مَّرَّةً أُخْرَى .. يَخْدَعُ الْضَّوْءُ فَرَاشَة .. 
أُخْرَجُ إِلَيَّ الْعَالَمِ بِنِصْفِ وَجْه .. 
بِنِصْفِ بَابٍ مَفْتُوْحٍ عَلَى الْجَدْب .. 
تَرْتَجِلُ فِيْهِ الصّبَارَاتُ تَعَبِيْ .. 
وَأَقْدَامٌ ضَمِرَتْ أَجْسَادهَا , 
تُحَوِّلُ خَمْسَ أَصَابِعٍ لْحَوَاسِ تُدِيْرُ أَمْزِجَةَ الْخُطَى .. 
وَتُخْتَلَقُ مِن الْغُبَارِ لِكُلِّ دَرْبٍ ضَيَاعه , بِعَدَدِ مَا يَهْمِسُ الْحَجَرَ لِلْحَجَرِ : 
آَه , مَلَلْنَا دَهس الْحُزْنِ وَالْوِحْدَة .. 
كَأَنِّي بِي فِيْ ذِمَّةِ هَاوِيَة ..
تَتَطَايَرُ مِنْ نِصْفِيٌّ الْمُشَرَع 
خَلْفِيَّاتُ قَصَائِد , وَأَلْبُومَاتٌ رَمَادِيَّة , 
وَشَرَائِطُ فِيِدْيُو 
وَمَنَاطِيدُ كَبِيْرَة 
مَلْأَى بِآَذَانٍ أَرْنُو أَنَّ تَلْتَقِطَ صَوْتِي .. 
وَأَيْدٍ آَمُلُ أَلَا تَتَذَكَّرُ كَمْ نَسِيْتُ نَدَاهَا .. 
وَ ذَاكِرَةٍ صُرِفتْ عَلَى يَمَامَةٍ طَارَتْ بِالْحَنِيْنِ .. 
بَيْنَ الْحَيَاةِ وَامْتِدَادٍ مُسْهَبٍ لِلْحَيَاةِ .. 
تُؤَنِّبْنِي الْشَّرَائِط 
لِأَنِّي بَنيَتُ عَلَى الْقِمَّةِ كُوْخَاً وَرَقِيّا , وَتَغَيَّبَتْ الرِّيَحُ عَنْ حُسْبَانِي .. 
لِأَنِّي عَاشَرْتُ الْنُّسُوْر , 
وَفُضِّلْتُ الْغَوْصَ فِي الْشِّعْرِ كبِطَرِيقٍ 
عَلَى أَنْ يَكُوْنَ لِي جَنَاحَاً وَطَيِّدُ عَلَاقَةٍ بِالْغَيْمْ , صَديْقٌ لِلْمَدَىْ .. 
لِأَنِّي بَذَّرْتُ فِي الْخَيَالِ حَتَّى اخْتَلَطَ صَوْتِي بِالْأَحْلَام .. 
لِأَنِّيَ ظَنَنْتُ أَنَّ الْضَّوْءَ , كَالإِجَّاص يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ بِالْكِيلَوَ .. 
وَأَنّ الْحَشَرَات الْضَّوْئِيَّةِ 
لَيْسَتْ إِلَا كَلِمَاتِي عِنَدَما أَفْسَحَتْ لَهَا الْحَنَاجِرُ دَرْبَ الْأُمْسِيَاتِ .. 
تُوَبِّخْنِي صُوْرَة .. 
لِأَنِّي بِتْهَوِّرِ عَدَسَة 
آَخَيْتُ بَيْنَ حُزْنِي وَشَجَرَة لَيْمُوْنٍ وَحِيْدَة , 
لَا أَصْدِقَاءَ لَهَا , وَلَا قَاطِعِي ظَلَّ .. 
لِأَنِّي تَرَهَّلَتُ عَبَثَاً , 
وتَشَرْنَقتُ خَوْفاً , 
وَضَاعَ حَرِيْرِي فِي طَيْشِ الْوَرَقِ .. 
تَلُوْمُنِّي قَصِيْدَة , 
لِأَنِّي فَتَحْتُ فِي قَوَافِيْهَا مِنَفذاً لنُّخاعِي .. 
لِأَنِّي أُدْرِجَتُ قَلْبِي ضِمْنَ خِيَارٍ قَابِلٍ لِلْمَحُو 
عِنْدَمَا قُلْتُ فِي تَجَلَّيَاتِ حَمَاقَة : 
" مَامِنْ غَرَابَة , 
إِنْ قَامَتْ فَرَاشَة بِتَرْمِيمِ قَصِيْدَة , 
أَوْ بِتَرْمِيمِ شَاعِرٍ نِيَابَةً عَنِ قَصِيْدَة .. 
لِلْفِرَاشِ نَفَسٌ طَوِيْلٌ فِي تَهْذِيْبِ الْحَدَائِقِ .. 
وَلِلقَصَائِدِ خَيَالَهَا لِتُصْبِحَ أَكْثَرَ مِنْ بُسْتَانِ وَارِفِ الفَرَاشَاتُ " 
تَحْتَ تَرَاكُمَاتِ الْلَّوْمَ , 
وَنَزَق الْأَقْوَالِ , وَالْنِّسْيَانَ .. 
بَعْدَ الْمُرُوْرِ بِأَكْثَرِ مِنْ قَبْرٍ هَوَائِيّ 
وَقَعَتُ كَكَلِمَةٍ فِي الْصَّمْتِ .. 
كُنْتُ أُنْصِتُ لِقَصِيْدَةٍ تَحَفْرُعَلَى الْشَّاهِدُ 
وَالْرَّيَاحِيْنُ تَبْكِي وَتُرَبِتُ عَلَى اسْمِي : 
( الْشُّعَرَاءُ لَا يَمُوْتُوْن , تَحِثَيْهمُ الْكَلِمَات , وَيَسْمَعُونَ قَرْعَ نقَاطهَا ) .. .. انْتَبَهْتُ , وَانْفَرَجَ فِي وَجْهِي , نِصْفُ بَابه الْمُغْلَق ... !