منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - العرب بين الأمل والتخبط
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-31-2009, 01:09 AM   #1
محمد مهاوش الظفيري
( قلم نابض )

افتراضي العرب بين الأمل والتخبط


العرب بين الأمل والتخبط


مدخل :
نجح العرب في عملية استقلال الدولة لكنهم فشلوا في بناء دولة الاستقلال لأنهم كما يقول ابن خلدون " إن من عوائد العرب الخروج عن ربعة الحكم وعدم الانقياد في السياسة ، فهم متنافسون في الرئاسة ، وقل أن يسلم أحد منهم الأمر لغيره ، ولو كان أباه أو أخاه " . لذا فكل ما يريد تطبيق واقعة وفلسفته الخاصة وتصوراته التي ارتآها لنفسه والمجتمع .

مسلسل السقوط :

عند سقوط فلسطين رسمياً ، وقيام هذا الكيان المسخ المسمى بدولة اسرائيل في 1948م . حدثت هزة نفسية عميقة في نفوس العرب ، الأمر الذي دفع بعض قادة الجيوش بالتحرك من ثكناتهم العسكرية ضد الحكومات الوطنية , حيث وثب الضباط على مقاليد الأمر في بلدانهم كالعراق ومصر وسوريا . لكن هذه الجيوش لم تفعل شيئاً يذكر ، إذ تعرضت الأمة على أيديهم لهزيمة من نوع آخر ، اصطلح عليها مجازاً بالنكسة المشهورة بنكسة حزيران عام 1967 ، للتغطية على مدى الخزي الذي ألمّ بهذه الأمة ، غير أن هذا المسلسل – مسلسل السقوط العربي – لم يقف عند هذه الحدود إذ نشبت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975م بين أبناء الوطن الواحد , ثم بعدها وأثناء هذه الحرب حصل الاجتياح الإسرائيلي للبنان ، وهنا دخل اليهود الصهاينة ثاني عاصمة عربية ، وعاثوا بها فساداً ، لكن الأمر لم يقف عند هذه النقطة , حيث بدأت الحرب العربية – العربية المصغرة من خلال المليشات اللبنانية المسلحة ، وهكذا دخلت في هذه الحرب أطراف غير عربية كإسرائيل وإيران وبعض الدول الكبرى ، بالإضافة لدخول بعض أجهزة المخابرات في معركتها الخاصة والخفية القائمة على التصفيات الجسدية لبعض المعارضين لهذه الأنظمة أو تلك .
وبعد هذا النزيف بسنوات جاء الغزو العراقي للكويت في 2/8/1990م والذي دق المسمار الأخير في نعش الوحدة العربية ، والتي أدت لقيام حرب أهلية عربية كبرى ، بمساعدة دول أجنبية كثيرة , ولا زلنا نعيش تبعيات هذه الحرب حتى الآن , سواء في تعامل بعض الأنظمة العربية فيما بينها , أو من خلال نظرة الأخوة الأشقاء العرب لبعضهم البعض .

الأزمة الحقيقية :

إن هذه الأحداث الدرامية المتتالية وهي كثيرة فلا يمكن أن تحصى ، يجعلنا نعيد النظر متأملين بكلام ابن خلدون ، ويدفعنا إلى التدقيق بحالة العرب النفسية , فهم رافضون لمبدأ العيش تحت مظلة سلطة واحدة ، الكل يريد أن يدلو بدلوه حتى لو كان نصف كلامه خاطئًا ، والنصف الأخير غير ممكن التنفيذ ، فهم – أي العرب – قاوموا الرسول – صلى الله عليه وسلم – فلم تدن له الجزيرة العربية إلا بعد أن خاض عدة غزوات " حروب أهلية " سواء مع قومه الأقربين قريش أو مع قبائل العرب الأخرى ، وعندما آلت الأمور لخليفته أبي بكر الصديق , عادت الأوضاع للمربع الأول . مما دفعته الظروف الراهنة _آنذاك_ لخوض عدة حروب عرفت بالتاريخ الإسلامي بحروف الردة , من أجل فرض هيمنة الدولة وبسط سلطانها على الجميع , وهنا تظهر حنكة الصديق السياسية , إذا دفع الجميع لخوض عدة حروب خارجية " الفتوحات الإسلامية " وذلك من أجل تفريغ الجزيرة من عوامل الشقاق , ومن ناحية أخرى _ وهي الأقوى _ نشر هذا الدين للناس كافة , وحين بدأت ملامح انحسار الحكم المدني في الإسلامي ، المتمثل بالخلفاء الراشدين لحساب قوة الجيش والعسكر المتمثل ببني أمية . عادت قرون الحروب الأهلية من جديد . واستمر المسلمون في هذه الصراعات المتتالية ، إلى أن جاء عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، الذي قمع كل المخالفين الدولة ، لتعود الفتوحات الإسلامية تشتعل ، وذلك عندما بسط سلطان الدولة على الجميع من جديد .


