منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - الأدب ..... والكلاب
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-09-2006, 10:11 PM   #1
محمد مهاوش الظفيري
( قلم نابض )

الصورة الرمزية محمد مهاوش الظفيري

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 726

محمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي الأدب ..... والكلاب


لا يستطيع أيّ أحد منا أن يجهل معنى هذه الكلمة .. " الأدب " .. فهي من الشيوع بمكان يجعل المراد منها واضحًا لكل متلقٍّ , سواء كان يعمل في هذا المجال أو لا يمتّ إليه بأيّ صلة . غير أن كلمة " الأدب " لم تكن معروفة بهذا المعنى المتداول فيما بيننا في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام الأول . حيث اقترنت هذه الكلمة بـ " المأدبة " , المآدب " , والمأدبة هي وليمة الطعام , والمآدب جمع للمأدبة وهي الولائم التي تعدّ للضيوف ’, وأصحاب الولائم هم كرام الناس الداعين لتناول الطعام وخاصة في ليالي الشتاء وزمن القحط .
يقول الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد :

نحن في المشتاة ندعو الجَفَلى

لا ترى الآدبُ فينا ينتقرْ
وعندما جاء الإسلام , بدأ هذا المعنى يأخذ منحى آخر , وهو منحى نفسي سلوكي لا إجتماعي , إذ صار هذا المعنى ينحصر على التحلي بالأخلاق والتمسك بالطباع الحسنة والقيم النبيلة , وهو ما لخصه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ , بقوله : " أدبني ربي فأحسن تأديبي " . وعلى هذا الأساس صار المعنى يدور حول رياضة النفس وتهذيب الأخلاق والتحلي بالصفات الحميدة .
مع انتشار المد الإسلامي وبزوغ شمس الحضارة العربية الإسلامية على رقعة جغرافية شاسعة , بدا هذا المعنى يتحول من كونه رياضة نفسية أخلاقية إلى مهنة وظيفية , إذ صار يطلق على المعلمين الذين كانوا يعلمون أبناء السادة والخلفاء والوزراء , وأصبح يطلق على المعلم بـ " المؤدب " وعلى المعلمين بـ " المؤدبين " . وعرف بهذه التسمية علماء كبار وأدباء عظام كالإمام الشعبي والأديب اللغوي أبي العباس المبرّد صاحب كتاب الكامل الذي يعدّ من مصادر الأدب العربي , حتى قيل : " خُتِمَ تاريخ الأدباء بثعلب والمبرّد " وقد توفي كلا العالمين الجليلين في أواخر القرن الثالث الهجري . والمراد من " الأدباء " هنا " المؤدبون " , أيّ المعلمين . ونظرًا لتشابه عمل الاثنين ـ المعلم والمؤدب ـ فرق المسمون بين التسميتين , حيث أطلقوا على من يعلم أبناء الخواص من الخلفاء والوزراء والأمراء وعلية القوم بـ " المؤدبين " , أما من يعلم أبناء العامة أطلقوا عليهم " المعلمين " . ولأن الثقافة العربية ثقافة نخبوية , ولكون الأدب العربي أدب بلاط , لم يكتفوا بالتفريق بين التسميتين , بل وصفوا المعلمين بالحُمْق وقللوا من قبول شهادتهم في المحاكم , لترسيخ هذا الفهم النخبوي للأمور.
من خلال هذا العرض الوجيز والمختص ... يتضح لنا أن كلمة " الأدب " أو " الأدباء " لم تكن معروفة بهذا المعنى المتداول فيما بيننا هذه الأيام , إذ كانت مقرونة بالمؤدبين ـ وهم المعلمون ـ كما أوضحنا , إلى أن جاء العالم الجليل مؤسس علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي حَرَف هذا المعني إلى معنى آخر كما يقول الثعالبي , حيث قال ناقلا عن الفراهيدي : " حرفة الأدب آفة الأدباء " , لأن المؤدبين كانوا يكتسبون بهذا العلم الذي كان في حوزتهم , فلا يعلمون إلا بأجر , وكذلك صار الشعراء .وهذا يمكن اختصاره فيما يأتي , لما خفّت النزاعات السياسية وذابت العصبيات القبلية بين العرب , وما تبع هذا الأمر من زوال لحكم بني أمية المتعصبين للعرب , وكانوا يغذون هذه العصبيات القبلية, وعندما آلت الأمور لبني العباس , قربوا الفرس الأعاجم وأبعدوا العرب عن مقاليد الأمور , صار الشعراء يتكسبون بشعرهم إذ تلاشت القضايا التي كانوا يكتبون الشعر من أجلها . عندما آل الشعراء إلى هذه الحالة المتردية انتقل هذا المفهوم كما حوره الخليل بن أحمد الفراهيدي .
ثم جاء ابن بسام الشاعر العباسي المتوفى في أوائل القرن الرابع الهجري ( 303 هـ ) الذي أخرج هذه الكلمة من معناها اللغوي وأكسبها معنى مجازيًّا غلب على حقيقتها , عندما رثى الخليفة العباسي ابن المعتز صاحب كتاب " البديع " وكتاب " طبقات الشعراء المُحْدثين " المقتول عام ( 296 هـ ) وكانت مدة خلافته يوم أو أقلّ من يوم .
قال ابن بسام :

لله درك من ميْتٍ بمضيعةٍ

ناهيك بالعلم والآداب والحسبِ
ما فيه لوٌّ ولا ليتٌ فتنقصه

لكنما أدْركتْهُ حرفة الأدبِ
وهكذا أصبحت هذه الكلمة واسعة المعنى , كثيرة الدلائل , تشمل في طياتها اللغويون والشعراء والنحويون وأصحاب علم العروض والاشتقاق والبلاغة وكل من يمتّ لعلوم اللغة العربية بصلة و كما قال ابن خلدون في مقدمته : " والأدب هو حفظ أشعار العرب والأخذ من كل علم بطرف " . غير أن هذه الكلمة ظلت من حيث الإطار العام ملازمة للشعراء دون سواهم إلى وقتنا هذا . فالروائي والقاص واللغوي أدباء , غير أن الأديب الحق هو الشاعر , وهي الكلمة الغالبة عليه سواء في مجالس العامة أو الخاصة .
في هذا السياق يجدر بنا ذكر هذين البيتين للشاعر العباسي أبي الحسين الجزار , والذي كان يعمل جزارًا قبل أن يمارس مهنة الأدب وقول الشعر , حيث ترك مهنة الجزارة وتحول لمدح السادة والزعماء في زمانه , وعندما يئس من جدوى الشعر والعمل فيه , قال هذين البيتين , وهما من بحر الخفيف , وسأضطر لعدم الفصل بينهما لأن كلا البيتين مدوّر

كيف لا أشكرُ الجزارةَ , ما عشتُ بخيرٍ , وأمْقُتُ الآدابا
وبها كانت الكلابُ ترجّيني , وبالشعر صرتُ أرجو الكلابا

لهذا يتضح لنا ان الذي انفرد بهذه الكلمة في آخر المطاف هم الشعراء , كما أوضحنا قبل قليل . ولِمَا للشعر من قابلية لدى النفوس , سيطر الشعر على عالم الأدب حيث يطلق عادة أو في الغالب على الشاعر مسمى الأديب , بينما ينفرد كل صاحب فن بفنه , كالروائي والقاص والناقد واللغوي والنحوي , وتبقى كلمة الأديب مقصورة على الشاعر
.

 


التعديل الأخير تم بواسطة محمد مهاوش الظفيري ; 11-09-2006 الساعة 10:19 PM.

محمد مهاوش الظفيري غير متصل   رد مع اقتباس