القطة رمادية - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
عِــنَـــاق ....! (الكاتـب : جليله ماجد - مشاركات : 36 - )           »          تأملات من "خبز الأقوياء"للكاتب إبراهيم المصرى (الكاتـب : مصطفى معروفي - مشاركات : 0 - )           »          (( شهد .. للحديث بقية ..)) (الكاتـب : زايد الشليمي - آخر مشاركة : خالد صالح الحربي - مشاركات : 13 - )           »          (الأغنيات الراعفة) (الكاتـب : سعد البردي - آخر مشاركة : زكيّة سلمان - مشاركات : 4 - )           »          [ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : زكيّة سلمان - مشاركات : 75413 - )           »          مُعْتَكَفْ .. (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 258 - )           »          فلسفة قلم .. بأقلامكم (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 3925 - )           »          (( وَشْوَشَة .. وَسْوَسَة ..)) (الكاتـب : زايد الشليمي - مشاركات : 69 - )           »          كَأْس شَّاي ، (الكاتـب : عَلاَمَ - مشاركات : 7 - )           »          مخطوطة الحلم والنار ... (الكاتـب : بسام الفليّح - مشاركات : 9 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-12-2010, 08:39 PM   #1
بثينة محمد
( كاتبة و مترجمة )

افتراضي القطة رمادية


اعتاد أن يكون وحيدا منطفئا ، كعقب سيجارة تالفة في ركن الغرفة ، رغم أن لا أحد يدخن عادة في الأركان .. لكنه كان دائما بقدر خيالي من التعاسة . كل يوم ، كان يمضي بضع ساعات يحاول رسم الشمس من مرسمه الفارغ إلا من أدوات الرسم ، لا وجود حتى لطاولة ولا كرسي ولا سجادة على الأرض !

كان دائما يلقي ببقايا قهوته على الأرض تحت النافذة ، يضحك ضحكة قصيرة و يخاطب بقايا السائل البني : " عليك أن ترشدني إلى الكيفية الصحيحة لرسم الشمس خلف هذه النافذة . أنا أعتمد عليك في حجزها لأطول وقت ممكن هنا في هذه البقعة ! " . كانت النافذة في منتصف الحائط بالضبط ، تطل على الكثير من البيوت الصغيرة ، و مدخنة كبيرة في منتصف الحي الذي يسكن فيه . كان يكره تلك المدخنة فدخانها يشوه منظر الشمس و الصورة التي يحاول التقاطها لها . الصورة التي غدا هاجسه أن يحاول تصويرها بروحانية عذبة . رَسَم أكثر من عشر لوحات للمنظر ذاته ، بلا فائدة ! قال له أصدقائه : " لمَ تحاول بشدة تصوير الشمس من هذه الزاوية ، من ركن غرفة فارغة ؟! لمَ لا ترسمها من الشارع مثلا ؟! أو من البستان ؟! " لم يكن يرد ، لم يظن أن هناك من يستطيع فهم هذا الهاجس ، فاكتفى بالصمت !

في اليوم الخامس عشر من الشهر الثالث ، تسللت قطة رمادية كبيرة إلى مَرْسَمِه .. وجدها تمشي أمامه باختيال امرأة مومس ، تسلقت إطار النافذة برشاقة غريبة و أغمضت عيناها بهدوء و نعومة مترفة . توقف عن الرسم دَهِشًا ! إنها تتصرف كأنها تمتلك الغرفة ! غرفته المظلمة ، الخاوية ، الحبيبة إلى قلبه . حاول إخافتها بإصدار بعض الأصوات العالية لكن بلا جدوى ، تلك القطة لم تتزحزح . طرأت له فكرة غريبة ، عارضها باشمئزاز ، ثم استفزه وجودها فأقنع نفسه بالمحاولة ، غَمَسَ فرشاته في اللون الأحمر و اتجه إلى القطة بهدوء شديد لئلا تفتح عينيها ، و مَرَّر ريش الفرشاة على جسدها ببطء . فتحت عينيها و نظرت إليه بطريقة غريبة ، تذكر والدته حين كان يرمي الفطور الذي تعده له تحت المقعد و يتظاهر بأنه التهمه بنهم ! كانت تنظر إليه بنفس الطريقة و تقول : " أنا أعرف ماذا تفعل ، و ستقوم بتنظيف هذه الفوضى و إلا لن تشاهد التلفاز حتى تتوقف عن هذا الاحتيال ! ". لم تتحرك القطة من مكانها ، عادت لتغمض عينيها بسكون أثار استغرابه . توقف لوهلة يفكر ، ثم عاد و رسم خطا آخر و ضغط أكثر بفرشاته لكن القطة لم تتحرك بتاتا ! عاد إلى اللوحة و نظر إلى منظر القطة و النافذة خلفها و الشمس خلفهم ! شعر بضيق مفاجئ و اندفع خارجا من المرسم .

