[1]
في يومٍ حارٍ من أيام صيفِ عام 2005 م تعرفت إلى خالد و لكنه لم يتعرف إليَّ ! خالد شابٌ في الثامنة و الثلاثين من عمره ، يزن المائة و السبعة عشر رطلاً ، جثته تملأ سريره حين تمدد ، يحتاج لأربعة أو خمسة موظفين لتحريكه و تنظيفه و تخليصه من فضلات جسده في مكانه ، كان شعره طويلاً بالنسبة لرجل ، إذ يبلغ طوله أسفل كتفه و مسرحٌ بطريقة مرتبة إلى الوراء ، غائب عن الوعي معظم الوقت و إن فتح عيناه فبآهةٍ ثم يعاود التغيب عن وعيه دون رغبة و بحركة لا إرادية .. كان يوم أن نزل بغرفة العناية المركزة ممداً على السرير المتحرك قادماً من قسم الطوارئ كـ ضيفٍ ثقيل يتوجب على موظفي هذا القسم أن يضيفوه إلى أن يموت ، كان قد قصدهم بسبب آلام شديدة اعترته لا يملك تحديد موقع ٍ لها إذ كانت تدك جسده كله ، لم يحضريومها وحيداً و إنما برفقته تقاريرُ طبية كثيرة من بلدان عديدة لم تستطع بما وفرته له من علاج أن تحد من انتشار المرض اللعين من القولون إلى بقية أجزاء جسده ، حين سألت ممرضي العناية عن ذلك أكدو بأنه حقاً جاء وحيداً و تمالك نفسه حتى وصل إلى قسم الطوارئ دون مساعدة أحد ، هناك سقط و من الطوارئ أُتي به إلى العناية المركزة .. و مع أنه كان ضيفاً ثقيلا يتبرم البعض من وزنه و الآخر يسخر من عظم جثته بكل وقاحة دون النظر إلى أنه مريض منهك لا يملك من أمر نفسه شيئاً إلا أنهم بشكل عامٍ أكرمو نزله ، أمدوه بأنابيب تغذية عبر الأنف تعمل دون توقف بمعدل ثابت و بحسب احتياج جسده ، و أخرى من أجل المهدئات القوية الخاصة بمرضى السرطان ما جعله فاقداً لوعيه على الدوام ، كما و أمدوه بأنبوب قسطرة للتبول ، و بكيس تبرز خارج جسده متصلاً بالإمعاء و التي استؤصل جزء منها لاصابتها بالسرطان .. أسلاك أجهزة متابعة نبضه و تنفسه و عمل قلبه موصولة بصدره ، جهاز قياس كثافة الأوكسجين في جسده موصولة بسبابة إحدى يديه ، و جهاز قياس الضغط موصولا بعضده ..
الأطباء يلقون عليه نظرة كل يوم .. كان من ضمنهم طبيب أمقته حد التخمة ، إذ ما أن يصل حتى يبدأ بالسخرية من حجم خالد : " أنا فقط أريد أن أعرف كم رطلاً يزن ، كيف له أن يستسيغ نفسه ، مذ حضر الوزن نفسه لم يتغير .؟! لا أظن" .. بغيض حقاً .. يتحدث عن خالد و كأنه يسمعه أو يحس به .. أخصائية العلاج الطبيعي كانت تحضر يومياً لتمرين جسده ، و لكم كنت أستهجن حضورها ، إذ ما الذي يمكنها أن تفعل لرجل ذو بنية قوية و حجم طائل و هي الصغيرة الحجم جداً !! كنت أشعر بأنه أمرٌ غبي و لا مسؤول أيضاً و لكن : _ كثر الله خيرها جاءت لتحرك يده على الماشي و تمشي _ بعد أن تزفر أفٍ بحدة كـ دليل على تشبعها من عملٍ لا تستسيغه !
،