
[ القَوْلُ المُقتطفْ ] :
((القبر بارد يا أمي .. أرسلي لي قميصاً من الصوف ))
/
،
[ القَوْلُ عَليْه ] :
حتى تقليم أخر ( رسالة )
الصباحات تفقد رونقها ...
تنثني الشمس في طريقي
لترتب مستوى صمت الرحيل ..
تسرح بالشجن شَعث التراب ...
والريح تنفض يديها في حسرتي ...
في كل مرة أحاذي هذا الحزن
أتأكد
بأن المسافة بين حنينين لا تغيرها كلمة ...
في كل مرة أقترب من عجزي مسافة إنسان ,
أُصدم بسواعد حيلتي ....
في كل مرة أحييّ السكون بعينٍ غائمة ,
أتحاشى مقعدك
كي لا أرتكب جريمةً في صبري
كي لا أكتشف بأن فقدك بارعٌ في تحديث نفسه ,
كانفعالات المطر ..
كالمساءات الحزينة ...
كأحضان أمي ....
*
*
*
المرور أمام مكانٍ مفخخٍ بالحفر ؛ أمرٌ يبعث على الخضوع لرغبةٍ قاصمة بصمتٍ قاصف ...
المرور بمحاذاةِ قدرٍ قادم , مبعثٌ على الانزلاق في غيبوبة وتقليب رأسك بكم هائل من عقفات الاستفهامات ..
ترى كم حزيناً يمسك الآن قلمه مُجهزاً رسالة إلى الله ,
يرجوه بملء فقده الاهتمام بعينين تركها على الجانب الآخر من الباب ككرتين احتياطية للزمن .. ؟!
كم أخرساً يستجمع صوته من حناجر الأرشيف في محاولة لإرباك سمع ابن من المفترض
أن يقدم له عربون الصلاح بصدقة ...؟!
كم من محتاجٍ ينتظر ثغرةً في رؤيا نبيٍّ صغير, كي يتسول المتناسين قرشاً يرقع جرحين بحاجة متضادة..
وكم من مفجوعٍ ,استفاق على طرق النعال متأملاً في حبيب قادم ...؟!
كما تفعلها كلما سمعت قرع قلبي يمر بصمتك كل يتم ...
ولأن الحياة ظنّت بغرورٍ أنها استوعبتني ؛ تأخرتُ عليك بما يكفي لكي تنضح لهفةً إثرَ لهفةٍ , غرورها
لم يترك لي فرصة تفقّد ميدانها , و دوماً يذكرني بأني مازلتُ أصغر من الانتصار على كفٍ بعضلةٍ متضخمة
وكلي ساعدٌ أهزلَ من عود ثقابٍ جففته النار ..
و لحين أُرغمها مثلك على مواجهةِ فشلها في اقتناء رحابتي , لابد لي من عمرٍ إضافيّ أضعاف حزنك حتى
أبدو أكبر من لقمة تلتقمها , فتلفظني قانعة لرحابةِ حضنك كما يجب منذ الفقد ...
الانتظار ليس دائماً ما يكون مملاً يا أبي , كلانا مشغول بترتيب حزنه عن ثرثرة الساعات , كلانا يجلس
مباشرةً تحت القدر دون مظلة تنحرف بزاوية قسوته لجالس آخر , كلانا مشروع انتظار, وحقيبةٍ تامة
الأُهبة لرحيلٍ ما ..
في الفترة المنصرمة من فقدي , مرّستُ نفسي على أدبٍ يناسب هيبتك أكثر مما مضى , للحد الذي تعلمتُ
فيه كيف أضم يدي على صدري , وأضع إصبعاً كالواحد على شفتي تعبيراً عن التبجيل كلما مر اسمك ..
لا أنكر بأني كثيراً أعدتُ المشاهد الفائتة من الذّاكرة , عدلّتها آلاف المرات كما يليق بحبي لك ,
وفي كل مرةٍ كنتُ أخرج مني, يثقلني يقين ما
" بأن حبي لك غدى أكبر من مسألة القناعة بتقديسك وإرضاء ضمير بائس "....
ولأني سمعتُ بأن المكان هناك ككحل أمي , كحّلت عينيّ بنور ( المُلك ) مراراً , وتفقدتُ صدري حتى
لا أنسى قنديلاً مطفأً بلا دعوة تذيب حلكتك حينما تنطفئ عيناي نوما ً..
لم أنسَ تذكير الجميع هنا بأنك كثيراً ما وقفت إيثاراً أمام باب الجامع وقت الصلاة , مُسترداً لأقدام
المصلين أمانها من سارقٍ يبحث عن غفلتهم ليفرَ بخطوةٍ جديدة , كما لم أنسَ أن أتعلم مُهماسة
" الزنانير" بأصابعي ,
حتى إذا ما شاء الله أن يثيبك بجوربيّ مسك , تكون أصابعي جاهزةً لأصواف رضاه ...
هذا الحنين يا أبي أريد القول بأني, حتى هذه اللحظة المتأخرة من الفقد , مازلت أكره كل تعب عدا تعبي
لك , كأنه ما خُلق إلا ليُجمل كل تعب في موازاته , أو يُقبّح كل ما دونه ..
...أريد القول بأني ,لم أتألم كما ظننت حينما كنتُ أهيء راحتك على الجانب البعيد عن الجرح وحدي ,
آلام أسفل الظهر عادةً جسديّة لعينةً استدلت عليها يديّ ولا دخل لانهيارك بها , الضباب الأسمر المحلّق
حول عينيّ والذي سألني عنه حنانك دائماً ,لا علاقة لسهرنا المشطور به , علمتُ أنه مكيدة " الأنيميا "
التي عاثت فساداً في شبابي و أكلت ما بقي من نضارتي . هُزلي الشديد, لا يمتُ لاهترائك بصلةٍ أيضاً ,
واظبت بسرّية أنثوية على " كبسولات " لا تعرف طريقة دوبلوماسية في الخطاب مع الغرامات الزائدة .....
هذا الحنين يا حزني الأعظم ,
أصدقك الحس بأني كنتُ سأرضى بأي شيء على ألا تنخرط مع السهم النازح لجاذبية الهزيمة,على ألا تسمح
للموتِ بتقليم روحك كي لا تفسد ما تبقى من الألق في زهرتي , حتى لو كان ذلك يعني حملُك أبدياً في " بقشةٍ "
على رأسي مهما كان ثقلها , مهما كان اهتراؤها , مهما كان بؤسي وكان بؤسها , قانعةً بتفتت ظهري ,
وأسوأ من ضياع حسني , بل أكثر من هزل ظلي . كنتُ سأرضى بترتيب أعضاءك بين أصابعي والصمود
بها على إصبع واحد دون سقوط أيّ منها , المهم أن أشعر بأنك تنبض بالوجود لأجلي وأني أنبض في وجودك ,
أنا التي خرجت للحياة من ظهرك برعماً آملاً , لا يكفيك اليوم براً أن أصبح توأماً لسجادةِ صلاتك حتى تقليمي ,
غير آبهةً لشيء , ولا منتبهةً بأنك حينما بارحت أنفاسك , ما بارحتها إلا لتنبه صدري , بأن هناك دوماً أكثر
من طريقة لاقتباس الحياة ......
28 جمادى الأولى, 1430
03:06 م
.........
( نهلة محمد )
[ القِنْديلْ ] :

[ صَاحب الِقنْديلْ ] :
يوسف العنزي