مَرْحَبًا بِكُم، وَشُكْرًا لَكُمْ.
أَنَا الْيَرَاعُ، أَنَا الثِّقَابُ؛ الْـ سَيُحْرِقُ الْغَابَةً قَبْلَ أَنْ يَحْتَرِقَ؛ ثمَّ بِمَوْتِه سَيَعْتَذِرُ لِلْحَيَاةِ. أَمَّا الْكَلِمَاتُ؛ فإنَّهَا –بِاشْتِعَالِهَا الْحَانِي- لَا تُحْرِقُ وَلَا تَحْتَرِقُ وَلَا تَقْتُلُ وَلَا تُقْتَلُ. وَأَمَا الْكِتَابَةُ؛ فَإِنَّها حِيْلَةٌ وَحَالَةٌ؛ بِهَا نَكُوْنُ وَفِيْهَا كُتَّابًا، أَوْ لَا نَكُوْنُ، وَكَثِيْرًا مَا نَكُوْنُ -بِالْكِتَابَةِ- الْكَاتِبَ وَالْمَكْتُوْبَ في آنٍ؛ الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُوْلِ بِهِ مَعًا، وكَثِيْرًا مَا تَكُوْنُ الْكِتَابَةُ مِنَ الْكَآبَةِ، وَأَظُنُّهَا -بِابْتِسَامَاتِهَا الْمَاكِرةِ- تَسْخَرُ مِنَّا وَبِنَا تَسْتَهْزِئُ؛ تَسْحَرُنَا؛ ثُمَّ بِعِصِيِّهَا السَّاعِيَةِ وَحِبَالِهَا الْفَاغِرَةِ تَأْسِرُنَا وَتَسْتَحْوِذُ عَلَيْنَا؛ ثُمَّ تَسْتَدْرِجُنَا؛ لِتُوَرِّطَنَا فِي الْمَزِيْدِ مِنَ الْغِوَايَةِ، أَوْ هِيَ مِنَ الْغِوَايةِ ذَاتِهَا؛ تَقُوْلُ؛ فَنُصَدِّقهَا، وَتَعِدُنَا بِالْجَنَّةِ؛ فَنَتَّبِعهَا، وَتُمَنِّيْنَا بِالْنَّجَاةِ؛ فَنَعْتَنِقهَا، وَتُغْرِيْنَا بِالرَّاحَةِ وَالْمُتْعَةِ وَالْخَدَرِ الشَّهِيِ اللَّذِيْذِ؛ فَنَسْتَسْلِم –طَوَاعِيَةً- لَهَا، بَعْدَ طُوْلِ كَدٍّ وَكَبَدٍ وَكَدَرٍ وَكَمَدٍ وَكَبْتٍ وَحِرْمَانٍ وَانْتِظَارٍ، ثُمَّ هِيَ -بَغْتَةً- تُغَرِّرُ بِنَا، وَتَنْقَلِبُ عَلَيْنَا؛ فَلَا نَجِدُ -فِي خِدْرِهَا- غَيْرَ الْوَهْمِ وَالسَّرَابِ، وَلَا نَرْجِعُ -مِنْ مَخْدَعِهَا- بِغَيْرِ خُفَّيِّ الْوَجَعِ والْحِيْرَةِ وَالْخَيْبَةِ وَالْعَنَاءِ.