العالم غابة بشرية :

لهذا قلما أن ينقاد العرب للسمع والطاعة إلا بالقوة ، وهذا خير مفسر لمقولة ابن خلدون السابقة .وأمام هذه الزلزلة العربية الواضح ،وعدم المقدرة على حل المشاكل ، يلجأ العرب للحديث دائمًا عن المؤامرات الخارجية التي تحاك لهم من قبل الشرق والغرب . والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة أمام هذه الإشكالية : ماذا فعلنا لمقاومة هذه المؤامرات ؟؟.
الرفض السلبي : والاحتجاج الصاخب ، والمظاهرات الحاشدة ، والخطب الرنانة ؛ لن تطعم الجائعين خبزاً ، ولا تقدم الماء للظامئين . ويجب علينا أن ندرك هذه الحقيقة ، أن الدول الكبرى ليست جمعيات خيرية ترعى السلم والسلام
أننا نعيش في غابة يسكنها البشر , والبقاء للأقوى ، والضعيف عليه أن يكون تابعاً وعبداً مطيعاً للسادة الكبار . العالم في سباق محموم نحو المستقبل . ونحن نعيش على ذكريات ماضٍ حي في الذاكرة ، وميت على أرض الواقع ، ونتطلع إلى مستقبل لا يمكن رؤيته في الأمد القريب . الكل يريد الوصول إلى بر الأمان ، والتطور بطريقته الخاصة . والويل كل الويل لمن رضي الحياة بين الحفر حسب تعبير الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي .
الكل يريد التطور , وبناء حضاراته الخاصة به , والحفاظ على موروثه الفكري والثقافي والإنساني . غير أن هذه الأمة تعيش حالة من عدم الثقة . وها هو الدكتور تركي الحمد في كتابه " الثقافة العربية في عصر العولمة " يحاول تمرير العولمة لنا وتسويقها لنا بكل السبل ذاهباً إلى القول بأن العولمة هي توحد الثقافات لا أحادية الثقافة . رغم أن كلا المسميين يؤديان لنفس المعنى والنتيجة . فأحادية الثقافة تؤكد نسف أو ذوبان الثقافات الأخرى ، وتلاشيها لحساب الثقافة الأقوى . أما توحد الثقافات فهذه التسمية تؤكد التسمية السابقة ، إذ أن كل الثقافات الضعيفة أو المهزوزة على أدق تعبير سوف تدور في فلك الثقافة الأقوى . الأمر الذي يترتب عليه ذوبان تلك الثقافات في الثقافة القوية المسيطرة على العالم ، وذلك عن طريق عناصر الالتقاء بين الثقافات ، لأن الثقافة نتاج فكري إنساني ، ولابد أن تكون هناك عناصر الالتقاء - ولو بشكل غير مباشر – وعلى هذا فستكون الثقافة الأقوى هي المستفيد الأول والأخير من هذه الفوضى العشوائية المفتعلة ، لكن الأمر لم يقف عند الدكتور تركي الحمد عند هذا الحد , ولأنه مغرم بالآخر وحريص على تمرير هذه الآخر إلينا بكل السبل , إذ عزا انتشار هذه الثقافة – الثقافة الأمريكية – إلى بساطتها وملامستها للواقع ، وعدم نخبويتها النسبية وقدرتها المذهلة على التكيف مع المتغيرات , مقللاً من نفوذها الأمبريالي الطاغي المدعوم بقوة التسليح والاقتصاد والسيطرة على وسائل الإعلام , والقدرة الهائلة على تزييف الحقائق


إشكالية المصطلح :

