( 3 )
لنغرق معا ً في جدل لا ينتهي إلا ليبدأ ،،
ولا يبدأ إلا ليسترسل !!
فعندما تتكاثر المصائب يمحو بعضها بعضا ً ،،
وتحل سعادة جنونية غريبة المذاق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لذلك تذكرت آخر لقاء مع " نيرون " ،،
فكلا ،، لم يكن وحشا ً كما قيل ،،
قال لي بأنه لما وجد نفسه إمبراطورا ً قتل من حوله ،،
ولما صار إلها ً أحرق روما ،،
وقبل ذلك كان مجرد إنسان عادي فعشق الفن !! ،،
* * * * * * *
قالت : أنا أتحدث وأنت في جنونك ،،
فقلت : ألسنا نثرثر !!
العبث يقتصر عادة على الأدمغة ،،
وقد نجد قاتلا ً بلا سبب في رواية مثل " الغريب " ،،
فإن ما يستقر في الرأس لا بد وأن يؤثر بطريقة أو بأخرى في السلوك ،،
أو على الأقل في المشاعر ،،
ولكي يبقى الإنسان إنسانا ً فعليه أن يثور ولو كل ساعة مرة !! ،،
ولذلك البحر يعرف سر القوه ،،
أما أنت أيتها الجميلة ،،
فعدو لصيق نفذ إلى حياتي ،،
لا سلاح لي إلا عزيمتي ،،
ولا شاهد على مغامراتي إلا البحر ،،
دعاء أمي لي ودعاء غيرها علي ،،
وولدت أعاجيب وبذرت بذور المعجزات ،،
ولا شاهد إلا البحر
** * *
قالت : قرأت اليوم في الجريدة خاطرة لك ،،
فقلت : هل أعجبتك ؟! ،،
قالت : ليس كثيرا ،، فلم تتحدث عني ،، أو هذا ما فهمته
حقا ً !! ،،
وأنا لا أقرأ الجرائد والمجلات كثيرا ،،
ومثل لويس السادس عشر لا يدري شيئا ً عما يدور في الخارج ،،
وتظن نفسها مركز الكون وأنها سر الوجود ،،
فلو كانت الأفلاك تسير في خط مستقيم لتغير مذاق قهوتي ومذاق كل شئ ،،
ولكن حتما ً سينهار مبنى الجريدة بين أحضانك !!
* * *
نظرت إليها وهي تتحدث ،،
تصدر بحة عن أوتارها الصوتية في أنغام رقيقة ،،
وقد توارت وراء هالة أنثوية شفافة لخفقها تأثير متعب ،،
من النوع الذي تستعمله الفراشة وهي تنتقل بين الأزهار مؤدية واجبها ،،
فغاب الزمن تماما ً ،، وانداحت لحظة ساخرة مفعمة بكافة الاحتمالات ،،
لحظة عشوائية أقوى من كافة وسائل التفكير والتدبير ،،
هكذا سينتهي العالم ذات يوم ،، وأتعس الناس من ينشد النصر في الهزيمة
وقالت : هل كتبت شئ جديد ؟!
فقلت : هذه القصيدة
قرأتها بتمعن ثم قالت : ألست حبيبتك ؟!
فقلت ببلاهة : بلى أنت كذلك
قالت : فلماذا هذا كله ؟!
ابتسمت وأنا أنظر إليها ولم أقل شيئا ً ،،
فقالت : أنت وحش بلا قلب !!
ولكن الوحوش ذوات قلوب ،،
وهي ليست وحوش إلا حيال أعدائها ،،
وكم من ملايين الأعين قد رنت إلى الليل المستكين في ضوء القمر المتلألئ على البحر،،
وليس أدل على صدقها من هجرة الطيور الموسمية ،،
أما الماضي فقد بات حديث عند سكان الكهوف ،،
ولولا صديقي لما نشرت لي الجريدة حرفا ،،
فلقد ولى العصر الرومانسي وحتى العصر الواقعي يحتضر ،،
والفن نراه الآن ضوء قادم من نجم مات منذ مئات السنين ،،
فعلينا أن نولي المهرجين ما يستحقون من احترام !! ،،
وفي أثناء ذلك اشتركت في سباق الجري ورفع الأثقال ،،
في الدورة الأوليمبية القادمة ،، ومنيت نفسي بتسجيل أرقاما ً قياسية !! ،،
انحسر عنها ضوء القمر الذي أوغل فيما وراء النافذة ناحية الطريق ساحبا ً فوق سطح الماء لآلئه ،،
* * * *
قالت : أتظن بأن أبي جاد في قوله ؟! ،،
قلت : ما أتعس المسئول إذا عجز عن الجواب ،،
قالت : أترى إذن أن أنتظر؟! ،،
فقلت ضاحكا ً : ينتظر قوم إمامهم منذ ألف سنه !! ،،
قالت : أنا جادة ،، ألا تساعدني ؟!
