(سنوات فرانكشتاين)
فهد الاحمدي:جريدة الرياض
طبيب التشريح الإيطالي لويجي جالفاني قام بتجربة بسيطة ترتب عليها قدر كبير من الأفكار العلمية والفلسفية الخاطئة.. ففي نهاية القرن الثامن عشر كانت الكهرباء معروفة ويمكن توليدها باستعمال البطاريات الحمضية.. وما فعله جالفاني ببساطة (هو ما تفعله أنت ببطارية سيارتك) حيث وضع الطرف الموجب والسالب على ساق ضفدع ميت.. وبسرعة "انكمشت" عضلة الفخذ ورفع الضفدع رجله بعنف - وكأنه سيقفز مجددا. وباستعمال تيار متناوب تمكن من تحريك كلتا الرجلين كما يحدث حين يتحرك الضفدع الحي لمسافة طويلة..
ونتيجة لهذه التجربة الغريبة اقتنع جالفاني (كما اقتنع علماء غيره) بأن الكهرباء هي سر الحياة وأن توقف سريانها في الجسم يعني وفاته وعدم قدرته على الحركة مجدداً.. ليس هذا فحسب بل ادعى أن الكهرباء الحيوية (كما أسماها) تتولد في الدماغ ثم تنساب في أنحاء الجسم عبر الأعصاب - وحين تصل للعضلات تسبب حركتها..
ولأن الفكرة بدت بدهية وبسيطة (ويمكن إثباتها على أي مخلوق ميت) اقتنع المجتمع العلمي حينها أنه اقترب من سر الحياة.. ليس هذا فحسب بل صدق معظم العلماء بإمكانية إعادة الحياة للموتى وأكد بعضهم نجاحه في تحقيق هذا الحلم فعلا..
ففي عام 1803مثلاً تمت دعوة جيوفاني ألديني (حفيد لويجي جالفاني) إلى لندن للبرهنة على قدرة الكهرباء على إحياء الموتى (أو هكذا اعتقد الداعون).. ففي يناير من ذلك العام أعدم مجرم يدعى جورج فورستر وأحضرت جثته بسرعة إلى كلية الجراحة الملكية حيث كان بانتظارها جيوفاني وعدد كبير من الفضوليين وطلبة الطب.. وحين استقرت الجثة على طاولة التشريح وضع جيوفاني القطبين في موضع معين من الفك ففتح الميت فمه.. ثم وضعهما في موضع معين من الفخذ فحرك رجليه للأعلى.. ثم وضعهما على الذراعين والساعد فشد قبضته ورفع يده باتجاه السقف..
وقد أبهرت هذه النتائج الحضور وشعر الجميع بأن إعادة الحياة للموتى أمر ممكن بفضل الكهرباء (وكان الحماس طاغيا لدرجة لم يهتم أحد بما قاله جيوفاني نفسه حول فشله في إعادة النبض للقلوب الميتة)..
غير أن علماء غيره في أوروبا لم يتمتعوا بالتواضع نفسه وادعوا نجاحهم في استعادة الموتى باستعمال الكهرباء - مثل العالم الألماني كارل أوجست الذي كرر في أكثر من مناسبة عن نجاحه في إعادة الحياة للحيوانات الصغيرة..
وقد أثارت مثل هذه التجارب - ومثل هذه الادعاءات - مخيلة العامة والأدباء على حد سواء.. فاعتمادا على ادعاءات الجلفانتونيين (نسبة إلى جالفن) كتبت الأديبة ماري شيلز رواية "فرانكشتاين" أشهر قصة رعب في التاريخ (حيث يبني أحد الأطباء المخبولين مسخاً مشوهاً من أعضاء بشرية متفرقة يعيدها للحياة باستعمال طاقة الرعد الهائلة)!!
... على أي حال:
تكرار التجارب نفسها أكد فشل هذه الفرضية وأثبت أن دور الكهرباء يقتصر على حث الخلايا العضلية على الانقباض.. كما أثبت أن حركة العضلات الطرية مجرد انعكاس عصبي كهربائي ليس له علاقة بما يعرف بسر الحياة (بل لا يختلف كثيراً عن تشنجات الخروف بعد ذبحه).. أما الأثر الوحيد الباقي من أفكار جالفن اليوم فهي ما نراه في غرف الطوارئ حيث يستعمل الصعق الكهربائي لتنشيط القلب واستعادة نبض المريض قبل فوات الأوان!