.
.
.
من يشتري أحلامي لعلها تستوعبهُ، تلكَ عبارةٌ تجلَّت داخلي كثيراً خلالَ الأيام الماضية أحلامي التي زعمتُ أنَّها تَشييدٌ لـ صروحٍ لا أسبابَ لها؛ أجدُني اليومَ مستعدٌ بـ كامِل "أناقتي الفكريةِ" لـ التنازُلِ عنها بعدَ أن احتضَرَتْ أمام عينيَّ، لَم أُعد أحلمُ بشيءٍ يدعو لـ التوجُّسِ من غَدِهِ خَشيةَ أن لا يكْتمِلَ مشهدُهُ كما أردْتُ لهُ أو أمِلْت، كنتُ دائماً أحلمُ بـ إعمارِ المُستحيلِ من القدَر وإغراقِ الغيبِ الخَفيِّ في راحةِ أيامي وإستيعابِهِ رغمَ جهلِ الآخرينَ له، كنتُ أنتشي وأنا أغرّدُ عبرَهُ في ذاكرةِ الزمنِ العتيقِ الذي غرستُه في مُخيَّلتي وتراءَت لي خِلاله آياتُ الخُلودِ والبقاءِ المرْتبِك.
أحلامي لم تعُد تُناسبُني أو حتى قادرةً على مُحاولةِ تصوُّرٍ لـ فَهمي؛ فـ من يشتري أحلامي علَّها تستوعبهُ لـ يمُدّها بـ ألافٍ مِن الأماني حافّينَ عرشَ رحمتهِ رجاءً لا إبتلاءً، وأنا أعِدُهُ أنها لن تكونَ رماديَّةً أو سوداءَ قاتمةً بلا روحٍ، أعدُه أن يجد فيها كلَّ ما يصبُو إليهِ من تطلُّعاتٍ وانكساراتٍ وبُؤسٍ وترَفٍ وإحتقانٍ ودمعٍ، أعدُه أن تكونَ لهُ تَرنيمةَ خلاصٍ أخيرةً وبُؤرةً للتصوُّفِ المَليءِ بـِ الدَّروشةِ والصعلكةِ والزندقةِ والتمرُّدِ على الذاتِ والعُهرِ والطُهرِ والتناقُضِ الحسيِّ المُمتلئِ بـ حُمّى بقايا السهراتِ الليليّةِ وكؤوسِ النورِ الذهبيّةَ في الحاناتِ والنوادي والمراقِصِ، أعدُهُ أن يجد فيها البكاءَ خلفَ أروقةِ المآذن ِوالرقصَ على أجراسِ الكنائسِ ودُورِ العبادةِ وممارسةِ الرهبنةِ وطقوسِ الرَّغبةِ الدينيَّةِ والجسديَّة، أعدُه أن يجدَها مستعدةً للموتِ دونهُ إذا ما خَرجَ عَن طورِ نفسهِ لَحظةَ سُكرٍ أو نَزوَةٍ أو حماقةٍ أو ارتكابِ معصيةٍ أو رفضٍ لـ قدرٍ ضلَّ طريقَهُ وغَوى.
من يشتري أحلامي التي إحتميتُ في جلبابها وغيَّرتُ لـ أجلِها وقعَ القصائدِ واستعدتُ خلالها مجداً من الإشتعالِ والإحتراقِ لأجلِ قضيَّتي، من يشتري تلكَ الأحلامَ التي أمعَنتِ التفكيرَ في رحيل العاشقِ وغيابِ الحبيبِ وغدرِ الصديقِ وطعنةَ القريبِ وامتزجَت بـ ضحايا " سراييفو"، و تصلبِّ "براغَ" وبؤسِ أحياءِ الصفيحِ في" لشبونةَ" وخطرِ " برازافيل" واماني " لوندا" و احتراقاتِ " كنشاسا" و أنوثةِ "باريسٍ" و أضواءِ " قرطاج" و شمسِ " أغادير" و ابتهالاتِ " مدريد" ومساءاتِ " أبوظبي" وحَواري " سان بطرسبرغ" و كثبانِ " أريزونا" ومرايا " وارسو" وبردَ " بلودان" و صباحاتِ "بيروت".
من يشتري أحلاماً تشبَّثت بـ آخرِ الأنفاسِ وأحتدَمَت بـ الرمقِ الأخيرِ وكانتْ قابَ قوسينِ أو أدنى لكنها لم تتدلَى ولم ترقَ إلى مَحطِّ التحليقِ في طريقِ التَّحقيقْ، من يشتري أحلاماً تحديتُ القدرَ لأجلها وبدأتُ ترويضَها بـ طفولتي وتهكَّمَت عليها مُراهقتي وقتلَها نُضجي واستاءَت منها معابرُ البرزخِ لحظةَ السؤالِ الأخيرِ؛ لا أريدُ تفسيراً أو تقريراً أجادلُ فيهِ خذلانَها لي فـ أنا الآنَ إمتلأتُ بـ سِواها من الظنِّ وأيقظتُ قيامةَ النفسِ وتوسَّدتُ الواقعَ الذي هندمَ روحي كما شاءَ وآمنتُ بـ فتنةِ الأحلامِ وكفرتُ بـ التعلقِ بها...!
فـ من يشتريها .!
.
.
.
.
( بهدوء جدا )
علميهِم،
كيفْ يمكِن لـ الزوايا تحتوي
حضن المكانْ .!
وكيف لا فرّ الكلامْ فـ داخلِك
ينبِت من أطرافي حمام .!
علميهم كيفْ كنتِ
قبلْ ما آمنتِ بـْ إنّي إلهْ
وكيفْ صرتِ بعد ما ماتت فـ صدري
لكْ حَنايا من حياه .!!