ليس بدعاً أن تبكي العيون ليلاً إذا أمضت النهار في ملء حدقتيها أحداثاً مبكية! ومضى النهار حافلاً بحركته، ومتغيراته، وصخب حديث أهله في كل مَجْمع وسوق..ثم أتى الليل، وتدانت ساعاته إلى حد انتصافه ، فكان عالماً حافلاً .
ومن عجائب الحال مع الليل أن البعض يراه كما أمضاه مخدةً تسند رأسه، وغطاء يتقلب فيه لا يعرف من الليل إلا بدء ناموس النوم، ثم التخلص من ذلك الناموس صبحاً..هذا وقد مضى الليل عليه عهدا معهودا بين إغفاءة، وانتباهة...ثم ليس إلا ذاك.
ومنهم من يفرده الليل كما يفرد هو لليل عمراً طويلاً يرى فيه مالا يرى، ويعيشه قصة حياة زاخرة بألوانها ، وأطيافها، وكامل معطياتها...وهو في الليل سادن مدرسته، وعاشق خلوته.
في ظرف ليلة واحدة كانت هناك قصيدة، وكان هناك حديث مناجاة، وكان ثَم أمل ، وقد يعقبه يأس..وتلك هي منظومة أهل الليل يردون ، ويصدرون بوضع جميع فلسفة حياتهم في ظرف ليلة. وفي ظرف ليلة ولدوا، ثم درجوا في لفة الطفولة ، ثم حبوا على ركبهم ، ثم هاهم في كامل قوام قد تشبعوا بفلسفة الميلاد حتى صاروا يرضعونها منه كهولاً.
وفي هذه الليلة عشت محبوبتي في جديد شعري قصيدة بدأت منذ النشأة الأولى لحياتي، وأرّختها من بدء هذه الليلة، أي من ولادتي هذه الليلة، ثم تدرجي في مراحل العمر الليلي حتى رأيتني في كامل قواي البشرية.