ياسين فرنسي وميموني من الدرجة العاشرة أما بوجدرة فوطني
الطاهـر وطّــار: مشـروعـي هـو إيقـاظ العقـل
انور محمد
في رواياته كما في حياته، لا يزال الطاهر وطار يعمل على اثارة، خلخلة، هز تيجان كراسي الطغاة. فهو من اكثر الروائيين العرب، بعد نجيب محفوظ، الذين لا تزال قلوبهم تخفق للحرية. قلت له في (الجاحظية) حيث يديرها وهي مؤسسة ثقافية عالمية:
كأنك توقفت عن الحكي، زمن ولى ولم تكتب رواية فتهـزنا مثلما فعلت في «اللاز» و«الزلزال»؟
∎ كتبت روايات خطيرة، مثل: تجربة في العشق، والشمعة والدهاليز، وعرس بغل، والولي الطاهر يعود الى مقامه الزكي، والولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء. لكن الرنين والصدى اللذين كنا نحدثهما في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، خفتا، وصمّت عنهما آذان البرجوازية الصغيرة التي انبرت لحمل لواء معاداة الايديولوجية، وتمارس في اغلب الاحيان الانتقام منا، بمختلف الأساليب والأشكال.
إننا نعايش مكارثية جديدة، يمارسها علينا حتى بعض رفاق الأمس بعدم قبولهم أي رأي يخالف رأيهم.
أنت ممن جذّر ودعم ثقافة الرواية، بعد محمد ديب وكاتب ياسين في الجزائر، هل افهم ان مشروعك (النهضوي)، قد تحقق، ام انه سقط؟
∎ اختلف كثيرا جدا عن محمد ديب وكاتب ياسين، فأنا اولا وقبل كل شي ء اكتب باللغة العربية، ونابع من اعماق الشعب الجزائري، انتماء وتعليما. وأنا ثانيا، واصلت الالتزام بالقضية الوطنية، من التحرير الى البناء الوطني، الى النضال الطبقي. بينما قرر محمد ديب التوقف عن اي التزام فكري او سياسي منذ أواخر الخمسينيات، كما يؤكد في تسجيل صوتي امتلك نسخة منه، وعندما مات لم تتمكن أسرته ومحبوه من نقل جثمانه الى الجزائر. كما ان كاتب ياسين، اضحى بعد الاستقلال، احد المستميتين في الدفاع عن اللغة الفرنسية في الجزائر باعتبارها كما يرى، غنيمة حرب. وينكر اللغة العربية الفصحى، ويدعو الى بربرية متزمتة. والى استعمال عامية هجينة، باعتبارها كما يقول لغة الشعب.
مشروعي الذي كان والذي لا يزال، هو ايقاظ العقل، وايقاظ المضطهدين، وهذا طريق لا آخر له، ويحتاج الى اشواط كثيرة، وأنا والحمد الله، لم اترجل في اي يوم من الايام.
في المهرجان الوطني للمسرح، قدمت مسرحية عن رواية «النهر المحول» لرشيد ميموني. تمت مسرحة الرواية هذه، ورشيد كما هو معروف، صاحب رأي يملك ضميرا جماليا وسياسيا غير مزيف. لصالح من هذه، لصالح الرواية ام المسرح؟
∎ لا اتفق معك في ان رشيد ميموني يتمتع بالصفات التي تبرعت بها عليه رحمه الله. لم اقرأ رواية ميموني، لكن الناقد الفرنسي المتوفى والمختص في الادب الجزائري (جان ديجون)، يقول انها مستوحاة من قصة «الشهداء يعودون هذا الاسبوع» للطاهر وطار..
ميموني بالنسبة لمن كتبوا باللغة الفرنسية يعتبر من الدرجة العاشرة.. واذكروا محاسن موتاكم.
الاستعداد للانتحار
قصتك «الشهداء يعودون هذا الاسبوع» ايضا تمت مسرحتها، باقتباس امحمد بن قطاف واخراج زياني الشريف عياد، لماذا تصير الرواية/ القصة.. مسرحية؟
∎ قصة «الشهداء يعودون هذا الاسبوع» اقتبست في الجزائر، واقتبست في فلسطين، ولربما حتى في القاهرة، وهي ملحمة تليق للعرض على المسرح، وقد كانت ناجحة في شكليها القصصي والمسرحي. اما لماذا يلتجئ المسرحيون الى الاعمال السردية، فأعتقد ان الموضوع من جهة يفرض نفسه، ومن جهة اخرى هناك فقر في الكتابة المسرحية، بالنسبة إلينا في الجزائر خاصة.
