الحمد لله...
1 ـ الدعوى بأنَّ هذه البحور [قد أُهْمِلتْ وتهمَّشَتْ] يُنافي الدعوى الأخرى بأنَّها [بحور جديدة]!!
2 ـ يقول حازم القرطاجني في منهاج البلغاء ص 232: [أكثرُ الدوائر تنفكُّ منها أوزانٌ غيرُ ملائمةٍ ولا خفيفةٍ، وهناك أيضاً دوائرُ أُخَرُ لم يُستعمل منها شيءٌ، وهي عزيزةُ الإحصاءِ لكثرتها؛ إذ لكلِّ تركيبٍ من تركيباتِ الأسبابِ والأوتادِ والأجزاءِ المركَّبةِ منها دائرةٌ تخصُّه، وضروبٌ التركيباتِ كثيرةٌ جداً، وإنَّما استعملتِ العربُ من جميعِ ذلك: ما خَفَّ وتناسب. وليس يوجد أصلاً في ضروبِ التركيباتِ والوضعِ الذي للحركاتِ والسَّكَناتِ والأجزاءِ المؤتلفةِ من ذلك أفضلُ مِمَّا وضعته العربُ من الأوزانِ].
3 ـ أمَّا البحر المصنوع (بحر الغزل) فخارجٌ بالكليَّةِ عن الشعر العربيِّ! فالشعر العربيُّ لا تتوالى فيه أكثرُ من أربعةِ أحرفٍ متحرِّكاتٍ (انظر: الكافي للخطيب التبريزي 18). ولعلَّ هذا يُوقِفُ على العِلَّةِ في جَعْلِ الأمثلةِ التي يُقَطَّعُ عليها الشعرُ ثمانيةً.
4 ـ أمَّا المصنوعان الآخران (الطرب والكرمل) فخروجهما عن الأمثلةِ الثمانيةِ يكفي في سقوطِها. على أنَّك تلتفتُ إلى أمرٍ آخر؛ فـ[التفعيلةُ بمعناها الشعريِّ وَقْفةٌ شعريةٌ ينقطعُ عندها النَّغَمُ] (قضايا الشعر المعاصر 101)، ولذلك كان نظامُ الشعر العربيِّ ـ كما قال حازمٌ ـ [ألا يضعوا الثقيلَ في النِّهاياتِ، ولا سيما في أواخرِ الأجزاءِ التي هي مظانُّ اعتماداتٍ وتوقُّراتٍ وتقاطعِ أنفاسٍ بوقفاتٍ خَفِيَّةٍ أو بيِّنةٍ عليهم أو رَوْمٍ لذلك وإيماءٍ إليه] (منهاج البلغاء 234)، والثقيل الذي لَمْ يجعلوه نهايةَ الأجزاء: السَّبَبُ الثقيلُ // والوَتِدُ المفروقُ /5/ (انظر: منهاج البلغاء 230ـ 234 ـ236).
5 ـ هذه الأبحر المصنوعة الثلاثة موحشةٌ مقفرةٌ! لا أثر فيها لنَغَمٍ ولا هَمْسٍ! وليست العِلَّةُ في أنَّ الأذنَ لم تعتد عليها بعدُ... وإنما العِلَّةُ فيها تعودُ إلى صميمِ اللغةِ؛ فهذه الأبحر تختنقُ بالأسماءِ، وتقلُّ فيها الأفعالُ، وذلك عائدٌ إلى طبيعةِ تركيبِ المتحرِّكاتِ والسَّواكنِ في تفعيلاتِها. والأسماءُ مجرَّدةٌ من الزَّمَنِ والحَدَثِ، فهي جامدةٌ ليس فيها حركةٌ، والأفعالُ هي التي تُعْطِي اللغةَ الحياةَ والحركةَ، وتَمْنح العواطفَ قدرةً على النُّموِّ والتغيُّرِ...
6 ـ وهذه الكلمةُ مجاراةٌ للموضوعِ، وليست تعني ـ بحالٍ من الأحوالِ ـ موافقتي على مثل هذه المحاولاتِ، فالذي أراه أنَّ مثل هذه المحاولاتِ لا يستدعيها ضرورةٌ فكريةٌ مُحْرجةٌ أو داعٍ فنِّيٌّ أصيلٌ... فليس إلا أحاديث النفس الخادعة بـ(الإتيان بما لم يأتِ به الأوائلُ)! وأحرِ بمَنْ وُهِبَ موهبةَ الكتابة الإبداعية ألا (يُهَرِيقَ ماءَ موهبتِه) في سعيٍّ قاتلٍ إلى سرابٍ!
7 ـ ولكاتب الموضوعِ... والمعلِّقين عليه... وقارئيه... كلَّ تحيةٍ وسلام.