بأنه حين يرحل يكون معها أكثر..
هاهي تحاول أقناع نفسها جادة / أن أشخاص آخرون وتيار لا يهدأ من الهموم والمشاكل وحتى المباهج المؤقتة ينتظرها خلف هذا الـ.... ماذا ؟؟
الحلم الصغير .. أو تراه الجنون المدقع ..
القهوة .. وحدها القهوة من سيضع حداً لهذا الانهمار..
في المطبخ تتقافز إليها ضحكاته من بين فناجين القهوة .. وتتمتم رائحة البن بنكهة صباح الخير من شفتيه..
شلال القهوة الحار يعيدها إلى دفء ليلة البارحة حين قالت له " لدي رغبة بأن تحصي لي عدد أضلعي"؟
أجابها بشغب لا يخلو من الغرور : أعرف عددها جيداً ..
هي " لا تريد أن تتأكد بأنها مازالت بخير"
يجيب ببرود تنفيه رجفة صوته " لا أجيد تمثيل دور السارق الذي يحصي غنائمه.. أنتِ لي ..وأعرف جيداً حتى عدد المسامات في جسدك" تكتشف أنه الرجل عناداً والعناد رجلاً..فتباغته " هذا شأنك .. فقط... تأكد غرورك هذا سيفقدك إياي يوماً"
تنتشل نفسها منه وقبل أن تتملص تماماً يجذبها إليه كمن يرمي قطعة نقود في قاع بئر
وما أن تبتل به تماما حتى تحاول أن تتخلص منه وتستعيد شي من جبروتها فتجد نفسها متورطة به أكثر كأن تكون أضلعها قاب كفيه أو أدفئ..و شفتاه تصب بها همساً دافئاً شهياً "واحد .. اثنان .. خمس .. عشر .. أود أن أجهل عددها ألف دهر ..وأعيد إحصاءها حتى أثمل"
اثنان خمس عشر يا أنت ...وها قد بردت القهوة ..
سيد المفاجآت هو وأرجوحة الغواية يسرقها حتى من نفسها ويعيدها منه القدر..
"يا حبيبي خذني إليك أو أعطني إياي ...أو بعضي " تنهيداتها الأخيرة كصلوات على قبر الحبيب تبني لها قصر من التأملات، لكن الساعة فزاعة حُب على جبين الصباح تؤنبها كثيراً وتصرخ بها تأخر الوقت....
تجمع أشلائها بعجل .. تتجه إلى الماء لتغتسل به .. تستعيد شيء منها:
ويفاجئها الماء ما أن يمس جسدها و يمتزج بعطرها حتى يثرثران معاً باسمه / أوه ه ه " عطري أنت جسدي والحياة "!
كان يقول لها وهو يوزع العطر على عنقها يوماً ..)العطر سيفسد رائحتك ويجعلني لا أتعرف إليكِ وأنا مغمض الروح لو مررّتِ إلى قبري يوماً .. تصرخ به لا أحب أن تحدثني هكذا ..!
تكرهين الحقيقة ..؟
بل أكره سوداويتك! ..
ستتخلصين منها يوماً حين تصدقينها.
هل ترغب بأن أبلل صدرك هذا المساء ..؟
حبيبتي .....)
هذه اللحظة يخترق عالمها طنين مزعج : آآآه أنه الهاتف
من يتذكرها هذا الصباح أومن تعمد تذكرها .. تجفف جسدها وتتجه بعجل إلى الهاتف
: من..؟
يأتيها الصوت الآخر محبباً بعكس ما توقعت: كيف أنتِ يا شقيه؟
أنا بخير وأنتِ ؟.. اشتقتكِ .. ما بكِ .. كنتِ نائمة ..؟
هي متجاهلة تماما السؤال الموجه لها بسؤال آخر.. اعتادت أن تفاجئ به صديقتها في أحد الأمريكيتين بسؤالها عن فارق التوقيت : أمازلتم البارحة ؟
..صديقتها ضاحكة : أجل هل تودين أن أخبرها شيء .. هي بابتسامة من يعود للحياة :لا.. فقط أبقوا كما أنتم البارحة .. وإن استطعتِ خذيني معك حيث البارحة ..
صديقتها بقلق :أ أنتِ بخير؟ هي: جداً .. ما أجملك يا صديقتي أعتدّتِ إيقاظي من الكوابيس المزعجة ..ووو إياك أن تكرريها ها أنتِ تعيديني لكابوس الحياة المزعج هذا اليوم !
.. ودعت صديقتها بامتنان لا يخلو من الغيظ موصول ب"أين ذهب"؟
تمكنت الآن أن تخلعه عن روحها وعن جسدها وعن ذاكرتها ..
ارتدت ثوبها الأسود .. وضعت على وجهها قناع من الميك أب .. تلبست ملامح امرأة عاملة لا تشبهها قط... وذهبت
في الخارج ...
الشارع يفشي سر ليلة باردة ضاجعها المطر ..
و امرأة عاشقة استباح جنونها صوت المطر
رجل المطر هو...