كنا نتحين الفرص للصيد في بر الشمال البارد ، بدأ صبر رفيقي ينفذ، وأنا بعزيمة قناص أراقب عش الصقر الكائن في ما يشبه حافة جرف في جبل سلمى المخيف ، تشققت أيدينا من التسلق على النتوئات والزوايا، لم نكن قد قررنا صيد صقر على التعيين، الا ان فكرة طرأت لي، ماذا لو أسرنا فرخ الصقر وبعناه للشيوخ الذين يقتنون هذا الطير بأغلى الأثمان، لم تكن لدينا بالتاكيد الخبرة المناسبة لهكذا غنيمة، الا انني طمعت. !
اما رفيقي فاكتفى بالأرنب البري وبعض الجرابيع ، كما أنه حذرني من الأم الجارحة ، قال لي ان صديقاً قال له انك ان أسرت فرخ الصقر تبعتك امه الى نهاية العالم ، طبعاً لم اصدقه ، نمتلك عتاداً وبنادق صيد، وعربة محكمة وقوية ، وسنأسره في غيابها طلباً للطعام ، ستأتي ولن تجده، قد تظن أن ثعبانا ً قد ابتلعه او اي شيء، لا يمكن ان تستدل علينا.
وهكذا قبعت تحت الجرف ظلام ليلةٍ كاملة ، انتظر شروق الشمس لتذهب او ربما لتنام، وكنت قد دهنت نفسي بدم الأرنب البري الذي صاده صديقي حتى أشوش غريزتها أو ما يجيدونه الحيوانات من حواس تتعرف على المخلوقات، وكنت قد بدأت أتعب ، وأنا اجلس في مكاني الصغير مقرفصاً وملتفاً برداءٍ خفيف لا يعوقني عن الحركة كي انقض على الفرخ بمجرد مغادرة الأم عشها.
كإنما لمحت طيفاً أو هو برقاً أو طيفاً مضيئاً ، أو ربما غفوت لحظات لأحلم بشخص ٍ يشبهني ممداً على جرف جبل غريب وصقر كبير يجثم على صدره ويأكل من كبده، لا شك إنني قرأت هذه القصة في مكانٍ ما ، يجب إن أُبعد كل ما قد يثنيني عن عزمي، ربما هذا الفرخ فرخ شاهين نادر، شكله ينبيء بهذا وقد يمنحونني عشرات الألاف .
وبينما إنا في تفكيري الممتع هذا ، طارت الأم من عشها باتجاه شمسٍ خجول للتو تبزغ، حالاً وقفت بهدوءٍ وبطء متجاهلاً عظامي التي تئن من طول جلوس وبحذرٍ شديد مددت يدي للفرخ الأسود اللامع بقلادةٍ من ريشٍ قصير وجميل أبيض، عينا الفرخ الفزعتين عقيق في إطارٍ من الأونيكس الأسود اللامع ، نظرتهما الخائفة تجرح القلب ، نهرت قلبي الرحيم وتدرجت في نزولٍ سريع، أيقظت رفيقي بعد أن احكمت لف ردائي الخفيف على الفرخ تاركاً له ما يعينه على التنفس وحسب، قام الرفيق ليملم أغراضنا فأمرته بترك كل شيءٍ واتباعي للمركبة عدا البنادق ، أحضر البنادق والذخيرة الخاصة بالصيد، ركبنا الى السيارة وأحكمنا قفل الأبواب والنوافذ حين سمعنا صرخة عظيمة وحادة وعالية ارتعدت لها فرائصنا فأخذ رفيقي يرجوني بكل ما يملك أن أطلق الفرخ لأمه ، طبعاً رفضت وانطلقت في طريقي عائداً الى ربوة نجد ، أنهب الطريق بسيارتي ولا زلنا كل آن نسمع الصرخة والأم تلحقنا طيرانا ً ، وصاحبي بدأ ينتحب تقريباً من الخوف حين أحسسنا بمخالب الأم تخدش سقف السيارة وهو يتذلل افتح النافذة والقي لها بالفرخ ، طمعك سيقتلنا، لم أستمع ابداً وازددت عزماً ، هو لا يفهم المسألة الآن جاوزت الطمع الى تحدي ، لن تظفر بفرخها أصبح ملكي الآن.
تجاوزنا المائة كيلومتر وهي لا تزال تطير وتحط بقوة رجليها ومخالبها على سقف السيارة وتنقر بمنقارها في السقف وتضرب بجناحيها الكبيرين على النوافذ ولم تزل هكذا حتى فجأةً وجدناها تقف على مقدمة السيارة وتنظر في عيني وتنقر الزجاج الأمامي بقوة وتطير وتحط على الزجاج حتى بدأ يتهشم وسط دهشتي العظيمة وأنا احاول موازنة السيارة التي بدأت تهتز وارتبكت فانحرفت عجلة القيادة وتدحرجنا الى يمين تلٍ رملي ثم أخذنا نتقلب في العربة ونتقلب تسع مرات وتكسر كل الزجاج ورفيقي لا صوت له دماء كثيرة حولي والفرخ يقبع على صدري وقد تحرر من ردائي ولمحت الأم آتية فأغمضت عيني خوفاً ورحت في سباتٍ لم يستيقظ منه جسدي.
وكنت كمن يحلم ، أو كمن يرى فيلماً خيالياً ، أنظر الى جسدي ذاته غارقاً في دمائه ، ونافورة صغيرة تنبثق من عنقي جهة اليسار، وصقر كبير ينقر في صدري ويقتطع اجزاءاً صغيرة من كبدي يطعم به فرخه.