سفينة الشك!
يا صاحبةَ الجلالةِ،
كأن لسانَ حالكِ يهمس:
"أحببتُ فيكَ: العلوَّ والكبرياء،
وكرهتُ فيكَ: صَلَفَ العروشِ والجبروت".
وأنا... المعصومُ من ظنونكِ والأوهام،
لكن مشكوكٌ فيَّ: نُبلٌ ووفاء!
يا صاحبةَ الجلالةِ،
لا هذا أنا… ولا ذاك،
ولا أرجو إلا رضاكْ.
لكني لستُ أشقى
بالظنون فوق الثرى،
بل في كلِّ جرمٍ سماويٍّ
يلقي بظلِّ الدجى...
وفي عينيكِ —
لي بصمةُ غضبٍ
كالصواعقِ حين تتفتَّت.
وفي صدركِ
ادّعاءٌ كالشَّرَكِ الموجِع،
يهزمني صباحًا:
عتابٌ كالوخزِ الغائر،
ويُذيبني مساءً:
لومٌ يتسلَّل كالسُّمِّ في الروح.
ولو أني سفينةُ شكٍّ
في فضاءٍ لا ضفافَ له،
لغرقت...
ولم يُنْجِ النجمُ مَنْ يغرق!
يبدو الفردوسُ
واقفًا على الناصية الأخرى،
ونحن — يا جلالةَ الحلمِ —
نقلِّبُ أوراقَ العمرِ الخاوية،
كأننا نبحثُ عن صدفةٍ
ضاعت بين طيّاتِ الريح…
حتّى بتنا كساهرينَ مسحورينَ،
نمشي...
لكننا على الدربِ
نمرُّ كالغرباء،
نحملُ بيننا أنهارًا من الصمت،
ونخبِّئُ تحت أجنحةِ الليلِ
أسرارًا محطَّمةً:
متى يكون اللقاء؟
لكنَّ السماءَ تأبى
أن تمسحَ دموعَ الأقمارِ المشتَّتة...
وتبقى صاحبةُ الجلالةِ
تُنزلُ قوانينَ المطر
بلا رحمة.
أما أنا...
فقنديلٌ وحيدٌ
ينطفئ شيئًا فشيئًا
في مرايا الفضاء.
أيعقل أنني كنتُ مجرّد ربّانٍ
ضلَّ خارطةَ اليقين،
يُبحرُ بسفينةٍ من الشك
في محيطٍ من الظنون…
ينظرُ إلى النجوم،
لا ليهتدي،
بل ليعتذر من الله
أنَّه لم يؤمن بقلبٍ مطمئن؟
ربما لم أكن سوى سؤالٍ
عالقٍ في فمِ الغياب،
ينتظرُكِ…
ولا يدري:
أأنتِ الميناء؟
أم العاصفة؟
أم ظلٌّ يتبخَّرُ مع شروقِ الغياب؟
جهاد غريب
يونيو 2025