:
:
- الإهداء : لقائمةٍ مازالت قائمة .!
(1)..
المساءُ قبل الأخير ..
ففي داخله وسوسةٌ شيطانيّة بأنَّ القدر سيمنحه هذا المساء كوقتٍ مفتوح ، وقبل أنْ يتوقفَ كلُّ شئٍ عن الركض ..
والدوران ، بلْ .. وعن كلِّ شئٍ ماعدا السكونْ .
فباتت جميع المساءات التي مازالت تعبرُه للوراء .. تحتلُّ في عينيه مركزاً وحيداً ، وترتيباً أبديّاً .. فجميعها [ المساء قبل الأخير ] ..!
وَ هاهوَ الآن في نفسِ المساء ..
لايشعرُ سوى بعتمةِ الأفق الممتدّة من عينيه وحتّى ماخلف الأفق ..
وعبْرَ الشرفة المطلّة على المصير الأخير . إطلاقاً لايشعرُ بشئ ، حتّى صدره لم يعُد يحتوي قلباً .. ولا رئتين ، وعدم شعوره هذا أصبحَ مُلاحظاً .. فاضحاً .. لايستتر .. على الأقلِّ أمام هذا الجسد الماثل .
.
.
(2)..
بعدَما كانَ مسكوناً بالعالمينْ .. وطفلين أحدهما مخلوقٌ لايكبر ..
هيئته من شَغَبْ، وأصابعه ومعظم أطرافه مجموعةٌ من الطيشِ المبعثَر .
نفسُه الذي يتخذه المراهقون والمتسكّعون إنموذجاً ، وقدوةً ، ومثلاً أعلى ، ونبيّاً للأشقياءِ .. ونبراساً يهتدون به في الدروب المؤديّةِ إلى أكثر النقاط إستفزازاً لأعمارهم ، وتسكّعهم ، وشقاوتهم ..
فهوَ الوحيد الذي يجيد الوصول بهم إلى هناك ، أو هُم يرونه كذلك .
والآخر نتيجةٌ غير طبيعيّة للعابثِ أعلاه .. الفرقُ بينهما أنَّ ذلك النبيّ المتسكّع لايتْسم بالشرعيّة في إنتماءه لذي الصدر الخاوِ .
أيضاً ..
كانَ مسكوناً فوقَ ذلكَ بأُنثيين عاليَتين ..
إحداهما لم يبلغها إلا بأنامله ، وربما بأقلِّ من ذلكَ بكثييير .
ولكنْ ...!
وبالرغم من كلِّ الساكنين به .. هاهوَ الآن يتحسّسُ داخله بيدِه ، يجوب كلَّ الفراغات .. والتجاويف .. والتعرّجات .. وفي كلِّ النهايات تأتي النتيجة :
[ لا أحد ] ...!
حتّى أسراب اليمام الذي كان هنا .. أيسرَ موقع قلبهِ الخالي ..
غادرَ بإتجاه الأفاق المعتمة ، ولنْ يعود ..!
وبينه وبين الأفق .. يتمتمْ :
[ وهربوا بإتجاه الحياة! ] . ويبتسم ...
قابضاً بإحكام على أقصى اليسار من صدرِه .
.
.
(3)..
سيموت وأنامله لاتبلغ إلا ..
لن تبلغ إلا..
إلا ...
هيَ .!
هـِيَ إستوى بها اليقينُ بأنَّ ذاكَ الوَغد المراهق ، الناضج ، الفائق ، وحده القادر على قلبِ نظامِ حكمها على ذاتها ، لا بالإتيانِ بالخوارق والكرامات ..
بلْ – فقط – من خلالِ قلبِها ..!
وهوَ نفسه القدَر الأخير .. والحدَث الإستثنائي الذي كانت
تستشعر حلاوة الإيمانِ بهِ ، خيره وشرّه ، وتتوقُ
لوقوعه في أيِّ لحظةٍ على شريط الأحداث .
الآن ...
داخلها أكثر إصراراً على قدرها هذا ، وربما هو من يصرُّ على نفسِهِ أكثر ..
وأكثر ، بعدَ أن باتَ الوطن داخلها .. والإنتماء إليها ، ولا حدث غيرها يستطيع أنْ يستأثرَ بأحدِ شجون الحديث ..
أو حتّى تفاصيل الكتابة .!
.
.
.
هلْ قلتُ الكتابة ...!؟
بقدرِ ماتتسع له المساحة الفاصلة بينَ قلمي الرصاص الآن ..
ومسامات هذا البياض الذي راقني تأطيره بلون الرماد ..
وهذه اللحظة الممعنة في التجرّد من كلِّ شئٍ عدا ذاتي .. وحالة اللا..
إتزان التي تعتريها منذُ بذرة اليقين الأولى ..
فأزيدُ من تآكل الرصاص أكثر ..
بقدر تلك المساحة المتضائلة أتحسس الفارق بين الكتابة كنشوة .. وتلك الأنثى المؤمنة كلغةٍ لذيذة رغمَ الحكايا المفخخة التي تنصبُ نفسها على كلِّ مايؤدِّي إليها .!
.
.
(4)..
مجازفاً بذلكَ الفارق الضئيل .. الذي
يفصل مجاديفَ اللهفة عن أقرب الأقربين من بين
الشواطئ الغارقة في أحضان محيطٍ دافئٍ .. لايشبه سوى
راحةِ كفّها عندما تربّتُ على ...!
ليسَ على أيٍّ من كتفيّ ..
أو على ظاهر يدي ، بل خلال الفراغ
الذي ينتشر أمام جبيني ..
تربّتُ في الفراغ ..
نعم.!
لاتمسُّ لي جسَد ..!
فتكتفي ببذر ماسينبتُ بالمزيد من الأغصان الدافئة التي تتدلّى من بين أصابعها لخارج راحتها .. فتبدو وكأنّها حدائق معلّقة ، ثمارها تنشرُ الذعرَ في خلايا البردِ هنا .. وظلالها تتوجسُ نفَسَي القادم .. بعد الذي عانيت إحتباسه فيما بين أضلعي ..!
تراكمات .. وتداعيات ..
يستمرُّ الداعي لها قائماً ، لتواصل التراكم .. والتداعي أكثر ..
ومازالت روح المجازفة تسكن جسدي ، فالفاصل مُتعبٌ .. واللهفة تفتك بالجهاز التنفّسي .. ليس بي وحسب.!
بل حتّى لتلك الكائنات المائيّة التي ترقبُ إنعدام المساحة ..
وتتلمّس حضوري بحبّات الرمل الناعمة المحيطة بحوافّ المدِّ
المندفع نحوي ، فما زالت درجة اليقين تزدادُ حدةً ..
والأوردة توؤلُ للجفاف ..!
.
.
شهقتان تستطيع كلَّ ذلكْ ..!
لكنّها تبخلُ بواحدة .. وأعجزُ عن واحدة .
.
.
تقديم متأخر .
- منذُ أنْ كتبنا ونحن نراودُ نصّاً/قصيدةً/شيئاً .. بمجرّد كتابته نكتشف بأنّنا لم نكتبه بعد ..!
فنعاود مراودته ، ولا أعلم سبباً لعدم قدومه لـ ننتهي من أشياء كثيرة ..
!
!
ومقلقة ..!
- ربما تكون "مراودةٌ" أخيرة ، قد لاتنتهِ ..
وبمعنى أكثر فضحاً :
[ مراودةٌ أبديّة ] .!