:
.. السحرُ المربّع !
أحد أشكال الديكتاتورية الواضحة , أن يطبع فوقَ جبينك إتهام مفبرك (أو لايطبع) وتلقى وراء الحجرات وأنت تتحسس القضبان الحديدية والسلاسل , تشعرُ بقيودك تمنعك من التحرك , تقطعُ دوابرَ الحرية من قدميكِ المتصلبتين .
أما الشكل الآخر الأكثرُ طغياناً , أن يخلو جبينك من كل اتهام , وأن لاترى القضبان .. وأنتَ ملقي وراءَ آلاف الحجرات !
في زاوية غرفة أو في صدر المنزل , لايشكل هذا فرقاً , هناك سحرٌ مربعْ يلقمنا الإيدلوجيات المدوزنة , يمدُ كفوفه المتمرّسه بسرقة العقول , يسلبُ عقولنا , يضعُ مكانها شيءٌ يلوكونه كيفما يريدون , يشكّلونه حسبما تملي عليهم نواياهم .
يقولون لنا مايريدون أن نمشي على وتيرته , يغلّفون الحقيقه , يستبدلون حناجرنا بأصواتهم : هذا صوتُ العامة يتحدث !
يلمّعون الهويات المتسخة , يخبروننا أن الصحيح مايقولونه , ينفروننا من ممارسة الشيء الذي يصفونه الأبله .. : التفكير .
نحنُ نلبس كالتلفاز , نأكلُ مانراه بالتلفاز , نفكر كالتلفاز , نربي أبنائنا بالتلفاز , نتحدث كالتلفاز .. التلفاز حياتنا .
أعظم القوى المؤثرة بوقتنا هذا هو الإعلام المرئي , هو العصا السحرية التي يوجهها النظام نحو رؤسنا , يقول لنا مايريد ان نصدقه كحقيقة , الإعلام المرئي هو صوت النظام , وأي من كان , لو استطاع ان يقول للناس شيء ويجعلهم يصدقونه كحقيقة , فقد امتلكهم , الإعلام المرئي يمتلكنا , عقولنا أراضٍ خصبة يزرعون فيها مايريدون منا ان نطعم انفسنا من ثمره , ثمر زرعهم فقط .
ان المسافة مابين مايصور لنا وماهو حقيقه هو بعدٌ عميقٌ جداً , نحن نتعرض لتنويم مغناطيسي كبير جماعي .
إعلامنا العربي المتشربك , يبثُ الكثير من الأخلاقيات المنحدرة والقلائل القلائل من الهادفات إلى الرقي وزيادة الوعي الغائب عن المشاهد المتسمّر أمام سحرهم , ولو نظرنا بعينٍ معزولة عن تزمّت التغييب بعقولنا , لرأينا مايصبونه في أدمغتنا من سُخف , يحشون الشارع بصغائر الأمور .. يسكبون عليها التلفيق والتلميع , ينمونها وتكبرُ في رؤسنا الفارغة قضايا لاتغني ولاتسمن ولا تفلتُ بنا من جوع , ونظل نحن الأرض الخصبة , المغرية لزرع مايريدون وماتملي عليهم انفسهم الشحيحة الفضل .
نسبة القراء العرب لعام 2007 لا تتجاوز 4 % حسب التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية , أي أن جزء كبير جداً من النسبة المتبقية يستقبلون ثقافتهم من السحر المربع , وهذا مايخلق قشرة أخرى (مائية) فوق قشرة أدمغتنا تجعلنا لانمانع في استقبال اي شيء يقدم إلينا في أطباق هويتهم المغرمون نحن على الإعتراف بها .
القراءة هي هيوتنا المفقوده , هو درعنا المانع لقذائف الفكر المغلّفه الوابلة علينا بالإنسياقية , سنظلُ ننساق تحت راية الإعلام المرئي المرئي , إن لم نخلق لنا استقلالية فكرية بالقراءة , البحث , ايجاد المعلومه كما هي , بدون تغليف ولاتلميع .
هذا لايمنع ان كل مايقدم لنا هو مغلّف وبه الفٌ من النوايا المخبئة , هناك ماهو صافي يطمح للرقي , للتثقيف , لإطلاق أبواق الحرية الفكرية .
- الإعلام المرئي : أكبرُ مؤثر على العقول , نستطيعُ به تنوير واصلاح اجيال واجيال , ولكنه في الوقت الحالي (سيرك) .. شيء يطرد الملل (نظرية) .
كتبه : زياد الروقي , 14 آب 2010