منذ ان بدأت تأتأتي الأولى في قراءة الشعر , وحتى المرحلة الحالية التي ادعي فيها انني أصبحت اقرأ بوعي أكبر, وبمعرفة أكثر بماهية الشعر,"او هكذااظن احياناً", كنت ارى تطوراً كثيراً وقفزات هائلة في القصيدة العامية, سواء من حيث الشكل او اللغة او الصور في جميع اغراض الشعر, ماعدا "القصيدة الوطنية" ان صحت تسميتها غرضاً شعرياً مستغلاً بقيت رهينة لنسق شعري واحد, حيث يكون الشاعر خارج النص, فيرى ويتكلم عن الوطن كأنه يعيد قراءة لوحة , ربما لان القصائد الوطنية في اكثر احايينها بقيت كنص منبري يتطلب المباشرة او من خلاال مايُسمى "بالاوبريتات" , حيث غالباً مايكون الولج لنص وطني اما من خلال رموز تاريخية او من خلال سرد تاريخي لمراحل التطور والتنمية,في الغالب –كما اسلفنا- يكون الشاعر كشاهد عيان .
من خلال ماسبق احاول ان أهيي نفسي للولوج في نص مازلت تحت وطأة دهشته منذ ان تم نشره في هذه الصفحات الاسبوع المنصرم,رغم انني لن اطرح نفسي ناقداً بقدر ماهي انطباعات قاريء يحاول ان يكون ايجابياً, ويقول "صح لسانك" بطريقة- يراها- أجمل!
النص المعنون بـ"ياموطني" للشاعر عاطف الحربي, النص من بدايته لم يبدأ بإستهلال ودخول تقليدي, بقدر نقل القاريء لمرحلة حنين, ومن خلال صوت الشاعر الذي يمثل الإنسان:
[POEM="font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""](حنّيت لك في كل يوم آتحراك = وفي كل يوم يمرّ كنت احتفل فيك)[/POEM]فالحنين هُنا مدخلاً يوغل الشاعر من خلاله بإرتباطه بالموطن, وكان الحنين مستمراً كما هي اختيارة لمفردة"اتحراك" , فالانتظار هًنا يهيء لرحلة بصبحة الحنين ليتم من خلالها العودة لبدايات ارتباط الانسان بالأرض,واستمرارية الفعل تبررها الاحتفالية الدائمة في الشطر الثاني, وهًنا وصل مالم يقله الشاعر صراحة وان كان أراده , الوطن ليس يوم وطني, او نص لإحتفال!
[POEM="font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""](في سكة المسجد والآذان يرقاك =في ريحة الفجر وعيون الاتاريك)[/POEM]مازال الشاعر يوغل بذاكرة القاريء ويمارس عليها "ضغوط الحنين" للأشياء البسيطة في الاحياء الأولى ,فالطريق الى المسجد هُنا هي اول رحلة الاطفال في "وقت" غير معهود , فالخروج للصلاة يمثل شيئاً جديداً للطفل الذي لم ارتبط الليل معه بالسكينة والهدوء, على ضوء "الاتاريك" في وقت كانت هي السلاح الوحيد المُتاح لمحاربة العتمة,ام "رائحة الفجر" فهذه دهشة تُلجمني الصمت إنشداهاً, فمحاولة تفكيك هذة الجملة غباءاً لا احب ممارسته,وام كان لكم فرصة مداعبة خيالكم بها كما فعل هذا الـ"قاطف" المديني المذهل!
[POEM="font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""](في المدرسة وعيون الاستاذ تقراك =في الفسحه, وتمسح على روسنا يديك)[/POEM]والطفل هنا بدأت الدروب تتسع امامه ومعه, فـ"السكّة" التي عرّفت اقدامه لـ"الف" الوطن لم تعد وحدها ماينمّيه بداخله, فالمدرس يقرأ ايضاً عن الحب المشترك, والوطن لايغادر العقل, يبقى عطوفاً يتحسس برحمة رؤوس الابناء,.
