( ◊◊ بــدر لا يأفـل بـكِ ◊◊ )

[بدر الحربي]

.
.
.




تقتضي الظروف
أن أعيش كآلة
صنعها قدري
ونزعت غلافها بوحشية
مآسي حياتية

آلة
تستيقظ صُبحاً
لتعمل
تتكلم
تغضب
تأكل
تتعب
تنام
تخمد ليلاً

آلة
جردوها من كل حاسة
وحرموها من كل رغبة
لا تحمل من الإنسانية
سوى مظهراً خارجياً
يوحي ببراءة
مسلوبة عنوة

دموع إنسان آلي
تنحدر
على صدر من حديد
تنزلق لتعانق
أرضية من سيراميك
وإن تحركت مشاعره خلسة
تناول منديلاً من ورق
يتمزق كمداً
من شظايا عينيه

إنسان آلي
يتعايش رغماً عنه
مع تفاصيل كائن حي
فضاء مأواه
يلفه وشاح من سواد
تستصرخه مفاتيح النور
أن يضرب عليها
تستغيثه صوفا باكية
تحلم قبل فناءها
بومضة ضوء
تشاركها المصير
ملابس بالية
تواسيها شماعة
منتحرة وقوفاً

تقتضي الظروف
أن أتعايش يومياً
مع هذا الخوف
وساوس فردية
خلقتها هلاميات
مجتمع قهري
تشد مساميرها
عقول مادية
وتحكم قبضتها
تقاليد أنانية

في مركبته
وسائل رفاهية
صنعت لراحته
تخضع له باشمئزاز
هواء رطب نسبيا
ينفثه تكييف
مُصنّع آسيوياً
قدماه فقدتا إحساسهما
ويداه تتجافيان عن مقودها
آلة لعينة أخرى
تسير به
لا هو يسير بها

وبعد حُرقة نفس
تتحرك في أحشائه
غريزة واحدة ناجية
من غرائزه المكبوتة
"يأكل" من أجل البقاء
ولا شيء غيره

يدلف لمطعم رتيب
ابتسامة نادل مصطنعة
وخدمة ذاتيه
تملي عليه أن ينتظر
مع وجوه بائسة
ذات نظرات عدوانية
يحمل زاده لطاولة
في ركن بعيد
يزيح من أمامه
جريدة مبعثرة
يجلس على كرسي
شبه أعرج
يقذف في أحشاءه
بملعقة من بلاستيك
كسرات من خبز
مُصَنّع آليا
ليمتزج في جسده
بقايا دم إنسان
مع نتاج آلات

ركام السنين
ماذا يصنع بآله
قلبٌ صدِئ
وفكرٌ أجزاءه تراخت
وروحٌ فقدت
معنى التآلف
وهامت ذابلة
في الحياة
لتصبح على شفا
موت وحياة

أي لذة
يعيشها إنسان آلي
مجبر على السير عنوة
لو التفت عنقه المتآكل
للوراء لاموه:
أنظر للأمام
أمامك أجندة طويلة
من الواجبات
عليك إنهائها
بدايتها منذ سنين
وحتى تصل لنهايتها
سيمضي عمرك يامسكين..!

نفذ مهام تكبل يداك
حتى تكل
وحين تعود
ترتمي على سرير خشبي
ترتفع عينيك لسقف مستعار
يزينه ديكور شاحب الألوان
تسترخي مستسلماً
لأفكار عقلك الباطن
يصرخون: توّقف
تؤمر بأن تُعدِم أفكارك
حتى الأفكار
منعوني منها
أريدها ولو كانت بنظركم
أفكاراً مريضة
يكفي أنها من صنعي
لا من صُنع آلة
حياتكم القذرة

ماذا أنا بلا عقلي
مجنون!
وهل سألتم المجنون يوماً
عن سبب جنونه

رحمتكم بي..!
أنا وإن كنتُ في نظركم آلة
فلازال في عيناي دموع
هي ما تبقى من إنسانيتي
وللدموع حرارتها
ولوكانت دموع إنسان آلي
حتماً سينصهر منها
جسده يوما
ولو كان من حديد
يذوب يتلاشى
ثم يعود عنصراً بسيطاً
تبتلعه أرضٌ
لفظته من جوفها
قبل زمنٍ مفقود..!

/
\
/
\




" البـدر"