وَهَا إِنَّا نَكْتُبُ، عَلَى كُلِّ حَالٍ، رُبَّمَا لِأَنَّهُمُ الْأَمْوَاتُ لَا يَكْتُبُوْنَ، وَلَا الْقَتَلَةُ يُحِبُّوْنَ الْقِرَاءَةَ، وَرُبَّمَا لِأنَّهَا الْكِتَابَةُ قَدَرُنَا الْعَجِيْبُ؛ لَا مَنَاصَ مِنْهَا وَلَا عَنْهَا مَحِيْصَ، وَلَوْ بَعْدَ حِيْنٍ، وَرُبَّمَا لِأَنَّهَا الْكِتَابَةُ تَوْأَمُ الْقِرَاءَةِ؛ كِلْتَاهُمَا مَوْهِبَةٌ مِنَ اللهِ وَنِعْمَةٌ أَوْ نِقْمَةٌ، وَكِلْتَاهُمَا تَمْتَحِنَانَا بِمِقْدَارِ مَا تُرِيْحَانَا، وتَمْتَحَانِ مِنَّا بِمِقْدَارِ مَا تَمْنَحَانَا؛ أَوْ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ؛ بَلْ أَكْثَر، بَلْ أَكْثَر؛ فَكَمْ مِنْ كِتَابَةٍ جَدَعَتْ رَأْسَ كَاتِبِهَا أَوْ بِالْجُنُوْنِ عَطَبَتْهَا أَوْ عَطَّلَتْهَا بِالظُّنُوْنِ! وَكَمْ مِنْ قِرَاءةٍ زَجَّتْ بِقَلْبِ صَاحِبِهَا فِي أُتُوْنِ الظُّلْمِ والظَّلَامِ والظُّلَّامِ! أَوْ أَوْقَعَتْهُ فِي الْحِيْرَةِ وَالشَّتَاتِ! أَوْ قَادَتْهُ إِلَى الضَّلَالِ وَالضَّيَاعِ أَوْ إلَى الْمُجُونِ وَالِانْحِلَالِ! إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ.
نَكْتُبُ، وَبَعْضُنَا يَتَسَاءَلُ: لِمَاذَا نَكْتُبُ؟ وَكَأنَّهُ يَتَسَاءَلُ: لِمَاذَا نَحْيَا؟ وَلِمَاذَا نُحِبُّ؟ وَلِمَاذَا نُفَكِّرُ وَنُحِسُّ وَنَحْدُسُ وَنَهْجُسُ وَنَتَفَرَّسُ وَنَتَوَسَّمُ؟ وَلِمَاذَا نَرْسُمُ وَنَعْزِفُ وَنُغَنِّي وَنَرْقُصُ...؟ وَرُبَّمَا كَانَ السُّؤالُ الْأَقْرَبُ إِلَى الْجَدِّ وَالْجَدْوَى مِنْهُ إِلَى الْهَزْلِ وَالْعَبَثِ: لِمَاذَا لَا نَكْتُبُ؟ لِمَاذَا نَتَمَنَّعُ أَوْ نَتَرَفَّعُ أَوْ نَتَضَعْضَعُ أَوْ نَتَلَكَّعُ؟ وَقَدْ "رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ"، وَكَانَتْ مَشِيْئَةُ اللهِ: (اكْتُبْ)؛ بَعْدَ مَشِيْئَتِهِ: (اِقْرَأْ)؛ اِقْرَأْ بِاسْمِ الَّذِي خَلَقَ وَعَلَّمَ...، وَاكْتُبْ بِاسْمِ الَّذِي شَاءَ وَقَدَّرَ... .
اِقْرَأْ، ثُمَّ –إِنْ أَذِنَ اللهُ لَكَ- فَاكْتُبْ؛ لَعَلَّهَا الْكِتَابَةُ تَشْفَعُ أَوْ تَنْفَعُ أَوْ تَرْفَعُ أَوْ تَدْفَعُ، وَاضْرِبِ الْقَوْلَ بِالْقَوْلِ؛ حَتَّى يَسْتَوِي الْكَلَامُ، وَيَسْتَقِيْمَ الْمَعْنَى، وَتَسْتَقِرَّ الْفِكْرَةُ، وَيَسْطَعَ الْحَقُّ، أَوْ تَسْقُطَ أَقْلَامُنَا، دُوْنَ ذَلِكَ، أَوْ كِتَابَاتُنَا تُمْحَق.
مَحَبَّتِي، وَهَذِهِ