قارئي الكريم، أتعرف رجلًا كلما سار في طريق أو شارع، ونَمَت إلى سمعه موسيقى، تعقّبها، حتى وصل إلى مصدرها، بيتًا كان ، أو دكانًا، فاقتحم المكان ثائرًا صائحًا مذكّرًا بوجوب طاعة الله، والكفّ عن انتهاك حرماته، ثم إنه لا يكتفي بتلك الغضبة العارمة، بل يعمد إلى أيّ أداة ثقيلة يقع عليها بصره؛ فيحطّم بها الجهاز الذي يُصدر الموسيقى، وربما يأخذه الغضبُ كلَّ مأخذٍ؛ فيقرّر أن يقطع دابر الفساد، ويُريح العباد والبلاد من فسق مالك الجهاز؛ فيهوى بالأداة على أم رأسه فيفدخه؛ فيسقُط الفاسقُ متشحّطًا في دمه حتى يفارق الحياة، ولعلك تقول لنفسك، الآن: لا ريب أن بيت ذلك الرجل أقرب إلى مسجد منه إلى بيت من بيوت عامة الناس في زمننا هذا، وأن الزائر لا يرى فيه إلا زوجةً قانتةً مسبِّحةً، أو ابنةً ساجدةً باكيةً، أو أبناءً ضَوَت أجسامهم، وضمرت بطونهم، و قحَلَت جلودهم؛ من أثر الزهد، ومواصلة القيام والصيام، والإعراض عن الدنيا، و الإقبال على الآخرة؛ فهم منكفئون على مصاحفهم، يرتّلون آي الذكر الحكيم، آناء الليل وأطراف النهار؛ حتى أن المارّ ببيتهم ليسمع لتلاواتهم دويًّا كدويّ النحل ، وأقسم لك أيها القارئ الكريم، أن الموسيقى تصدح وتجلجل في ذلك البيت؛ حتى يتأذّى الجيران بأزيزها وصخبها؛ فيتقاطرون عليه للشِكاة، بيد أن الأمر لا يقتصر على الموسيقى؛ فبعض أبناء الرجل لا يصلّون الصلوات المفروضة ،ويأكلون المال الحرام، ويتعدّون على الضعفاء من الجيران وذوي القربى، بالسرقة وانتهاك الأعراض، على مرأى ومسمع منه، وهو لا يحرّك ساكنًا و لا ينكر عليهم فواحشهم، وربّما علّق عليهم، بين الفينة والفينة، بقوله : شبّان طائشون!، فهل عرفتَ الرجل ؟ .