عَيْنَاك َ تَستَميِحُني غِناءً , بِصوتٍ يَخْرُج مِنْ حَبلٍ مَشْدودٍ واحدْ وَ حَنَاجِرَ عَديِدة :
فِي الْحَقل الَّذي يَعْبُق بِرَائِحة جِلْدِك , أرْتَدي بَشَرةً سَمْراء وَ جَديلةً قَصيرة لَمْ تَفرِدها لِتَرُح فِيها أنفكَ مِن قَبْل .
الأزْهَارُ الْبريّة تَتَطايرُ كَالْعَصافِير حَوْلِي , وَ أَشْجَارُ الْكِريسمس الْمُزينة بِالأمْنِيات تَنبتُ عَلى زِندكَ بِفَائِق الآمينِ لِيَتجه إلْيَها مِيلادِي بِنية الْصَلاةِ الْغَائِبة فِي جَوفِ الأرضِ حيَث تَسَهَر الْأمْهَاتُ الْرَاحِلات عَلى تَخْمينِ حَال أبْنَائهم مِن قَرعْ أنْعَلتهم الْحَزِينة .
يَتَنَكرُّ لَك قَلْبِي عَلى هَيْئةِ الْعَجوز بِتَنورةٍ زَرقاء طَويْلة وَ قَمْيصٍ أبْيضٍ مُزَخرف وَ شَّعر مَلْفُوفٍ كَكعكة فَانيّلا , صِنّارتان فِي يَدها تَحيّك كِنزة ًصَغِيرة لِطْفلٍ تَنْتَظره قَناة فَالْوب بِملء الْحَليب الَّذي يَنَزُ بِرهافةِ الْثَانِية مِن تُرْقوتِي وَ يجفّ فِي طَريقهِ كَخَيطِ سَرابٍ هَزيل قَبل أن يَصلَ إلى وَادِيه الْمُكوّر .
تُقَبّل حفَا قَلْبِي , وَوجَهُكَ فِي حَالةٍ فَائِقةٍ مِن الْحُلم , تَلفُّ فَضاءً حَوْل بُنْصِري , وَتُرْفرف بِشَكلٍ خَافتٍ أسْمَعهُ فِي أنْفَاسِك , وَ بِمَسْكَنةِ أطْفَالِ الأزْقّة يَقْتَربُ جَبْيني مِن ذِقنك يُحَاول أن يَكُون مَنفىً صَالِحاً لِلْهِجرة ..
أصغرُ فَجأة .. تَكْبرُ فَجأة ..تُغيّر وِجْهَتِي , تُصبّح ظِلّي , تَرسُم عَلى كَتْفِي بَالُونة حَمْراء وابْتِسامةٍ وَرِيدية .. تَنْتَشرُ الأزقّة فِي صَدْري , ويَركُض الأطْفَال ..
- يَحينُ الْحَبْك "
الْأزْهَارُ الْبَريَّة حَولِي تَقطفُ أصَابِعك ..والأمْنِيات الْفَارّة مِن زِنْدكَ تَتجمّع داخل سُرَّتي ..تنامُ وهِيَ تُغَنّي لِلكريسمس اسمينا مَعاً , الأمهات اطمئنوا , قَلْبِي أصْبَح ضِحكة صَبيّة فِي الْتِشرين , وأطفال الأْزَقة جرّتهم الْعُتمة مِن أصَواتهم واختفوا فِي أذنك َ تماماً .
تَبْقى عَلى صَدْرِي قِطْعةٌ مِن رِئتك , لا ألمسها أبداً .. تَشْهَقُ هواءً سَاخناً و َ تَزفر نعنعاً , التهابٌ حادٌ فِي ضِلعي ..يَشربُكَ لِيدفء , شِتاءٌ قَارصٌ يفرُّ مِني يَحتمِي فَيكَ حّتى لا تَغتاله الْخُوذات الْصوفيّة والْشَرّابات بِرائحة الْحَطب ..
أنتَبه لَكَ تَفرّق أصَابعَ قَدميك , تَتَشبث فِي الْحَقل , وَ هَوائِي مِن الْدَاخِل يَدْفَعُك َ بَعيداً , نَحو ذَاكِرة الْأصْدِقاء الْخَالدون وَ حِناء أُمْي , نَحو سِنْديانة الأسْرَار وَ كُوخ هَايدي الْصَغير .
يَفوتُ الآوان عَلى عَوْدَتك .. أكْتم : أحبّكَ ..
وَأنام طَويلاً عَارِية , فِي عَصَبِ عِيني يختبئ مِيلادك , والْغناء الَّذي يَخرجُ مِن حَناجِر عديدة ..
يَلْتَحم وَ يَصدح فِي فمكَ كَمُناغاةٍ بِعُمرِ الأرحامِ جميعها .
13 -9 -1430 هـ