في اليوم التالي ، أتى إلى الغرفة بملابس جديدة . ارتدى قميصا أحمر و بنطالا رماديَّا ، كان القميص هدية من والدته التي توفيت منذ قرابة ستة أشهر . لم يرتده أبدا لأن والدته توفيت في اليوم التالي لإهدائه هذا القميص ، ما زال يذكر ماذا قالت حين قدمته له : " أحمد ، هذا القميص ثوري كمزاجك ، و فنان كروحك . ارتدي هذا القميص حين تحاول القيام بعمل ما ، و تذكرني و أنت تنظر للشمس . سأراقبك معها كل يوم ! " . لم تكن القطة هناك مما جعله يشعر بالخيبة . ندم على ترك الباب مفتوحا خلفه . تنهد بقوة و اتجه إلى اللوحة القديمة شبه المكتملة ، وضعها أرضا و بدأ يحاول من جديد و لكن بطريقة جديدة تماما . كان دائما يبدأ برسم الشمس و من ثم يحاول رسم النافذة . هذه المرة بدأ برسم الغرفة و النافذة ..

في اليوم التالي ارتدى قميصا أبيض و بنطالا أسود . أحضر معه القميص الأحمر و مسمارا و مطرقة . ثبت المسمار في الجدار بمهارة و علق القميص في مكان يجعله أمام عينيه حين يرسم .
بدأ يفكر بإحضار صوفا صغيرة ليرتاح عليها حين يتوقف عن الرسم أو يشرب القهوة . لم يعلم لم كان يقوم بهذه التغييرات ، لكنه أَمِلَ أن تأتي تلك القطة مجددا ، حتى أنه أحضر معه علبة طعام لها . بعد مرور أسبوع انتهى من رسم اللوحة و كان راضيا تماما ، أخذها و علقها في غرفة جلوسه في منزله ، فوق المدفأة تماما ، و أمام اللوحة كانت صورة أمه ترتدي فستانها الأحمر المفضل و تبتسم .اليوم التالي كان ماطرا و عاصفا ، جلس يحتسي القهوة بهدوء على الصوفا الجديدة حين دخلت تلك القطة الرمادية العجيبة ، ترتجف و تعرج ، مشت حتى وصلت إلى موقع النافذة و تهالكت أسفلها بعد محاولة فاشلة لتسلق الإطار. توقف ينظر إليها تنتفض . بعد دقائق ، سكن جسدها .. ذهب إليها ، لم يجد أي نبض ، أي روح . ترامى بجانبها و هتف بأسى : " ليس من جديد ، ربَّأه ! " . مكث شارد الذهن ، بنصف دمعة في عينيه ، لنصف ساعة . انتبه فجأة لوجود الجثة بجانبه ، ذهب إلى القميص الأحمر و لفَّ القطة بداخله . نظر إلى النافذة ، لقد توقف المطر ! خرج يمشي ببطء ، كان هدفه مقبرة الحي ، حيث دفن والدته منذ ستة أشهر . حفر حفرة صغيرة ، و دفنها بسرعة !


الأربعاء ، 28 – 5 – 1431 هـ

 

التوقيع





التعديل الأخير تم بواسطة بثينة محمد ; 05-12-2010 الساعة 08:49 PM.

بثينة محمد غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:08 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.