إن هذا الكلام يقودنا إلى الاعتراف بفقر أو ضعف المصطلح لدينا , وإننا غير قادرين على تسمية الأشياء بشكلها الصحيح , فنحن دائماً تبعاً للآخر . لا نسمي الأشياء بمسمياتها التراثية الخاصة بنا . فالأندلس التي حكمها العرب قرابة ثمانية قرون , خرجوا منها خاليي الوفاض حتى من الاسم . هذا الفقر في المصطلح لم يقف عند حد " أسبانيا " أو الأندلس حسب التعبير التراثي التاريخي لشبه جزيرة أيبيريا ، حيث اختفى مصطلح " الوطن العربي " الدال على الوحدة في الخطابات العربية ليحل محله " العالم العربي " الموحي بالتعددية والتجزؤ . ولم يقف هذا السقوط أو هذا الفقر والعجز الاصطلاحي ، حيث انقسم العالم العربي إلى شطرين " الشرق الأوسط ، و " شمال أفريقيا " مسقطين من ذاكرتنا العربية مسمى " المغرب العربي " , ومدخلين تحت مسمى الشرق الأوسط كل من اسرائيل وايران وتركيا , وقد تبنى هذه التسميات قادة الغرب ، وتبعهم بعض السياسيين العرب بقصد أو بدون قصد . وفي هذا السياق حريّ بنا الوقوف عند تعبير " أعمال عنف " التي جاءت بدل تعبير " الانتفاضة " الدائرة في فلسطين المحتلة , في عدد لا بأس به من الخطابات السياسية , والتي تبثها وسائل الإعلام الغربية " للتقليل من الأهمية التاريخية للإنتفاضة والتمويه على المعتدي الحقيقي والمتسبب الفعلي في أعمال العنف " وفق ما بقوله الدكتور خلدون حسن النقيب , لأن أعمال العنف لا توحي بأن هناك ظالم أو مظلوم ، بل ظلم متبادل وفوضى عارمة . أما الانتفاضة فتوحي بوجود عنصر مظلوم . انتفض على الظلم .


الموقع بين المشكلة والحل :

أمام هذا الشتات العربي الملموس ، والهزات النفسية المتعاقبة ، يجدر بنا الوصول لهذه النقطة , وهي أن العرب يعيشون في منتصف العالم . هذا الموقع الجغرافي له عدة مزايا وعدة عيوب . لعل من أهم مزايا هذا الموقع الجغرافي ، وهو كون هذه الأمة تحتل مركز الدائرة في العالم ، خاصة القارات الثلاث ، لهذا فهم القلب النابض لهذا العالم القديم والحديث . وهذا هو مكمن الخطر وبيت الداء ، وهو من أهم عيوب هذا الموقع فهم – أي العرب – لابد أن يكونوا مطمعاً لكل قوي راغب في السيطرة على الممرات البحرية الهامة ، وعلى هذا الأساس فهم أمام خيار لا محيص عنه ، إن أرادوا النجاة ، والحفاظ على كيانهم ، ولا يكون هذا لهم إلا بالإتحاد والوحدة . إنها هي الخيار الحاسم ، والحل النهائي لكل أزمات هذه الأمة . ولا أعني هنا الوحدة السياسية أو العسكرية ، فهذا المشروع غير قابل للتنفيذ حتى في المستقبل غير المنظور ، على الأقل وفق تداعيات هذه الأيام . وإنما أعني اتحاد المواقف والوحدة الاقتصادية على نسق المجموعة الأوروبية. أو اتحاد كاتحاد دول شرق آسيا في أضعف الإيمان ، وأن لا تقفوا مكتوفي الأيدي ، والعالم يتطور من حولنا .



لماذا العرب ؟ :

