وقفه قبل القراءة :
الاعتِيادُ في معنى التَّعوُّدِ، وهو من العادة. يقال: عَوَّدْتُه فاعتادَ وتَعَوَّدَ.
.،
.،
قاطعت صغيرة الحديث الذي يدور في المجلس وهي تستعجب مِنْ التسوق وشراء بعض
الاحتياجات المنزلية وملابس العيد لم يكن استعجاب الصغيرة محل غرابه فأفراد المُجتمع
أو _ بعضهم _ لا يسلكون هذا المسلك بل تُترك الأمور حتى انتصاف شهر رمضان أو قبله
بقليل وهذا برأيي هو العجيب !.
فهذا الشهر الذي أُنزل فيه القرآن شهر علينا أن نستغله الاستغلال الصحيح أن نُرتب فيه
أولوياتنا بحيث نُنهي أعمالنا ومسئولياتنا ومشاغلنا اليومية وفي ذات الوقت نستغل يومه فيما
يجلب النفع ويكون زادٌ لنا في آخرتنا وبرأيي ليس مِنْ المعقول أن نقضي أيام هذا الشهر في
التسوق والانشغال بطلبات المنزل ونفوس أفراده تقول سيده كريمة: لم أنتبه إلى مسالكي إلا
في الليلة الأخيرة مِنْ رمضان سُبحان الله كانت كالوقفة مع النفس ومُحاسبتها ولا أدري حقيقة
ما الذي جعلني أقفها وجدت أني أضعت وقت طويل في أمور كان بإمكاني ترتيبها وإنهاءها
أو حتى التخفيف مِنْها قبل رمضان وليتني فعلت !.
وسأكمل مِنْ حيث أنهت السيدة الكريمة حديثها فحقا لنقف وقفه منطقية فالشهر لا يتكرر
إلا مرة واحده في السنة وأعمارنا بيد الله سُبحانه وتعالى أي : نحن لا نعلم إن كُنا سنعيش
حتى يأتينا رمضان المُقبل فنُحييه كما ينبغي ونستدرك الخطأ قبل وقوعه فنقوم ليله ونصوم
نهاره أم نكون حينها في قبورنا ولا نلقاه مُجددا إذا لما لا نُرتب مشاغلنا في البيت والعمل
لما لا نجلب احتياجاتنا والأمور التي نستهلكها قبل رمضان وبتالي سُنقلل مِنْ الخروج وقضاء
الوقت في السوق والسوبر ماركت وغيرها أيضا بالنسبة لتنظيف المنزل لا أرى مانع مِنْ
تنظيفه تنظيفا شامل فحين يدخل رمضان لن يكون على ربة المنزل سوى التنظيف اليومي
المُعتاد الكنس وغسل الأواني والملابس كذلك بالنسبة لملابس العيد واحتياجات الأسرة لما لا
نتسوق قبل رمضان ونشتري ما يلزمنا ويلزم أفراد أُسرنا أو حتى بعضها وبتالي سيخف
وكثيرا انشغالنا بالسوق وتضييع الوقت فيه هذا غير أننا سنكون ( رحمنا ) أنفسنا من التكدس
والزحام وحتى إن أردنا أن نتسوق في رمضان سيكون تسوق خفيف بإمكان أفراد الأسرة
قضاء بعض الوقت الطيب فيه .
