من جريدة الرياض لهذا اليوم الأثنين 29 شوال 1427هـ - 20 نوفمبر 2006م - العدد 14028
في أمسية نادي الشرقية التي تناولت "تجربة المبدع ومعاناته":
الحبردي: لعل هذا العالم ليس عالمي ولا المكان مكاني!!
كتب - عيسى الحسني:
يتمنى المرء لو لم يأت الزيف والخديعة، ففي الليل تنكشف اللعبة، تسقط كل الأقنعة، يتراءى العالم من غير مساحيق ولا ربطات عنق، ففي الليل يستيقظ الإنسان الذي دهسته قيم مجتمع استهلاكي ذي بعد واحد كما قال هربرت ماركيز.. هكذا هو حال الأديب والقاص والروائي علي الحبردي وهو يسرد معاناته في النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية، في أمسية ثلاثائية آلى فيها النادي أن يكرم مبدعيه الذين يعتبرهم ناضلوا من أجل نقاء الضمير وسطوع الكلمة، وصدقها باعتبار أن التواصل معهم وإبراز منجزاتهم وتكريمهم هو جزء من حقهم تجاه مجتمعهم، وهو ما يذكرنا بحجم الحلم الذي يهجس به القائمون على النادي من خلال رسم مشروع ثقافي كبير يغطي هذه المساحة الشاسعة من وطننا الغالي وهو حلم جميل لكنه ليس مستحيلاً.
في استهلاله لسرد معاناته وضح أن علي الحبرد مثقل بحنين إلى الحديث تاركاً خلفه ارتالاً من الهموم والمعاناة.. والأوجاع فلم يعد الصمت طقساً سرياً يمارسه الحبردي وكأني به يتماهى مع ما قاله أحد الشعراء: "ما أسوأ الحديث حين يكون ثمنه الفراغ، وما أفضل الصمت حين تكون نهايته القصيدة لذلك علينا أن نتنكر لنخفي أوجاعنا لا لشيء.. بل لنصل إلى موتنا بلا ندم، علينا معاشرة الوهم بلا وسطاء أو شهود حتى لا نبرر هذه الحقائق ونصطنع لها التهويمات العاطلة.. دعونا بلا تردد نرفع الرداء عن الوقائع المختفية فينا والتي ترعرعت منذ بداية لحظة الإغراء والفطنة النبيلة المنحدرة من رحم اللغة، أحياناً أقول لنفسي كعادة الشعراء المهتمين بالجنون: لعل هذا العالم ليس عالمي ولا المكان مكاني!!
بعد شكر رئيس النادي وأعضائه وكل من تجشم عناء الحضور للأمسية هنأ الأديب الحبردي الوطن بهذا الملك الإنسان العظيم وصاحب القلب الرحيم والقرار الحكيم بتأسيس هيئة البيعة الذي أسعد أبناء هذا الوطن. ثم استعرض تجربته بعد أن حدد ملامح طفولته وولادته في قرية وسط النفود "شمال حائل" التي يتصور أن كل ذرة في تلك القرية تكره النفاق وفوق رمالها الذهبية تعلم الرسم حيث كان يرسم بأصابع يده ويخطط صوراً مضحكة ويتمعن في آثار الإبل والغنم وآثار السحالي والعقارب ويتبعها إلى أن يصل حيث تختبئ ويترك المسالم منها لينام.
(علي الحبردي) شخصية ثقافية محيرة، ومبعث هذه الحيرة أنه إلى جانب ملكاته الأدبية المتعددة شاعر، وناثر وقاص وروائي ومساهمات أدبية متنوعة... رغم كل هذا الثراء الأدبي والمعرفي فهو مخترع وله عدة اختراعات مسجلة وله فيها براءات اختراع وليس ببعيد عنا اختراعه النظرية في بناء الاهرامات ناقشها مع اكاديميين عرب واقنعهم بنظريته وتم اعتمادها إلا أن صعوبة وكلفة تطبيقها حال دون اثباتها علمياً أيضاً له اختراع عن كتابة جديدة تم منحه بناء عليها براءة الاختراع رقم
8.في ورقته الطويلة التي قدمها علي الحبردي وقفات عديدة مهمة جسد فيها للحاضرين معاناة المبدع ومحاصرته اجتماعياً ومحاولة ثنيه عن ابداعاته مشيراً إلى أن الجهل المتفشي في المجتمعات سبب رئيس في هذا التجاهل وتلك المحاصرة.
ولم يخف الحبردي ألمه وهو يتناول جزئية هامة في حياة المبدع حين يبادل مجتمعه حباً كبيراً في حين أن المجتمع لا يبادله هذا الحب بل يجبره قسراً على النهج التقليدي في أدبه وينعتون هذا الإبداع بالبدعة معتبراً إياها ضريبة يدفعها المبدع في مجتمعه.