[POEM="font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""](في الملعب اللي لاعوارض ولا شباك = في نشوتي وقت الهدف والتباريك
في الحارة ان مرّت بنا من حكاياك = ريم, أوصحى من مفرج لنا ديك!)[/POEM]غالباً مايصوّر الشعراء المراحل التي مرّبها الوطن, ولكن فطنة هذا الشاعر تصوّر بحكمةٍ نازفة وفطنة وارفة مراحل عشق الانسان للوطن, منذ بساطة الجميع المكان والشاعر, فالحي القديم و"شطحات "المراهقة الاولى, من الملعب الترابي, لتفاصيل أكير حميمة وبراءة!
ولا يزال الشاعر يسرد بإيقاع دافي وهاديء , ويقرأ خيوط الوطن الاولى به, ويوجه الخطاب له بمحادثة شفيفة .
[POEM="font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""](في المخبز وفي سُمرة الخبز ماشهاك = كنك تمد لجوع قلبي اياديك)[/POEM]بعد ان وصف العطف والرحمة في البيت الثالث هاهي صفة الكرم السخي بعظمته ترد بصيغة بكر مبتكره, فالسمرة هُنا رمز للإنتماء , فالقوت والانسان كلاهما أعطتهم الارض من لونها , و"السمار" هنُا ايحاء مجازي فتّان, قد لايستطع الوطن دوماً تقديم مايُحب لابنه, لكن اكرم لما يسد به "قلب" هذا الابن من الحب والدفء.
[POEM="font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""](في ضحكة اصحابي وفي غيرة اعداك = يوم ان تضيّفنا –سهارى-لياليك
في مجلس أمي في الحنين انتقواك = في ذكريات اعيادك وصوت ماضيك)[/POEM]رغم ان النص أخذ الحنين مدخلاً منذ البدء , الا ان الشاعر لم يفصح بها الا من خلال هذا البيت صراحة , وبقي في ذكاء حاذق يستدرج قارئه من خلال مواقف شخصية يُسقطها على الجميع,والشخصنة هُنا للإنسان وليس الشاعر وحده, -وهنا أستدرك مفردة "يسقطها" لان الموقف انساني للجميع!
[POEM="font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""](ياموطني ..لو القصيد ايتعداك = القلب مافارق غناوي حواريك)[/POEM]في ثمانية ابيات استطاع الشاعر ان لايجعل للقاريء فرصة للتساؤل عن من يعنية الخطاب, وفي البيت التاسع بدأ بإسم المُخاطب,منوهاً ان الشعر حتى حاول ان يقرأ تفاصيله فأنه عاجزاً , ولم يستطع سوى لملمة الحواري التي دخل منها الشاعر ليربط بينه وبين موطنه,ثم –بوضوح أكثر- يخاطبه كحاضراً معلوماً ببيتين:
([POEM="font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""]نعايدك في وين ماحل طرياك=ويمْحبتك في صوت واحد نناديك
انت الأهل والاصدقاء لاعدمناك = وارواحنا بالمال والدم تشريك)[/POEM]ربما أراد الشاعر ان يكون اكثر وضوحاً , وتعقلاً, فأتى بمعني مباشر , فأتت المشاعر اكثر صدقاً وأقل شعراً, لكنه لم ينتهي بعد, فالطفل يعود:
[POEM="font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""](طفلك انا مهما كبرت آتهجاك=قصيدةٍ من تنتهي..تبتدي فيك)[/POEM]وكأن البيت الاخير اعتذار للبيتين السابقين,فالطفل هنا رمز للصدق والبراءه, وعدم الكتلّف, والنهاية ابتداء , نيابة عن الشاعر نتهجأ من جديد هذا النص.
وبعد:
أعترف انني حاولت أن قراءتي محاولة كما اسلفت لقول"صح لسانك" بطريقة ازعم انها أجمل, ولكن أعترف-وبإصرار ايضاً- انني مضظر أن اقول بعد القراءه أعذرني ياعاطف وصح لسانك!
آخر المشاركات
01-23-2008, 09:11 PM
موطن عاطف الحربي!
العرض العادي