أعود لتعجب الصغيرة حينما سمعت الحديث سنجد أنفسنا نقف على قضية مُهمة ألا وهي
( الـتَّعوُّد) بمعنى : لما لا نُعود أفراد الأسرة على مثل تلك المسالك التي ذكرتها في حديثي
لما لا نعودهم على شراء ملابس العيد قبل رمضان ولما لا نعودهم على شراء احتياجاتهم
الدراسية مثلا قبل الأيام الأخيرة مِنْ انتهاء الإجازة لما لا نعودهم على حفظ نفوسهم
بأن نحفظها نحن في كل مسالكنا فلا نُدخن مثلا ولا نُشاهد قنوات التلفاز التي لا تحفظ النفس
و جوارحها ولا نُدخلها البيت أيضا لما لا نعودهم على حفظ ألسنتهم بأن نحفظها نحن في كل
مسالكنا وأقوالنا فلا نتحدث عن أحد لا نذم أحد لا نغتاب ولا نأتي على ذكر النفوس إلا
بالخير سنجدهم حينها يستنكرون ما يُخالف هذا الذي اعتادوه مِنْا وربما هذا هو موطن تعجب
الصغيرة لأنها لم تعتاد أن يكون شراء احتياجات وملابس العيد في وقت مُبكر وربما تكون
اعتادت أن يكون في الأيام الأخيرة من رمضان أو قبلها بقليل .
هذا الــ ( تَّعوُّد) له وقع ووقع عميق أيضا لان النفوس حين تعتاد على أمر لن ترى فيه
خَطب بعد ذلك مِثال بسيط نراه ونتعايش معه : نعلم أن علينا حفظ سمعنا وبصرنا ومع
هذا نرى ونسمع في بيوتنا الأغاني وقنوات التلفاز والمجلات التي تخدش السمع والبصر
ولا يكمن فيها حفظ أيضا نعلم أن النفس أمانة وعلينا حفظها غير أننا نُدخن وكل هذا لا
يُستنكر لما ؟ لان النفوس تعودت عليه فالصغير مثلا يكبر وهو يرى والديه يُقلبون في قنوات
التلفاز ويُشاهدون هذا وذاك دون تقنين أو قيد وهو ربطها بحفظ النفس وحفظ جوارحها
وحتى إن استنكر بعد هذا والديه مِنْ سماعه للأغاني أو مُشاهدته لقنوات لا تجلب غير الضرر
ولا تحفظ النفس لن يكون استنكارهما محل وقفه واستدراك ومحل نظر ! وكذلك بالنسبة
للتدخين فحين يستنكر والديه هذا وهما أو أحدهم مُدخن فلن يكون استنكارهما محل وقفه
واستدراك ومحل نظر !.
أيضا تعلم النفوس فضل شهر رمضان وما ينبغي عليها فعله للكسب والفوز بإذن الله ومع هذا
نرى النفوس وآليا وكأنها مُبرمجة تتبع ما يُعرض في قنوات التلفاز بل تنتظر ما يُعرض
وتُخصص له وقت لِتُشاهده وهذا بات وباء أصاب المُجتمعات المُسلمة رغم أنهم يعلمون
مكاسب هذا الشهر للنفس المؤمنة ولا تخفى عليهم لكنه ( الـتَّعوُّد) وما يفعل ! .
وقيسوا على هذا كل مسالكنا في حياتنا الفانية فــ ( الـتَّعوُّد) على أمر ما قضية ينبغي أن
نستدركها أقله حتى لا تمس نفوس أفراد بيتنا وحتى نُربي فيهم الشعور والإحساس فحينما
يسلكون مسلك ما لا يحفظ دينهم و نفوسهم و جوارحها سيشعرون به ويقفون عنده ويُحاسبون
نفوسهم عليه لان ( الـتَّعوُّد) يعني الاستهانة والتجاهل لا الجهل والتغاضي لا الغفلة وهُنا
مكمن خطورته.
خُلاصة وثمرة الحديث: لِنُعَّوُّد صِغارنا ونفوس أفراد أُسرنا على الأسلوب والطريقة
الأفضل في عيش حياتهم وقضاء مشاغلهم بحيث يحصدوا الثمر كله دون أن يتساقط منهم
فرمضان شهر نعرف ما ينبغي علينا فعله فيه وكيفية استغلاله غير أن اعتياد بعض المسالك
قد تسرق مِنْا هذا فيرحل عنا ولم نُعطيه حقه .