طلبت معلمة التعبير من الطالبات الصغيرات كتابة قصة عن أسرة فقيرة،فكتبت إحدى الطالبات وكانت ابنة أحد الأثرياء الذين عندهم مال يكسر الخشب:
كان ما كان، في قديم الزمان،أسرة فقيرة جدا جدا جدا،كان الأب فقير،والأم فقيرة،وأولادهم فقراء،وبناتهم فقيرات،وشغالتهم فقيرة،ومربيتهم ضعيّفة وفقيّرة،وسواقهم فقير،وحارسهم بعد فقير......!
ويحكى أن طفلا من أبناء الأغنياء"حوار ربيع"، ملأ بطنه ذات يوم من أيام الشتاء القارس، بالحنيني الدافئ،ثم تناول عليه كوبا من الحليب الساخن،ثم خرج إلى الشارع،فوجد أحد أبناء الفقراء ،وكان جائعا،وتصطك أسنانه بردا،فقال له ابن الغني: تعال طارحني!
فقال : أنا بردان،وأشعر بالجوع ،وليس لي رغبة في المطارحة.
فقال له ابن الغني: اذهب إلى بيتكم،وكل حنيني ،واشرب حليب،ثم تعال لتطارحني!
وذات يوم طلب معلم التعبير من أحد فصول المرحلة الابتدائية في مدرسة من مدارس الطبقة الراقية،كتابة موضوع بعنوان: كيف قضيت إجازة الصيف؟
فسأله أحد الطلاب مستفسرا: ماذا أكتب بالضبط يا أستاذ؟
فقال: اكتب عن الأماكن التي سافرت إليها مثل جدة أو الطائف أو أبها...
فقال الطالب: نحن حضرنا مهرجان كان في فرنسا،ومهرجان الطماطم في أسبانيا،ومهرجان كذا في دولة كذا.....إلخ.
فقال المعلم وقد صعقه الجواب: حسنا ..."الشيوخ أبخص"إذن..اكتب عن الأماكن التي ذهبت إليها.
وذات يوم شاهد أحد الفقراء الذين "ما لهم لا صخلة ولا نخلة"رجلا من الأثرياء ميتا في( الشميسة) بعد أن تناول حنيني،وشرب لبنا،فحسده على هذه الميتة،وقال: ما ودي إلا بميتة مثل هالميتة،ماكلن حنيني،وشاربن لبين،وراقدن في الشميسة!
هناك في العالم مليارا شخص يعيشون تحت خطر الفقر "عشاهم يطرد غداهم، وغداهم يطرد عشاهم"،في حين لا يتعدى عدد الأثرياء في العالم 1% من البشر الذين يتجاوزون ستة مليارات!
بعض الأثرياء" يسوى عداله ذهب"،من أمثال بيل جتس ،ووارين بافيت،وهم محبوبون من الناس لأنهم يقومون بأعمال خيرية جليلة،تنفع الناس،ولكن المشكلة في كثير من أثريائنا الذين" ما يسوون ملا اذنهم نخال"،فهم يبددون ثرواتهم في صالات القمار،أو في شراء الجزر ،والطائرات الخاصة،ولكن أحسن ما في الأمر أنه "يعيش أبومد مع أبو رميلة".
والغريب أن الناس يحبون الأثرياء حتى لو كانوا لصوصا ****ون الكحل من العين،وبخلاء "ياكلون قطوف المجدر"ويحلبون النمل،لكن "يا باغي الدبس من *** النمس، كفاك الله شر العسل"!
ليس هذا هو موضوعنا،فقد وددت الحديث عن أسطورتين تتنازعان عالم السياسة،
الأسطورةالأولى:هي أسطورة الحاكم الذي لا يعرف،أو لا يقدر:
ومعناها أن الحاكم بريء لا يعرف ما يحدث لشعبه،وما يعرف وين ربه حاطه به ،واللوم كل اللوم على أعوانه المحيطين به.
أو أن الحاكم يعرف ولكن"يدربي دميجته"و لا يستطيع فعل شيء لأن البطانة التي حوله تسيطر عليه وتحركه،أو تحجب عنه المعلومة،ومن" دليله البقر طاح بالحفر".
والأسطورة الثانية :أسطورة الحاكم الذي لا يتنازل:
وهدف هذه الأسطورة الدفاع عن أعوان الحاكم،لأن الحاكم يمسك بزمام كل شيء،ولا يدع لهم فرصة،بل على الأعوان الصمت وتنفيذ الأوامر فقط.
وهاتان الأسطورتان تنتشران في دول العالم الثالث التي تفتقر إلى أبسط مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
حين أطلق فولتير صيحته المعروفة بالصوت الرفيع قائلا: إذا كان اثنا عشر من صيادي السمك الأميين، قد أقاموا المسيحية، فلِمَ لا يستطيع اثنا عشر فيلسوفا، أن يقضوا على تعاليمها ،وعلى محاكم تفتيشها؟
واندلعت الثورة الفرنسية "بين حاذف وقاذف" تحت شعار
اشنقوا آخر ملك،بأمعاء آخر قسيس)،ووصلت طلائع الثورة إلى قصر الملكة ماري أنطوانيت،زوجة الملك لويس السادس عشر،فلما رأت الجموع الغاضبة ،سألت حاشيتها عن سبب غضبهم،ولماذا" نفوسهم على روس خشومهم"؟ فقالوا: الشعب الفرنسي لم يجدوا الخبز يا طويلة العمر!
فقالت مقولتها المشهورة: "مقابل الجيش ولا مقابل العيش" فليأكلوا البسكويت!
ولأن "الصافع ينسى،والمصفوع ما ينسى" ،ولأن الدنيا ما تجي على الهوى،فقد "حجروا لها حجرة بس" وواجهت نهاية مأساوية حين أعدمت من قبل الثوار عام 1793،وكما يقال: "موت الحمير من بخت الكلاب".
وحين وصلت أنباء للشاه محمد رضا بهلوي آخر ملك حكم قبل الثورة بأن الشعب يتظاهر ضده في الشوارع،"عض شليله" واستدعى طياره الخاص ،وذهبا بمفردهما في جولة بالهليكوبتر فوق العاصمة، وشاهد الشوارع مكتظة بحشود المتظاهرين الغاضبين يحملون شعار "ان قضبت الكلب فقطع أذانه" ، فسأل طياره باندهاش: أنا اخو من طاع الله!هل كل هؤلاء الناس يتظاهرون ضدي؟
فلم يجب عليه وآثر الصمت خوفا،وقال في نفسه: وش قطعك ياراس؟ قال: لساني!
وحين وصل العمال المتظاهرون إلى قصر الشتاء في موسكو بقيادة القس غابون الذي كان يصيح: إنا أتيناكم مسالمين،أطلق الجنود أسلحتهم على الحشود المسالمة،ووقعت المذبحة التي عرفت بمذبحة قصر الشتاء،وحينها أخذ القيصر يسأل وزراءه:لماذا لم تقولوا لي؟من ملعون الوالدين الذي أمر بإطلاق النار؟
وحينها سأله رئيس الوزراء:لو وصل هؤلاء الناس إليك فهل كنت ستستجيب لمطالبهم أنت ووجهك؟
فرد عليه :لا بالله.
فقال: وبعد ذلك تسأل من المسئول يا الرخمة ؟
صالح العسكري
Abo_eyad666@yahoo.com