فقلت : صدقيني فالأمر كما قلت لك
ترددت في تيار النسيم الذي يطوف بالغرفة بعض من أنفاس الليل الرطيبة عندما فتحت النافذة ،،
السماء صافية تماما ً تزدهر بآلاف النجوم ،،
ومن مكان يتوسطها تراءى وجه مطموس المعالم وهو يبتسم ،،
التفت إليها وتساءلت ،،
هل تبدأ كعادتها في حل معميات الكون ؟! ،،
هل تدرس العلم والفلسفة ،،
أو تقنع بالتركيز الذاتي في انتظار الشعاع المضئ ؟! ،،
سأنتظر وأرى ،،
كما انتظرت يوما ً نشر أول قصيدة كتبتها ،،
ففكرت في تلك الحلقات المفرغة التي تحاصرني كل يوم ،،
تلك الحلقات المذكرة بالنهاية ،، والتي تجعل من أي شئ لا شئ !!
وقد دار معها الآباء والأجداد ،،
وتنتظر الأرض انتظارا ً لا يعرف الجزع لتستمد من آمالنا ومسراتنا أسمدة لتربتها ،،
فلا بأس أن تحتدم الأشواق في سحابات الدخان المضمخ بشذا السحر الغامض ،، فالمعركة لم تنتهي بعد ،،
وعظمة الغزاة لا تقاس إلا بمناعة الحصون التي يفتحونها ،،
فلا تعذبين نفسك بالأوهام وتوغلين في الفضاء كسفينة كونية أفلتت من مدارها
* * * * *
تزلزل الكون مع ضحكتها المتقطعة وهي تقول : ولكنك تستحق الترقية ،،
قلت : لنستمع لهذا اللحن
إنه الإصرار ،،
كإصرار البحر على سره ،،
والقبلة على سحرها ،،
وصديقي على إلحاحه ،،
ولكن يهمني أن أعرف النهاية ،،
إذ أن انزلاق قدم مدير مثلا أضحك بكثير من انزلاق قدم وحش ضرير يحتضر !! ،،
وهزني الطرب ،،
خيل إلي أني أمتطي طائرا ً خرافيا ً ترف جناحاه بالقوة والإلهام والخلق ،،
السحر والحب المكلل بالنجوم ،،
وتتابع نبض قلبي ،،
وعند كل نبضة تتشكل صورة براقة تخرق كل مألوف ،،
فآه يا عزيزتي ،، يا نسمة الأمل المضئ الهائمة فوق السحاب ،،
إنك فتنة عينين مسكرة مخدرة ،،
إنك روح الجمال الفتاك ،،
هل عرفت أخيرا ً لم تشرق الشمس ؟! ،،
لم تتألق النجوم في الليل ؟! ،،
عم تفصح نشوة الفجر ؟! ،،
لم يتعذب المجانين بالسعادة ؟! ،،
لم نحزن للموت ؟! ،،
هل تفطن هي إلى سحرها ؟! ،،
أهي مثل الريح تزعزع الأركان بلا تيه ؟! ،،
هل بوسعي أن أحول بين المطر وبين أن ينهمر ؟!
* * * * * *
قالت : عدت للصمت ؟! ،،
قلت : أنت من لا يتكلم ،،
فقالت : أحبك ،،
قلت : وأنا أحب حبك
وإنما حب المرأة كالفن الهادف لا شك في سمو هدفه ولكن يحوط نزاهته الريب !! ،،
وليس كالحزن شئ يقتحم عليك المأوى بلا دعوة ،،
وأمس قال لي الفجر عند طلوعه إنه في الحقيقة لا اسم له !! ،،
ألا ترين كيف تهاوى " كازانوفا " الهائل في مكتبة الدوق ،،
أين صوت تلاطم الأمواج ؟! ،،
أين الخواطر التي تومض كالبرق وترتطم بأشباح جادة ثم تختفي ؟! ،،
* * * *
قالت : سأذهب ،، إنك في حاجة إلى نوم عميق ،،
قلت : إني في حاجة إلى يقظة مجنونة
فلن ينام الليلة إلا الميتون ،،
والصرخة التي هزئت من كمال الأفلاك ،،
مجهول من مجهول إلى مجهول !!
ومتى يا عزيزتي يرحم الحاضر نفسه ويستسلم للنوم ؟! ،،
تتحدث وتضحك ،، كأنما لم يكن للحياة مطلع ،،
والأشياء باتت ذكريات بعيدة قد لحقت بالعصر الحجري ،،
والقمر يبزغ ويأفل ولا يوحي بنهاية لشئ ،،
إلا الإصرار على اللا شئ !!