انتم كجيل عاش لحظات الاستقلال، قمتم بنقد/ انتقاد صناع الاستقلال خاصة في (ثلاثيتك). من خان الآخر المثقف ام السلطة التي لم تستطع ان تنجز الاستقلال؟
∎ أنا شخصيا مصنف ضمن صناع الاستقلال، وما وجهته من نقد لرفاقي وزملائي، انما هو نقد ذاتي، للبرجوازية الصغيرة التي لها أفق محدود، ونفس نضالي محدود، ومصالح طبقية تتقاطع مع الرأسمال والاستعمار.
وفي كل اعمالي، سيطر عليّ هذا الموضوع، السؤال: ما مدى استعداد البرجوازية الصغيرة للانتحار؟
يشاطرك في هذا الموقف، من السلطة، التي لم تستطع الى الآن حماية استقلالها - وهذا أكدت عليه كثيرا في «اللاز» - كل من رشيد بوجدرة ورشيد ميموني، وبن هدوقة، فالمجتمع الجزائري تعصف به تيارات كثيرة: نهضويون، علمانيون، متطرفون، دينيون، ومعتدلون، مَن مِن هؤلاء حرق احلامكم؟
∎ ارجو مرة اخرى ان تستثني رشيد ميموني، فحلمه وحلم امثاله التقرب من القارئ الفرنسي ومؤسساته.
لقد تميزت الرواية الجزائــرية خصوصا المكتوبة باللغة العربية، بالنقــد لمختــلف مناحي الحياة، واستطيع ان ازعم، ان المبادرة لهذا تعود لي شخصيا، وللمرحوم عبد الحميد بن هدوقة.
رشيد بو جدرة، يتميز بحس وطني، ولهذا لم يقع في فخ المؤسسة الاستعمارية، التي توجه الكتاب الجزائريين الى ما يجب ان يقولوا بخصوص بلدانهم، فعاقبوه بنوع من التهميش. الجزائر ككل اقطار الدنيا تتفاعل فيها كل التيارات، وان ساد في العشرتين الاخيرتين التيار الاسلامي بكل اطيافه، ولئن جفل رفاقنا فعميوا عن كل تحليل عقلاني، ما ادى بهم الى الارتماء في احضان اعدائهم: العسكر. ولم يستطيعوا ان يميزوا بين الخصم والعدو، فتحولوا الى ادوات في ايدي سلطات غاشمة. ان الاحلام الطبيعية لا تحرق فهي رؤى صادقة، ان لم تتحقق اليوم تتحق غدا.
إرهاب الأنظمة
هي انظمة تقتل المبدع او المثقف، وبعد ان تضايقه تحاول ان تبتزه. الا ترى ان المثقفين العرب، وهذا ما قرأته في رواياتك، هم مثل الطيور، هدف سهل لبنادق الانظمة؟
∎ لكل سلطة مثقفوها.. دائما وأبدا هناك حسان بن ثابت كاتب الوحي، والى جانبه معاوية بن أبي سفيان كاتب الوحي ايضا.
وبقطع النظر عن هذا، فإن المثقفين العرب، وأقصد المثقفين المبدعين في مختلف ألوان الفنون والادب، اكثر خلق الله صمودا في ظل سلطات قل ان عرف التاريخ مثل شراستها وحقدها وجهلها، وكبريائها ايضا. كل مدن العالم ملأى بمثقفين عرب لاجئين، وكثير من الادباء، فحول الادباء، مدفونون في غير تربة اوطانهم. ان ارهاب الانظمة العربية اشد ارهاب يمارس في هذه الدنيا.
المشهد الروائي الجزائري، من يصنعه غير مثقفي السلطة؟
∎ مثقفو السلطة حبالهم قصيرة، يحضرني الآن المشهد الثقافي الاميركي، ايام جور المكارثية.. لم تبق من ثقافة جيدة واصيلة الا تلكم التي يكتبها خصوم السلطة، وإن كان في الخفاء.
في الجزائر ظاهرة غريبة، تتمثل في تعيين كثير من الشعراء وليس غير الشعراء على رأس مديريات الثقافة في الولايات، حتى انني صرت اطالبهم بقصائد في التذلل.
الرواية العربية هل ننعاها؟
∎ لا أبدا، ففي كل قطر عربي يوجد امثال صنع الله ابراهيم والطاهر وطار يتخندقون، في وجه البرجوازية والرجعية الجديدة.
(الجزائر)
--------------------
منقول من صحيفة السفير وهي للصديق انور محمد
http://www.assafir.com/Article.aspx?...or=انور%20محمد