حينما تكون القراءه لنص عميق تتجلى فيه صور الابداع نص يمنح المتلقي
حريه الإبحار في عالم واسع من الرؤى تكون القراءه أشبه بالمغامره غير المحسوبه
ظاهر النص هنا يوحي لي بقراءه تُعبر عن رؤيتي الخاصه من منظوري الشخصي
حاولت من خلالها سبر أغوار بعض الآبيات
وجدت النص فيه إسقاطات بعيده وعميقه لذلك قد تختلف وجهات
النظر حوله وربما يتم نسف هذه القراءه من خلال قراءه أخرى لا تتوافق مع ما قدمته من طرح
من هو السادي المطاع ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ســيــدي..يـا ســادي..الأصــقـاع..يـالـغــول المـطـــاع
----------ما جــزا من يخـتـلـس..قطــرة (عســل) من جـــرّتــه !!
النص يميل الى التهكم في المواجهه مع لب القضيه ((الغول ))
والذي ظلت مضامين وصور الكاتب فيه سهام موجهه الى العمق
الرمزيه التي قررت وأقرت حالات التذمر والسخط والشجب
تركت الاسقاطات على اكثر من اتجاه كان التركيز على ذلك الهم الذي يغتال
الفرح والسعاده ويسعى الى تدمير الحياه
في قوله سيدي /يا سادي / الاصقاع / ـــــــــ قوة اللفظ والعباره تمنح بوابة
الدخول الى النص الاتساع الذي تستحقه للعبور بأمان الى المركز ( قلب ) الفكره
الساده والساديه ترابط لفظي وايحائي معبر وكلمة الاصقاع تعني الجهات
التي تمثل الامكنه والازمنه ومواقع الاحداث وهي كلمه أشبه بالصاعقه في البيت
لما لها من بعد صوتي وتنغيم حرفي كومضة برق ورعد مدوي وعندما تقترن
سادي بالاصقاع تهيمن اللغه الصاخيه في النص بما يشبه صوت الانفجار
بعد هذا التوضيح والتوظيف للعبارات التي بينت حقيقة الساديه المتمثله
هنا بالفقر وما يجلبه من عذابات متعدده يتلذذ بها السادي !!
ينطلق قطار النص في إستفهاماته وأسئلته في المواجهه اللفظيه الابداعيه
البعيده عن الحشو والتكرار ..........
( ما جزا / من يختلس ) نبره عاليه من الهجوم الحاد الذي لايعطي ولا ينتظر
ولا يحتاج إجابه او ردة فعل / سؤال عميق مؤثر يصل الى الاعماق وهو تبرير
لما يتضمنه من ( أخذ القليل ) ( يختلس ) والاختلاس يتكلم عن اقل القليل من الحق
و ( جرته ) في أخر الشطر هي دلاله على ملكيه معينه مغتصبه أو مسلوبه !
( وقطره) هي في سياق الكلمه ( يختلس ) لتقويه المعنى وتدعيم الفكره
افـتـني..قبْـل افـتـتـن في شيعـتي..وامـري يشــاع
----------وانـت كـفــوٍ للقـضــا .. واعـلى غـصـن..في شـجْــرتـه
الاسلوب التهكمي وعبارات الازدراء مازالت هي الحاضره
( أفتني قبل ) وقبل هذه تحضر لما سيأتي بعدها
أفتتن والفتنه هي افتتان لكنه هنا تهديد صريح في سياق
المواجهه غير المتكافاه مع هذا الغول الجاثم على كل شيء ومع ان الشطر
كان اقرب الى الوعظ والنصح الا انه حدد مسار جديد للعلاقه الجديده في الحوار
الذي يميل الى التحاور مع الاخر ( السيد ) والمناصحه
هنا لم يغفل النص الحديث
عن مكونات جديده تُمثل ورقه ضغط هي ( شيعتي ) أو( أتباعي ) ورفاق دربي
ومن هم في خندقي والشيوع هو بلوغ الفعل مدى أوسع يصل الى أماكن لا يتوقعها أحد !
