و ذي بدء :
و القلبُ نسيجٌ , لُحمته أنتَ و سَدَاه صوتك !
و يضيءُ الماءُ و يعبُق ,
و تشتعلُ أصابعي بصوتِكَ و ينهمرُ الوقتُ عليّ كثواني الطّفولةِ الـ تنمو على عَجَل
أغافلُ ذاكرتي و أجتازُ الدَّربَ الطَّويلَ نحوَ حقولِ القمحِ في صدركَ و مزارعِ البّنَ على ساعدَيك
و لا آبهُ للشَّمسِ إذ تحرقُ صوتي و لا للِمقْهى الصَّغيرِ على حَافَّةِ نسياني يَمتلأُ بالحُزنِ الشَّاردِ مِن قَلبِي و ينضحُ بك ,
و إذ تلفّني ذراعاكَ و تُهديني أَجنحةَ النَّهارِ ...
تسقطُ السّنابلُ من يدي و ينبتُ من صوتِ أضلاعي وترٌ يعزفُ فتفرّ الذّكرياتُ من شبّاكِ رئتي و يُحاصرني الحبّ ,
و يهمي صوتكَ عليّ كخيوطِ الفجرِ و يدنو كالصّفصافِ من أوردتي ,
و تُخبِرني :
أنَّ البحرَ ينامُ على يَدي
و أنَّ بيني و بينَ اسمكَ وطنٌ مِن حكايا الضّوءِ الغارقِ في النّدى
أنَّ صوتي بدايةُ الأشياءِ و لغةُ الأشجارِ و الأنهارِ الأولى
و أنّ الحُلمَ خُلقَ من شفتيَّ و طارَ كيمامةٍ زرقاءَ إلى صدرك
تقولُ بأنّي مليكةُ عطرِ القرنفلِ في كفّيكَ و فراشةُ الأزهار
و أنّ الأرضَ تمتدُّ من دمي حتّى مزارع الدّراقِ و أعناقِ حبّاتِ المطر ,
أنّي سيّدةُ صدركَ و أميرةُ السّنونواتِ و موسيقى الأصواتِ المُنبعثةِ من اللهفة ,
و أنّ الدروبَ مقفرةٌ بلا ظلّي و مُعشبةٌ بأنفاسي إذْ يحتويها صَدرك ...
و
و
و
!!!
و ترحلْ ... !
و تتركني بينَ قصورِ الدّهشةِ الزّجاجيّة و رذاذُ الصّخر يُمطرني
و ترحل .. !
و يرتديني الخريفُ و أذبل ,
و تموتُ على ساعديَّ كلُّ السنونواتِ و حبّاتِ البرتقال
يكذبُ دمي و يتناثرُ فوقَ رئتيَّ كمطركَ الأخير
و تذهبُ أكفاني البيضاءُ إلى زنزانة الشّوقِ و تبقى الرّمالُ وحدها على جسدي
يبقى الحزنُ المارقُ يكبّلُ صوتي , فلا أناديكَ و لا يفعل !
يبقى سيفُ عينيكَ مزروعاً بحنجرتي
و تظلُّ رئتيَّ وراءَ حدودِ يديك ,
و على شفتيَّ ينمو برعمُ خيبةٍ و يطيرُ كغرابٍ من نوافذِ الرّسائلِ المغلقة ,
و في شراييني تبقى رائحتك كمرايا الحنينِ اليتيمِ الشّارد
و تحت جلدي يبقى صوتك كسلاسل الوجع و ينمو كالأغنياتِ القديمة ,
ثمّ أفتحُ يديَّ فلا أجدُ إلا خذلاناً مدوّراً و خمسَ أسماكٍ تصارعُ شهقتها الأخيرة و فراقان !
و يتجمّدُ ظلّي ..
..........
ثمّ تعودُ إليَّ
فتنبثقُ السّنابلُ من قلبي و يتكوّرُ حزني في شعبي الهوائية ,
و يهطل المطر على مساماتي فيُورقُ الفجرُ و تتبلل حنجرتي بالشّوقِ
وأعودُ إلى حكايا المُدنِ القديمةِ الملأى بالمعجزاتِ والأشجارِ السّحريّةِ الحُبلى بالتّفاحِ الأحمر , اكسيرِ الحياة
أعودُ طفلةً تُنجبُ المطرَ و تُنجبها اللهفة ,
أعودُ طابوراً من بذورِ أيلولَ الغارقةِ في أرضِ الأملِ و الحلمِ بنوارسَ تحملها حيثُ قلبك
و أبكي فرحاً ....
و انتظاراً
لموتٍ قادم !
واوٌ أخيرة :
و كِدتُ أنسى صَوتي !