حتى إلحاح صديقي وإصراره لا شئ ،،
أما في صباي لم يكن ثمة سؤال بلا جواب ،،
والأرض لم تكن تدور ،،
والأمل يمتد في المستقبل بسرعة مئة مليون سنة ضوئية ،،
حتى تساءلت ذات يوم لماذا يعرقل الحب سعادتنا الأبدية ؟! ،،
وهاهو صوت " نابليون " وهو يتهم الإنجليز بقتله بالسم البطئ ،،
ويشير إليّ بأن الدنيا تلوح غريبة ،،
وتزداد غرابة عند تناول الأفكار ،، والهموم ،،
ولكن سطح الماء يضئ بلآلئه كأنه بشاشة سعادة مجهولة ،،
ماذا تريد المرأه ؟! ،،
ويقول صديقي أعطني جديدك لأنشره ،،
ولكنك يا عزيزي ستنشر الأحزان فوق حبل غسيل الذاكرة ليراها القريب والبعيد !!
امرأة تقتحم بديهيات الحياة ،، ماذا تريد ؟! ،،
وكيف يمكن أن نسعد في مطاردة مستمرة حامية ؟! ،،
فقد جاء الوحش وأعلن ختام الأوليمبياد وأرخى العلم ،،
وضوء القمر يسطع على البحر وعما قليل سيختفي عن الأنظار في قسوة ثلجية ،،
وتلوح الدنيا غريبة أيضا ً لا أدري موقعها من الزمان ،، ولعلها لا توجد أصلا !!
باخ الفارس ولكنه لم يتراجع !!
هكذا دانت دولة الفرس ،،
ويقول وزير الملك " جوهان " بأن خيانة المرأة قد نزعت الثقة من جميع النساء ،،
يا صديقي اسأل " عروة بن الورد " ،،
فقد اخبرني بأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية نسيها التاريخ أم قلبتها الأعين !!
* * * * * * *
قالت بحنان : سأدعو لك ،،
وتلاطمت في رأسي خواطر عن الغزوات الإسلامية والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش ومصارع العشاق والفلاسفة ،،
والصراع الدامي بين المذاهب وعصر الشهداء ومقتل ريّا وسكينه ،،
وداخلني شعور لم أجد مثله إلا وأنا أسجل رقما ً قياسيا ً في الدورة الأوليمبية ،،
ولما كان الوقت ينقضي بسرعة مذهلة ،،
تجلت لعيني المأساة على حقيقتها في ميدان المعركة !! ،،
إذ يجلس القائد " أحمس " على المنصة ومن خلفه جيشه المنتصر ،،
وإذا بـ " فرعون " يجهش في البكاء !!
فيلتفت " أحمس " نحوه يسأله عما به ،،
ويشير "فرعون" إلى رجل يسير بين الأسرى ويقول :
هذا الرجل ،، طالما شهدته وهو في أوج طغيانه ،،
فعز علي أن أراه وهو يرسف في الأغلال
* * * * * *
قالت : ما بك ؟!
كرهتها في تلك اللحظة حتى وددت لها الموت غرقا ً أو حرقا ،،
ولكني أجبت باستهانة : لا شئ ،،
فقالت : إني أعرفك ،، فأخبرني ما بك ؟! ،،
نظرت إليها مليا ً ولم أجب ،،
فيها إصرار مخيف لصق بها كرائحة طعام في إناء لم يحسن غسله ،،
وإذا سولت لها نفسها أن تدعي الإشفاق ،، فسأقذفها بقدح القهوة !!
أجل ،، ربما هو الجنون إذن ،،
الجنون الذي يحرك الجبل ويقهر الموت ،،
ومادام ذلك كذلك فحتى فعل الخير يعقبه الندم !! ،،
ويضيق الصدر بأي حكمة إلا حكمة تنعي جميع الحكم !! ،،
وعندما نهاجر إلى القمر فسنكون أول مهاجرين يهاجرون هربا ً من لا شئ إلى لا شئ ،،
فواحسرتاه على نسيج العنكبوت الذي غنى ذات مساء معي في الحمام ،،
ضحكت حتى خشيت أن أوقظ " المعري " من سباته ،،
فقالت : تعلم جيدا ً بأنني أقدس الصراحة ،، فأخبرني ،، وستجدني أهلا ً بذلك
قلت : أخبرتك ذات يوم بأن هذا الصدر العزيز كانت العواطف هي السبب في بروز براعمه ،،
ابتسمت وقالت : هل هذا غزل ؟! ،،
قلت : الغزل هو أنك ألطف من قطر الندى
فثملت بالفوضى ،، التهمت الحزن ،، عبثت بالزمن ،،
وقذفت أشباح الأسى بالضحكات ،،
ما أجمل صوت الصمت ،،
قالت : لم أنت حزين ،، أخبرني ،،
قلت : لا يهم ،، فسعادة يوم معك ،، تمحو أحزان الكون أبد الدهر ،،
وصببت غضبي على حجم الشعور واللا شعور ،،
وجبل "فرويد" المطمور تحت الماء إلا قمته ،،
الحب نفسه أي قيمة له إذا لم يقتنع به العقل تماما ً !! ،،
الحب الأعمى سيظل أعمى ،،
ويتمخض بعد الإشباع عن خواء ،،