في الشطر الثاني ( شجرة القضاء) نبتت في تربه غير صالحه ونمت أغصانها
وتجذرت عروقها وما يدلل على ان النبته غير يانعة الثمار في نظر الشاعر هو
ان السادي لم ولن يكن مثمرا في يوم من الايام
ولا يمكنه بسط العدل الافي المساواه في توزيع الايلام والتعذيب والاهلاك ( القضاء )
لا تـذرني..لانـحـبـاس الـدمـع..وانيــاب الـسـبــاع
------------لا تـدعـنـي..انـخــرط فـي سـلـك يـأسـي..وابْــرتــه
عندما ينحبس الدمع هو دلاله على شدّة الغضب وقمة المعاناه وطغيان الكبت
الذي ينبيء بانفجار مدمر وهنا تصوير بليغ غايه في الجمال لحالة
نفسيه صعبه والانحباس هو عكس الانهمار او الجريان وعادة ما يرتبط حبس الدموع
بقوة الاراده وعزة النفس وهي بمثابة تحديد ملامح شخصيه لاتنطوي على ذل او قبول بذل
ولأن النص إتخذ من البيت الثاني اسلوب التحاور والتناصح وسار على هذا المسار
راح يتحدث عن تفاصيل جديده مرتبطه مع ماقبلها مثل ( شيعتي ) وهنا ( سلك يأسي)
وهو امتداد طبيعي لخط ( المشايعه ) الذي تم التحذير من الانخراط فيه وما قد يجلبه من مفاجأت( والسلك ) هو الطريق او الطريقه
في كلمة ( وأبرته ) براعه ودقه متناهيه فالابره عادة مؤذيه لو استخدمت
في غير وظيفتها والابره يكون في مقدمتها
رأس ثاقب مؤلم وموجع وهي تبدأ بثقب صغير / هنا ينبه الى خطورة
اجباره على الدخول في حلقات ضيقه لاتنتهي من ردود الفعل المؤلمه
شـف رجــائي..ايتـصــاعــد..وايـتـمـدّد..بارتـفـــاع
--------------كـالمـنــاخ (الإسـتـوائـي) مـع تـمــدّد..فــتــرتــه
ويستمر نفس المواجهه في نبره لايشوبها انكسار او خنوع حتى وان
تكلم البيت هنا عن الرجاء والتمني نلاحظ هنا ان ( أيتصاعد ) تشير الى الأعلى
وهذا مربوط بالرجاء حنى انه في الدعاء ينظر المرء الى السماء والرجاء
هو نوع من الطلب والتمني فكانت الكلمه مناسبه وحاضره وفي مكانها
أما ( ويتمدد) فالتمدد عادة هو باتجاهات عاموديه تصور حالة البؤس والفاقه
التي عمت كل الارجاء
وتشبية التمدد بالمناخ وبالتحديد الاستوائي هو دليل على تحديد أمكنه وأزمنه وفترات
مـا (أنـا) مـمّـن إلـيـه (الأمـــر) يـوكــل..أو يـطــاع
---------------مـا (أنـا) إلاّ (حـبـيـسٍ) مـتـّهــم..فـي زفــــرتــه
الترابط في الصور والدلالات المفعمه بالتناسق والاناقه هو معلم من معالم الابداع
في النص والمقدره التصويريه عند الشاعر
حضور للبعد الايجابي في التناول مع الأخر يؤكد القيمه الحقيقيه للحوار والنقاش والمجادله
( ما ) نفي ( الآنا ) تتعلق بالذات وهي هنا وقفت عند المتكلم والى جانبه
وهي ( تختلف عن ( نحن ) / هي تعنيه هو كمتكلم
وأنا هي أعتراف شخصي واضح وصريح يخص هذا الطرف
( ممن اليه الأمر يوكل أو يطاع )
تقرير حالة من شخصية الاناء التي لايهما ان تكون أمره وناهيه في محيطها
وفي الشطر الثاني تأتي ( الأنا) لتتكلم عن حالة اخرى هي عكس الاولى وأشد
ضراره ( حبيس )ــــــ وحبيس معنى يتسع ليشمل كل انواع القيد التي يتصورها
العقل لكنه هنا هو في ( زفرته ) يحدد السبب للقيد وهو فقدان حرية (الكلمه ) او حرية( التعبير )
هـا أنـا أرفـع إلـيـك (الأمــر) مـن قـعْــر..الـصــواع
---------------وانـت..حـــلاّل العُـقَــد..والشــأن بـيْـدك دبــرتــه
الجديد في هذاالبيت دخول النص الى بداية سرد تفصيلي عن محور القضيه
التي أرقت الكاتب وهنا في عبارة ( من قعر ) و ( الصواع ) الــ/ من هنا دلت على مركزيه الهم ومكانه الحقيقي
و( قعر ) كلمه تدور في محيط الأنيه ( والصواع) هو نوع من
أدوات الكيل والوزن المرتبط بطعام الفقراء كالتمور والحبوب
كل هذه المفردات والعبارات تصب في نهر من التوضيحات عن
حالة الجوع والفقر والفاقه والضنك
في الشطر الثاني ( حلال العقد ) أبقت مسؤلية تردي الحال ومسؤلية
الحل في يد السيد المطاع ولا أجد صور ابداعيه في هذا الموضع من النص
اشـتـكـي..وادري بأنـك مـفـتـري..وانـك ســــواع
-----------وانك..اشـقـى من عَـرَفـه الوقـت..واسـقى بــذرتـه
هنا يختلف اسلوب الخطاب وشكل المواجهه الذي كان يسير
في خط متوازن من حيث التعبير الأرق و ألألطف
مع الأخر ذلك الحاضر الغائب (( الغول ))
كان الخروج عن المسار الذي دار في فلك حوار ساخر من طرف واحد
خروج يفتح النار ويفجر قنبله موقوته ( أدري بأانك مفتري ) والافتراء
هو كذب وتدليس وتزوير للحقائق بعد ان كان النص متسامح تصاعدت اللغه
الحاده وأتت كلمة ( سواع ) ذلك الصنم الذي لايسمع ولايرى قمه في الوصف في
اطار التأنيب والتقريع مع انها عبارات تضفي على الجو العام في النص نوع من
الانغلاق على نفسه
في الشطر الثاني استكمال للهجوم بعبارات قصد منها كشف حقيقه
الطرف الأخر أمام نفسه
قبضتك..تـخـلـع عليْ ( بُــرْدَه ) مليـئه..بالـرقــاع!!