قد يقول قائل : لماذا هذا الاهتمام بالعرب ، وترك الإسلام كدين ومنهج حياة ؟؟! ولكي أكون أكثر وضوحاً وواقعية فلابد من إيراد هذه القناعة , لا لذر الرماد في العيون ، بل للتأكيد على منهجي في الحياة . لدي قناعة راسخة كرسوخ الجبال وكثبوت السماوات والأرض ، أن خلاصنا بالإسلام ، وأن هذه الأمة لن تعز إلا بالإسلام ، وإن أرادت العزة في شيء سواه أذلها الله ، كما جاء في الأثر , غير أن العروبة أو العرب حسب الإرث الحضاري التاريخي لهذا المفهوم ، لا حسب الفهم الغربي لكينونة القومية ، يجب الاهتمام بها , لأن العرب مادة الإسلام وجوهره الحقيقي .
إن الطريق لإصلاح المجتمع يبدأ من المنزل ، وحتى نتمسك بعرى الإسلام المفقودة , فلابد من الإمساك بعرى الثقافة العربية المتساقطة أمام ضربات بعض الإسلاميين والليبراليين , وتشكيك وسائل الإعلام الغربي بها . يجب الإمساك بعرى هذه الثقافة ، والإحساس بكرامة هذه الأمة العربية قبل الانتقال للأيدلوجيا الأعم ، وهي الإسلام .
هناك عروبة عرجاء ، قادتها المواقف المتشنجة ضد الآخرين من المخالفين لرموزها السياسيين . وهي تلك التي لا تعترف بالدين الإسلامي كعامل مهم وأساسي في بناء الشخصية العربية . هذه العروبة العوجاء المشوشة ، هي التي قادتنا إلى تقسيم فلسطين ، ومن ثم ضياعها فيما يعد ، وهي التي جرت علينا الويلات ككارثة الخامس من حيزران ، ومن بعدها الحدث الصاعقة , وهو الصاعقة الكبرى المتمثل باحتلال العراق للكويت . هذه المواقف وغيرها دفعت بعض المثقفين العرب للخروج عليها ، لا من أجل تقويم سلوكها أو تقييم مسيرتها ، بل من أجل نسفها والقضاء عليها ، وذلك من خلال تكريس الطائفية الدينية والإقليمية في نفوس الناشئة . لهذا تولدت في نفوس الكثير من الناس – أي العرب – عدم الانسجام وعدم التناغم مع قضاياهم المصيرية .


الأمل والعمل :

لقد كان نابليون بونابرت , وهو يقاسي في موسكو مرارة الهزيمة والشتات والضياع وقساوة الثلوج ، كان يفكر ويخطط لتنوير شوارع باريس , كما ذكر هذه المعلومة المفكر الجزائري المعروف مالك بني نبي . إنها عزيمة الرجال التي لا تكل ولا تمل من العمل , والبناء والتطلع إلى المستقبل في أحلك الظروف ، وكذلك كان قبله بمئات السنين ، كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – يعد أصحابه بالمستقبل الزاهر ، وهم يحفرون الخندق دفاعاً عن المدينة المنورة ، لا من أجل دغدغة مشاعرهم ، بل ليواصلوا , ليزرع في نفوسهم الأمل , ويجعلهم يتمسكون بالعمل .. العمل .. ولا شيء سوى العمل
إن العمل في حفر الخندق هو بوابة الدخول للمدائن ، والسيطرة على بلاد الشام , لأن بعد الخندق بدأ المد الإسلامي بالتحرك , كمعاهدة صلح الحديبية وفتح خيبر وفتح مكة وفتح الطائف , ومن بعدها توافد قبائل العرب للإسلام فيما عُرِف بالتاريخ الإسلامي بعام الوفود



التخبط :

إننا نعاني هذه الأيام من ضعف الإرادة الشاملة ، ضعف الإرادة السياسية التي لم تحقق الانسجام بين الحكومات والشعوب . وضعف الإرادة الدينية المتعلقة بأهواء القادة السياسيين وانقياد بعض العلماء لها ولمصالحهم الآنية . وضعف الإرادة الثقافية والاجتماعية التي لم يكن لهما أي دور يذكر في هذا الطوفان الجارم . هذا الضعف العام أوجد لدينا العديد من مشاريع التخبط , لعل أوضحها عدم تحديد العدو . فالإسلاميون لهم أعداؤهم ، والقوميون لهم أعداؤهم ، والليبراليون لهم أعداؤهم , وكل من هب ودب له عدوه الخاص . ثم هناك ضعف أخر ، وهو ضعف الأداء ، فالكل منا ينظّر حتى كاتب هذه السطور ، دون أي عمل يذكر وملموس على أرض الواقع . وهذا التنظير المقرون بعدم العمل ما هو إلا ترف فكري ورفاهية ثقافية نمارسها في ساعات الفراغ . غير أنه يحدوننا الأمل في أن تكون ذات يوم حجرًا – أيّا كان موقع هذا الحجر – بأن يكون هذا التنظير أو ذاك , لبنة لبناء مشروع عربي متكامل ينتشل هذه الأمة من سباتها العميق .

 

محمد مهاوش الظفيري غير متصل   رد مع اقتباس