الشاعر فهد المساعد من الشعراء الذين لا يكتبون إلا ما يمثلهم ويعكس تجربتهم الشعرية الفاخرة ... لكل شاعر حقيقي خصوصيتة في تراكيبه الشعريه وأساليبه التي يعرف بها ويترنم متابعيه عليها دوماً .. لهذا المساعد خصوصية وعمق في طرحه للصور الشعريه من خلال قصائده والشعر ... لست هنا بصدد أن أختصر إبداع هذا الشاعر وقصائده في قراءة نقدية ولكن ساحاول أن أركز على ملامح القصيدة في وجه شاعرنا المساعد فهد وسأتناول ما يميز قصائده من أساليب لا يعرفها ويجيدها إلا هو ..فهو لا يكتب فقط من أجل أن يكتب ولكن هو يكتب من أجل أن نكتب من بعده .. تجربة شعرية جميله وشاعر لا يقدم شعر وإنما شعراء ...
أولاً : سأتحدث عن التسلسل الملحوظ في قصائد الشاعر وميله لتكوين قصيدة قصصيه بنوعها وموقفها وفكرتها المطروحه ،فـ الشاعر فهد المساعد يحاول ان يركز في أغلب قصائده على التسلسل الفكري والمنطقي في خلق من فكرة القصيدة موقف ٍ أو قصة .. فنلاحظ قي قصيدته "المدينة والغريب" كان يبدأ بذكر تفاصيل الموقف من خلال الصور الشعرية المطروحه في القصيدة ومثال على ذلك بأنه بدأ قصيدة المدينة والغريب بـ "جا يشوف الحال كيفه بعد ما هزه حنينه ".. وفي قصيدة صالات المطار بدأ يقول: "قبل أسافر كنت جالس في زمان الانتظار" ... ومن هنا يتضح لنا أن المساعد يحاول دوماً أن يخلق في قصائدة "قصص ومواقف " ففي صالات المطار هو يحكي لنا تفاصيل التكوينات الشعرية في روحه ويبدأ بأخبارنا بحكايته، وهنا في قصيدة صالات المطار نجد في بيت واحد وهو مطلع القصيده .. فقد جمع لنا المساعد الكثير من عناصر القصه وهي الزمان والمكان والحدث والشخصيه ...ومن هنا يمكننا أن نقول بأن ما يكتبه المساعد أقرب ليكون الشعر القصصي في فكرته وتسلسله لا في شكله .. مع الحفاظ على اللغة الشعبيه .. كما أنني لا بد أن أشير إلى أسلوب الحوار والمخاطبة الذي تتميز به قصائد المساعد والحوار هو أحد عناصر القصه وهذا ما يدعم قولي بأن المساعد شاعر قصصي ففي قصيدة المدينة والغريب كان يقول في بيتين من أبياتها :
قال أجل وش فيك تكره سيرة الحب وسنينهقلت اجل وشلون ما اكره سيرته دامك تغيب
وكذلك
قال انا كني غريب ضيع دروب المدينه
قلت أنا كني مدينه تنتظر رجعة غريب
كما أنه يستخدم ألفاظ تعبر لنا على ان الشاعر في قصيدته ، كأنه يقص لنا قصة معاناته والموقف الذي يقدمه فنلاحظ في قصيدة "صالات المطار" كان يستخدم الألفاظ التالية : قبل ، كنت ، بعدها ، اذكر ، رحت .. كل هذه الألفاظ تدل على أن قصيدة الشاعر كانت تحمل لنا موقف يحبكه على شكل قصه وفي التسلسل أعلاه يتضح لنا كيف أن الشاعر كانت قصيدته المدينة والغريب أكبر دليل على أن ما يأتي به المساعد شعراً جديداً لم يُنطق من ذي قبل في وجدانيته وأسلوبه القصصي النادر في مكتبة الشعر الشعبي ..
ومن كل الأمثلة أعلاه يمكننا أن نجزم على أن الشاعر فهد المساعد عندما يقدم لنا قصيدته فهو يقدمها في قالبٍ جديد له وحده .. عن طريق تكوين قصه من فكرة القصيده وتناولها في أبيات معبرة لما يجول ويصول في خاطره والشعر ... وليس عن طريق طرح فكرة القصيدة بطريقة مباشره مملله بعيده عن ذائقة المتلقي الواعي ..