----------كالشـفـق..ســـاع اصـطـبـاغ الأخــيــلـه..في حــمـرتـه
يشكل هذا المشهد بما يرمز له الغروب من نهايات للنور وبدايات للظلمه لوحه
من الألوان المختلفه هي في تداخلها من حيث الشكل والمعنى تشبه الرقاع على
الثوب البالي الذي يرتديه انسان محطم منهك اسودت الدنيا في عينيه وفي البيت
مقدره فائقه للشاعر في رسم لوحه خلابه متناسقة في شكلها ومحتواها وبعدها الفيزيائي
حيث التلميح الى الأخيله المتعلقة بأنعكاسات الضوء والطيف
ســيـدي..يا مــولـلـي..سُـحــقــاً لأربــاب الخــداع
----------ولْـيـَسـَـعـْك الـفـين لـعـنـه..والـف سُــحـقـاً..لاســرتـه
هنا استمرار في نفس النهج والرتم الذي تبنى المواجهه الحاده
في الخطاب لكن البيت يحدد أو يعطي صوره كربونيه جديد للسيد الأول
( الفقر ) بسيد جديد ( وليسعك ) وكأن ( السيد ) الجديد هو الابن الذي يتقاسم اللعنات هو واسرته
ياااا إلاهـي..ما لـهـذا (الـقـيـد) آخــر..وانـقـطــاع
----------مـا لـهـذا (الـغــول) قـاهــر..يمـسـحــه عن بكـــرتـه
هنا ابتهال وتضرع الى الله القادر على تغيير الامور
وتبديل الحال والنص يتعامل في هذه الاجزاء مع لون جديد
يتوجه فيه الخطاب الى شكل من التنبيهات الوجدانيه
ولايتجه مباشره الى المعني الحقيقي هو يتكلم مع الذات
مـا تـزال (اسْــدانـتـه) تكْــبـر..ولا زال..الـضــيــاع
----------ما تـزال..اعـمـامتي..تسـْرب لــظـى..من جــمـرتــه
ربط بين ( الحاشيه ) وهم من يحيطون به وبين ضياع الامور
وما تزال الاولى والثانيه هي علامه على قدم الحاله
والجمر فيه أقدميه على اللظى وهذا يشرح بوضوح عمق الحاله
مع تقادم الزمن
سـيـدي..كـلـه فـضــايـح..مـعـتري..حـتى النـخــاع
--------والـفــضــا..مـا بـه غـــراب اغـبـر..يــواري عـــورتــه
كأنه حديث نفس / وتمتمات روح / تتعلق بالرجاء والدعاء
الذي سبق وهذا ما ذهبت اليه من ان النص كاد ينغلق في مواضع معينه
في الشطر الثاني استجلاب لروح ( الأيه الكريمه )
الشاعر يقول إن من هم حوله لايوجد منهم من يحرص على ستر عيوبه
هذه العيوب تفاقمت من جراء الاهمال والفساد وهضم الحقوق
صـارلي عـدة سـنـيـن..اصــرخ وانـادي..يااا تـبــاع
----------لـيـن فـاض الـيـأس..واغـرق من دمــوعي..حـفــرتـه
في يااااتباع هنا لجأ الشاعر الى مد الكلمه بحرف الالف ياااا حتى يستقيم الوزن
ولوقال يا( أتباع ) يتسبب في ارباك واضح للوزن لكنني اجد جبر الوزن هفوه
من الشاعر هو في غنى عنها !!!
