وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته
أهلًا بالأخت العزيزة الأستاذة رشا ومرحبًا
وتحيَّة طيِّبة لضيوفك الكرام من أعضاء وزوَّار
مع أنَّني في عزلة طوعيَّة منذ مدَّة، وبيني وبين العالمين حجب وأستار، وكذا بيني وبين الكتابة جفاء وإدبار، إلَّا أنَّني لم أقوَ على التَّخلُّف عن الدَّعوة، فأرجو المعذرة على تواضع المداخلة، ومثلكم يعذر.
تعلمون، وأعلم، أنَّها المحبَّة هبة من الله تعالى ونعمة عظيمة من نعمه الكثيرة علينا، وأنَّها المحبَّة تكمن فينا منذ تكويننا، إلى أنْ يُهيِّئَ الله لها ما يثيرها ويذكيها، ويسخِّرَ لنا من ينبِّهنا إلى وجودها فينا، فنكتشفها في كلِّ مرَّة كما لو أنَّنا نكتشفها للمرَّة الأولى. إنَّها فينا منذ البداية ومعنا، وهي في فطرتنا بذرة حيَّة منذ أنْ تُنفَخَ الرَّوح فينا، لا نستحدثها ولا نستوردها، ولكنَّها في لحظة ما تبزغ فينا كما النَّبتة الطَّريَّةِ اللَّيِّنة في التُّربة الصِّحيَّة الصَّالحة، ثم سرعان ما يشتدُّ عودها ويقوى ساقها، فتصير شجرة مثمرة، كثيفة الأغصان، وارفة الظلال، طيِّبة الرَّائحة والمذاقِ، لا تحتاج منَّا إلَّا إلى رعايتنا لها واعتنائنا بها، وإلَّا ضمرتْ بالهجر والإهمال... وخبثتْ ثمَّ ماتتْ واندثرتْ.
وسواء كان موضع العاطفة القلب أو الرَّأس؛ فإنَّها الرُّوح هي موطن الحبِّ والإحساس والحدس والإدراك، إليها يجتمع أمر العقل والعاطفة، وهي الَّتي تستعذب أو تتعذَّب، تلتذُّ أو تتألَّم، تقنط أو تتأمَّل... وليس أجمل من الحبِّ الرَّوحاني الخالص وأكمل إلَّا اجتماع الرُّوح والجسد في حبٍّ لا يغادر إطار الحلال، وإلَّا فالصَّبر مع العفَّة والاحتمال مع الأمل وإحسان الظَّنِّ بالله ثمَّ بالذَّات. وما دامت الرُّوح هي موطن الحبِّ ومهده ولحده، فإنَّها الرُّوح الرَّهيفة الشَّفيفة الظَّريفة اللَّطيفة... أقدر من غيرها على احتضانه وحسن رعايته، لا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى، صغير وكبير، غني وفقير... ولكنَّها درجة كتمانه أو البوح به تختلف من روح إلى روح، وروح المرأة عمومًا أقدر على الاحتضان والاهتمام وأحوج إلى البوح بطرق عديدة ومتنوِّعة... ويُقال: "الرَّجل بصريٌّ، والمرأة سماعيَّة"، يعشق الرَّجل بعينه، وبأذنها تعشق المرأة، فهي تتجمَّل له، وهو يتغزَّل بها. ويُقال -أيضًا- : "الرَّجل صيَّاد، وطريدته المرأة"، و"الكلمة" من أدواته الفاعلة والمعينة له على بلوغ غاياته، نظرًا لمكانتها عند المرأة.
الحبُّ كلُّه خير، ولا يأتي إلَّا بخيرٍ، ولكي يصمد ويستمر لا يلزمه إلَّا أنْ يكون صادقًا، ولكن ثمَّة من يخلط بين الحبِّ وأشباهه، ومن يتحامل عليه ويتجنَّى، ظانًّا أنَّها الخيانة من الحبِّ، وأنَّه الغدر من الحبِّ، وأنَّه الإهمال من الحبِّ... بينما لا علاقة للحبِّ بهذه الشُّرور كلِّها، بل إنَّها -في حال وجودها- دليل دامغ على براءة الحبِّ منها، وأنَّه الحبُّ لم يكن -منذ البداية- حاضرًا في الجريمة ولا مشاركًا في الجناية.
دمتم، جميعًا، بخير، والله يحفظكم.