ثانياً : إن من أهم الأشياء التي نلاحظها في قصائد الشاعر فهد المساعد تناوله الفكرة الشعرية ووصفها عن طريق أسلوب الطباق والأضداد ..
فـ تتركز معظم قصائد الشاعر فهد المساعد على الطباق والوصف بالأضداد ..فنلاحظ أن من خصائص تركيب الصوره الشعريه عند فهد المساعد توظيف الضد في البيت الشعري كـ قوله في "صالات المطار" : كنت خايف من يباس وكنت خايف من خضار كنت اخاف انك تجين وكنت خايف ما تحين ...
وكذلك في نفس القصيده: مره ركضك يمين ونظرة عيونك يسار ومره ركضك يسار ونظرة عيونك يمين ..
وما يلفت في هذا السياق أن الشاعر لا يستخدم الطباق في جزءٍ من شطر البيت الواحد ولا في شطرٍ واحد وإنما يستطيع أن يوظفه في بيت كامل بتركيبه شعريه كامله تصل للمتلقي وهي محبوكة بحكمه ...
كما أننا نجد نفس الأسلوب في قصيدة سالفة عشاق عندما كان يقول : لي عليك أنك تبّت بكلمة ٍ تشفي الغليلولك علي أني لأوقف وقفة الرجل الشجاع ....
فمن هنا نجد أن الشاعر يميل لتوظيف الموقف الشعري وطرحه في نصٍ جميل مستعيناً بأساليب الطبق والمقابله والوصف بالأضداد .. وما يثير الانتباه هنا .. قدرة الشاعر على توظيف هذا الأسلوب في بيتٍ كامل أو بيتين أحياناً وهذا دليل على النفس الشعري الطويل لدى المساعد وتمكنه من المفردة الشعريه وصياغتها في صورةٍ أو مشهدٍ طويل يثير حاسة التفكير لدى المتلقي ... ومحاولة البحث عن إيجاد العلاقة الكامنه بين كل ضدين في نصٍ ما .. ومن هنا يمكننا أن نستشهد على ثقافة الشاعر.. فالشاعر الغير مثقف تكون قصيدته مبنيه على الأساليب المباشره والطباق السهل .. لكننا هنا نجد شاعر واعي يحاول أن يبحث عن الصورة الجديده والطباقات الصعبه التي تثير انتباه القارئ وتأمله ... مع العلم بأن أغلب التراكيب الشعرية في قصائد المساعد تكون أقرب للتراكيب الشعريه المفهومه والغير معقده .. لأن المساعد شاعر يحاول أن يصل لثقافة المتلقي ويوصل الملتقي لثقافته في نفس الوقت ...
ثالثاً:
أما بالنسبه لأسلوب التكرار الذي يستخدمه الشاعر فنلاحظ أنه يضيف لمسة مميزه على قصائد المساعد أصبح يُعرف ويميز بها كثيراً : ففي قصيدة صالات المطار قد قال :
اذكريني لا انتهت للشمس رحلةمع نهار وأذكريني لا صحى للصبح ورد الياسمين
واذكريني لا انتهت للشمس رحله مع نهارواذكريني لا سمعتي للمطر صوتٍ حزين
اذكريني وأذكريني واذكريني ...باختصار أذكري فهد المساعد قد ماانتي تقدرين
ويقول في قصيدة سالفة عشاق :
كم تعلم من شديد البدو وش معنى الرحيل وكم تعلم من غروب الشمس وش معنى الوداع
وكم تعلم من سحاب الصيف وش معنى الحصيل وكم تعلم من ليال البرد وش معنى الضياع
هذا الأسلوب يميز قصائد المساعد كثيراً ويعطيها خصوصية جميله .. فنلاحظ بأنه يتعمد التكرارات المتسلسله والمدعمه للمعنى المطروح وهنا يخلق لنا ايقاع موسيقي جميل يساعد المتلقي على الانسجام في القصيدة أكثر .. فالتكرار لم يكن عامل ضعف وإنما عامل قوه في قصائد المساعد .. وما يلفت نظري كذلك وفي نفس الموضوع أن هناك بعض الألفاظ التي لا بد أن نعطي المساعد الملكية عليها لأنه مثلاً "ليال البرد" قد ذكرها في قصيدة صالات المطار سلفاً وهنا أعاد ذكرها في قصيدة سالفة عشاق .. وهذا إن دل فأنما يدل على ثبات الحس الشعري عند فهد المساعد وهو شاعر يملك الألفاظ والأدوات الشعريه الخاصه به لا غيره ..
