
* وحوش الليل الصغيرة
كل ماهو صغير متحرك يفزعها .. فقط صغائر المخلوقات ما تأخذ حيز الهلع في صدرها ..
ذهنها الذي يجهد حدث الزمان يدفعها لأن تتصور تلك الكائنات تكبر وتتضخم في سواد الليل وتتحول إلى وحش فتاك مفترس ..
لا تحبذ التطرق إلى الأمر مع قريناتها .. وإذا ما حدث ذلك تلوذ إلى الصمت وتترقب نهاية الموضوع بتأفف طازج ..
لا تنتمي لعالم تحيا به هذه الكائنات .. ولا يجول في خاطرها سوى أنها وحوش صغيرة تعيث الرعب في عمالقة البشر ..
أصابعها الصغيرة كانت يومآ تعبث بالرمال تحت جنح مساء منعش ..
ذاك الليل لا يغيب عن ذهنها .. إلى حد أنه التصق بأحلامها فيوقظها والصرخات تبلل صوتها ..
في تلك الليلة .. ملئت المكان بضحكات طفلة كانت تنسج من النجوم وشاح براق ..
وأمها تجلس على البساط .. وترتشف من كأسها جرعات من العصير بطعم البرتقال ..
وقال خالها الذي قدم على عجلة : لا تعبثي بالرمل .. حتى لا يعضك التراب ..
لم تفهم معني ذلك .. وأخذت فرع صغير من شجرة ذابلة .. وأخذت تنكش التراب بضراوة ..
كانت تخاف الليل .. والعتمات المحشوة بالمجهول .. ولولا القناديل .. ووجود أمها وخالها ما جلست على الأرض تناكف الزرع والعشب ..
وتذكرت أن الليل يخفي تحت أجنحته أشباح مفزعة قبيحة .. هذا ما قالته لها إبنة عمها ذات الخمسة عشر ربيعا ..
ما زالت أصابعها البيضاء الممتلئة تقبض على الرمل وتلقي به في وجه الريح التي اكتظ بها مساء صيفي مغبر ..
أظافرها اكتنزت بالذرات وتحولت إلى لون بني اندس إلى حافة أصابعها التي لم تزل تعبث ولا تكل أبدا ..
خيالها الغض والأرعن كان يصور لها أنها ستعثر على كنز تواريه الأرض كما في حكايات جدتها المرحومة ..
ولكن الكنز المأفون تحول فجأة إلى حراك بأصابع قبيحة سوداء كانت تخرج من تحت التراب ..
لأول وهلة حدقت بذلك المخلوق الذي خرج بكبرياء من تحت الأرض أتبعه مخلوق آخر على شاكلته ..
أرادت أن تعابثه بفرح طفلة اكتشفت كائن جديد في عالمها .. ولكن ما كادت تتلقفه بين كفها الصغير حتى ندت عنها آهة أعقبها صرخة ألم ..
أسرعت إليها أمها وخالها يستطلعان أمرها .. بينما كان المخلوق لا يزال يتمرد في يدها ..
كان السم يسري في جسدها .. وأخذت تشعر بخدر في جسدها الصغير عندما سمعت أمها تولول :
- يا الهي إنها عقرب كبيرة .. لقد لدغت العقرب ابنتي ..
وأسرع خالها يحملها إلى أقرب طبيب في المنظقة ..
أبدا لا تنسى تلك الذكرى الأليمة ..
ولا تحب بسببها كل المخلوقات الصغيرة الزاحفة ..