نهارٌ غريب..
لا أنفكُ فيه عن التفكير ,بك منذُ أن داهمتني نداءات أُمّي, كصغارٍ يتقافزون على حافةِ سريري مرددةً ( الصلاة خير من النوم ),
منذ أن رأيت الشمس تقومُ من سريرها على عجلٍ ( كراعٍ ) نشيطٍ , تمسكُ عصاها النورانيّة ,تجمع بها أغنامَ الغيوم من كل دربٍ ترعاها باتجاه الريح, و تطلق لها عنان المَرْعَى فوق تلال سماءٍ بصفاءِ عينيك...
منذُ تجمهرت العصافير على سواعدِ نافذتي , بانتظار زُوّادات الصباح الحنونة,وكفٍ تُمد لها, مداعبةً صدورها المنتفخة كدرعٍ أَرّيَشٍ ,ينقصه فقط قلبُ مهاجمٍ شجاعٍ مثل قلبك لتبدو أجمل..
مع البكورِ تأتيني..
كصوتِ أمي المُلَبَس إيماناً...
كنضارةِ الشمس في ريعان النهار...
كالعصافيرِ التي أدمنت طََرْقَ رفقي تسولاً لحناني ,تأتي محاملاً بقراطيسَ الذكريات, تضعها على منضدةِ الذاكرة ,وتنسلُّ هارباً إلي الماضي الذي وجدتَ له باباً لغرفتي من آباطِ ذلك التقويم المُهْمَلِ مُذ كُنّا معاً آخر مرة..
لا تكتفي أبداً بمجيئكَ باكراً , كما لا تكتفي بأن تكونَ انعكاساً لشيءٍ واحدٍ يحيطني, فتأتي بأدق من صورة, أهوج من جنون وأشهى من فوضى . حتى عندما أقفُ أمام المرآة, مُسرحةً خُصل شعري بعد عبث الوسائد طوال ليلٍ مكتظ بأحلامي ,أجدني بلاوعي, أمشطُ بأناملي خصالكَ ( المُقصبةِ بخيوط الليل),وبنظراتي, أُوضبُ تقاسيمَ وجهكَ في صدري,فأقضي وقتاً طويلاً أتأملكَ مُغَيّبةً عما حولي ,في حين تَدْعَكُ شحمةَ سمعي, اتهاماتُ أختي لي ( بالعَجَبِ) , محاولةً بصخبها إثارةَ انتباهي , دون علمها, بأني أسبحُ في دواماتِ اللّجين المُخدِّرة, أطردُ أسراب عينيك , وسرابات حبة التوت المتكأة بغرورٍ على شفتيك,واستدفء بالشموع الممتدة دفئاً على خديك , أحاول الإثبات لنفسي بأنك من كُـفرِ نفسي بملةِ النسيان لا غير..
ولا شيء في الدنيا يمدُ لي يدَ الإفاقةِ من ذلك الغرقِ, سوى رنين ذلك ( المغني الغجريّ الصغير ) الذي وهبتني إياه , وكأنه ينتظرُ فرصةً من الأقدارِ تَسُوق إحداهُن لطلبي باتصالٍ صباحي عاجل, فيبدأَ مشروعُ نجدته بنغمةِ حزن يملؤها صوتك , خوفاً من أن تقضي على ما بقي من عمر ذكراك الافتراضي أدوات زينتي الفوضوية, وقنينة ( الشّانِيــل )الثقيلة, التي أسكرت صورتك في حقيبتي كثيراً, كما أسكرتكَ عشقاً وجهاً لوجه..
في كل مرة أضيع فيكَ , وأفيقُ من الضياعِ عليكَ , فكلُ شيءِ حولي قد نَظَّم مؤامرةً محكمةً كي تبقى ـأنت ولاسواك , ( توأم ذاكرتي السِّيامِيّ ) , بعيداً جداً عن عربداتِ الزمن ( الجِراحيّة )....