رابعاً :
قصائد الشاعر المساعد نجدها تحمل الكثير من فكر وتجربة وشخصية الانسان فهد المساعد بعيداً عن الفخر عندما أتت لنا في قصيدة .. فنلاحظ أن الشاعر في أغلب قصائده كان يستخدم أسلوب التبرير لكل ردود فعله ومواقفه منطلقاً من مبادئه وأخلاقه وتجربته الحياتيه .. فمثلاً نجد في كثير من قصائد فهد المساعد كـ قصيدة سالفة عشاق ما يلي ذكره :
- والله علي انّي لأوقف وقفة الرجل الشجاع " لم يكن يفتخر بنفسه ولكنه كان يبرر ردة فعله على الفراق إنطلاقاً من قناعاته ...
- واحمل اسرارك معي للموت قدر المستطاع " هنا صورة بليغه ونلاحظ تعلق الشاعر بمفردة أسرار خاصه وأن له قصيدة آخرى بعنوان: الأسرار .. نجد في هذا الشطر شيء من الانسان فهد المساعد وهو يغلف لنا وفائه في قصيدة ..
- لا تحسب اني مثل من طبعهم لوي الذراع .. ويقول كذلك : صاحبك طبعه غريب وغربته غربة طباع ... ويقول أيضاً في سالفة عشاق : ثابت لو هي تميل الأرض حده ما تميل ... و: ما عشق لذة حياته كثر عشق المستحيل...
- وأيضا: كم تعلم من شديد البدو وش معنى الرحيل وكم تعلم من غروب الشمس وش معنى الوداع " في البيت هنا نجد علاقة جميلة وذكية وضعها الشاعر وقليل من انتبه لها .. فعلاقة البدو بغروب الشمس علاقة وطيده . . . فـ بادية شبه الجزيرة العربية يقطنون في الصحاري ويكون المشهد لهم بذلك أقرب.
- في نفس الموضوع والشاعر يواصل تقديم فكره وفلسفته في الحياه لنا من خلال نص : سالفة عشاق وهو يقول:
كم تعلم من سحاب الصيف وش معنى الحصيلوكم تعلم من ليال البرد وش معنى الضياع
وهنا علاقة آخرى تربطنا للبيت السابق لأن المشهد التصويري هنا ينطلق من بيئة الشاعر وليال البرد عند البدو ..
- عاشر أحبابه شجاع وفارق أحبابه شجاع : البيت الحكمه والفلسفه الحكيمة .. اختصار الشعر والشعور في شطر واحد لا يقدره إلا شاعر جميل كالمساعد .. فهو عاشر أحبابه شجاع وفراقهم شجاع
هنا الكثير من فلسفة الشاعر وفكره .. أشياء كثيره من حياته ومبادئه كانت تصلنا من خلاص هذا النص والشعور الذي يبثه بشجاعه على قلوبنا .. أما خصوصية الصوره الشعريه هنا هي كالتالي: أن الشعراء يبثون لنا مبادئهم وقناعاتهم فقط من خلال قصائد الفخر .. المساعد كان يبث لنا شخصيته وصفاته من خلال نص وجداني عاطفي وهنا يكمن الصدق أكثر ..
خامساً :
الألفاظ التي يتداولها الشعر عند فهدا لمساعد محسوسه في أغلب الحالات ففي قصيدة صالات المطار عندما كان يطلب من الملهمة الذكرى كان يطلب منها أن أن تذكره كلما انتهت رحلة الشمس ووصلت للمغيب وكلما تفتحت ورود الياسمين وسمعت هي للمطر صوت حزين .. كل هذه الصور المنبثقه من الطبيعه كانت تصلنا بتراكيب بليغة ومشاهد تصويرية رائعه فالشعر هنا كان صوت وصوره .. حتى وإن كانت صوت المطر حزين ....
وفي مجمل القول لا يسعني إلا أن أقول للشاعر فهد المساعد عمق وخصوصيه بليغه في توظيفه الصور الشعريه في قصائده ..
فهد المساعد شاعر لا يقدم شعر وإنما شعراء ..
إعداد : أصـــيلة ألمـ/عمري ...
جريدة عمان
اليوم
25/3/2008م