والشطر الثاني من البيت يعود بنا الى البيت الذي فيه ( لاتذرني لـ انحباس الدمع )
وهنا هفوه اخرى هناك ( انحباس ) وهنا ( انهمار وأغراق ) لكن ماقد يشفع
للكاتب هنا ان الدمع في البيت المتأخر له سبب يختلف عن البيت الذي في
المقدمه من الابيات والانهمار هنا سببه عدم انصات الاتباع لما يقوله
ضـعـت..مـدري ضيّعـوني..والرجـا بالجـمـع..ضــاع
----------والـعــدو..يذبـح قـداســة (مـذهـبـي) في شـفــرتــه
( مدري ) هنا دلاله على الحيره والاضطراب وعدم الوضوح في الحكم على الاشياء
لايعلم من المتسبب في ضياع الاخر هو ام من كانوا من الاتباع
وتتوالى هفوات النص التي لا تكادل تذكر ولا تقلل من جودته وتماسكه
و هي هنا ذكره في البيت الذي سبق أن له أتباع مع أنه في موضع
متقدم من النص كان يقول انه
لايملك الامر والنهي على أحد !!وهذا فيه تناقض كبير
والمذهب ربما هو الطريقه او المعتقد الذي يقدسه ويتخذه مبدأ
شـوفـني مطـوي..على جــانـب ضــفـافـه..كالشــراع
------------شــف دروبـي..كلـهـا مـتْـجــعّـده..مـن هـجـــرتــه
الطوي والطوى والطاوي هي من العبارات الداله على القل وعادة يقال
بات طاوي أي بلا طعام وهي تدل على شدة الجوع أو شدة الألم
وهي من الالفاظ التي تقوي الفكره التي بنيت عليها القراءه هنا ( الفقر )
لكن الملاحظ هنا ان الشاعر لم يحسن الوصف لأن الانطواء لايتناسب
مع كلمة الشراع فـ الشراع في الغالب يفرد كخيمه او ازار على جوانب
الضفاف ولا يطوى
شــف لــوائـي..كـنه الإزمـيــل..بكْـفــوف الـجـيــاع
.......... يرتعد مثل الحشائش مائجاً في خضرته ويعود الى ذكر الجوع والهم الاكبر الذي يسقطه على اكثر من رمز
غير انه يبقي حلقة الوصل مع قناعاته التي تبقيه على ولاء تام ووفاق
مع الأرض و اللواء
شـفـنـي اغـلي..واتـكـسّـع..واتـسـكّــع بالـبـقـــاع
---------واتـرجّـى ســاقـي (الحـــانــه) يـهــادن..زمـــرتــه
السكع صوره من صور الضياع ( والسكع) كلمه فصيحه من معانيها الخروج
او الضرب بالسيف غيله أو أن ترمي بكلمه تسوءالمتكلم أمامك
الجناس هنا في أتكسع وأتسكع منح البيت لغه موسيقيه وتقارب صوتي جميل
والشاعر قدم التكسع على التسكع للدلاله على حدة وشدة المعاناه
ولان من معاني المفرده الخروج فهو ارتباط وثيق مع ماسبق من تنبيهات
عن المشايعه والاتباع والتحذير من مغبة الخروج على السيد!
أتآكل كالحكايات القديمه بالرقاع
................وأتراجف كالكؤس المفرغه من خمرته
تمضي المعاناه تلو المعاناه وتتقادم الحكايات حول هذه المأساه الأنسانيه
واستحضارالرقاع يعطي للصوره قراءه مختلفه ( أتآكل/ الرقاع ) مفردات
فيها من رائحة الزمن وتضاريس المكان الشيء الكثير
وبعده ( آتراجف ) وفيها عمد الشاعر الى تقريب المشهد بما يناسب حال السيد
كأنه يقرب الصوره الى ذهن الأخر بما يتماشى مع حالته ومعرفته
واتشظى مثل قبله حارقه وقت الوداع
....................واتفتت كالرغيف المنبشر من قشرته
عندما يقنعك النص ان للقبلات اكثر من معنى وشكل في بيت
يبقيك في مشهد وداعي بالغ الايلام تنظر فيه الى انفجار عاطفي
حارق ويستحضر معه عبارات من عمق المحتوى( الجوع في النص )
وكان الرغيف المنبشر هو المكون المقرب للحاله هذه
فأنك أمام عمل ابداعي لا يمكن حصره او تجاوزه
وفي الختام هذا النصل للشاعر صالح الحمود عمل ابداعي فائق الجوده وبحر
مترامي الاطراف فيه كنوز تحتاج الى أكثر من قراءه ودراسه تحليليه
أطيب التحايا
آخر المشاركات
03-14-2009, 10:21 PM
قراءه في نص ( قيد في زنزانة الحريه ) لصالح الحمود
العرض العادي
