لـ الكاتبة الرائعة سارة مطر ...
لا أشبه أي سمكة..
ولكني أشعر بأني في الأصل كنت سمكة، ربما لهذا قررت أن أفر من جلدي، إلى أقرب جزيرة لأقضي بها خمسة أيام، وأتحول فيها إلى سمكة..
لا أشبه الأسماك.. رغم إني حينما غطست في المحيط الهندي.. شعرت بأني كنت في الأصل سمكة.
الأمور تغادرني إلى حيث أريد أحياناً، وإلى حيث لا أريد، عشت حياتي كلها، وأنا ألتهم سارة كقطعة جاتوة محلاة بالسكر والفراولة، وفجأة وجدتني أكبر، حتى لم أعد أهتم بأن أطلب الأذن في أن أحب، وأن أخاف حينما تأتي دورتي الشهرية فجأة، وأعجز عن لبس الكعب، كي أطول شبرين، وحينما تعجز المرأة عن لبس الكعب، إذا فهناك ما يشغلها، كانت أشياء كثيرة تجعلني أنطلق صوب الخيمة، القبيلة، حصان ابن الجيران الذي رسمه بقدمين فقط، صوت أمي الذي يخرج من جميع جهات المطبخ، الياسمين الذي لم يزهر بعد في الحديقة، همهمات الخادمات الثلاث، القط الذي فر من البيت ولم يعد، المذياع الذي تحول إلى ديكور في مكتبي الجديد، حينما اشتريته خلت أنني سألتقط صوراً عشر، واحده وأنا أضع أذني الصغيرة عليه، والأخرى وأنا أتلمس بأطراف أصابعي أزاريره السوداء، ولكن بعد عشرة أيام لم ألتقط الصور العشر، ولم أعد أتنبه في الأصل لوجوده في مكتبي، وكنت أنظر إليه وكأني لا أرى شيئاً، الأشياء الكثيرة تجعلنا نصاب بالعمى المؤقت.
وأنا لا أشبه الأسماك.. وإن كنت أريد ذلك..
لماذا لم أعد أرتدي الكعب، لأني لم أعد أرغب إلا بالركض، كيف لي أن أتمهل وأجواء عملي، تجعلني أتنافس حتى مع هواء صدري، وبت لا أرغب في العمل كما كنت أريد وأظن، المنافسة تتحول أحياناً إلى عداء قاتل، وهو ما دعاني لأن أريد أن أتحول إلى سمكة.. تقول أمي أن الأسماك لطيفة، ويمكن لأصغر سمكة أن تدافع عن نفسها أمام قرش، ووجدتني أجد القروش الكثيرة في عملي، قرش أبيض وأصفر وأزرق، لذا حاولت أن ارسم على جدران المكتب صورة لنيمو، ولم يعرفه أحد، وحدي أنا الذي أعرفه فقد خذله والده، كما فعل معي والدي في بعض من أيام حياتي، لم يكن يرى نيمو في والده، الرغبة في أن ينطلق صوب محيطاً آخر، وحياة أخرى، أنا أشبه نيمو، لهذا غادرت وطني، غادرت والدي، وفررت من الحب الذي يطوقني من والدتي، مللت الحب، مللت من هدوء والدي، ومن أني لم أعد أستطيع أن ألبس الكعب مرة أخرى!
سؤال ..هل رأيت في حياتك سمكة ترتدي كعباً زجاجياً؟!
في المحيط الهندي، كنت ألوح بتجربة حياتي، أخذتها معي، رغم أني كنت لا أريد ذلك، فكرت إنني حينما أهرب، سأهرب من عزيز ومن سارة، ومن القصص التي تجعلنا لا نشبه أنفسنا، وأنا حينما أردت أن أكون "نيمو" آخر، كان عليّ أن أجد أسماكاً أخرى، تنسى سريعاً كما كانت تلك السمكة التي قتلتني من الضحك، كنت أريد أن أنسى كل شيء، كان قادراً على أن يجعلني لا أعرف إذا ما حدث لي، كان عبارة من مشهد حب حقيقي، أم مشهد قرر أن يتخلص من نبوءاتي ووشوشات الأيام التي أحلم بأن تكون هي التالية.
ويوم الأربعاء الماضي حينما اجتمعت برفقة محمد، تدافعت وتيرة حياتي إلى شيء آخر، تذكرت أخي الصغير الذي ينظر إلي الآن بطريقة مختلفة، اكرهها ولا يمكن أن تعجبني، وهو الذي وضع صورتي على شاشة جهازه قبل أن يغادرنا إلى لندن، لا أعرف مالذي دفعني تلك الليلة لأن اعبث في جهازه، بينما هو يتلقى القبلات من أصدقائه الصغار، فقد كان في السادسة عشر حينما غادرنا لستة أعوام، ورأيت صورتي تتحرك عبر جهازه، وطفرت كل الدموع لأكون سمكة في تلك الليلة.
سؤالاً آخر هل الأسماك تغرق حينما تبكي؟
الجواب: نعم ..حينما تكون سارة في جزيرة مروشيوس..
ماذا كان عليه محمد الذي لم يعجبني قميصه الأسود، تنبهت إلى أن محمد يمتلك شعراً، قبل أشهر حينما التقيته لأول مرة، تصورت أنه بلا شعر، ولكن هذه المرة، كنت أنظر طويلاً إلى شعره، قص علي أنه كان يملك شعراً طويلاً يصل حتى أكتافه، وأخفيت ابتسامتي، لم أقل له، إنني لم أتصورك إلا رجلاً بلا شعر!
القمصان السوداء تضعني في ورطة التفكير، وهذا ما جعلني أتورط في أن أغدو كائناً آخر، لا يمكن له أن يرى قميص محمد، تصورت أن قميصه أبيض مثل قلبه الذي أحب، وتوجع وتألم، وظللت أنا بعدها ليومين أعيد صور محمد المختلفة، فارتديت الخميس قميصاً اسوداً، وودت لو استطعت أن أحلق شعري، لأكون هو، وأدافع عن مشاعري وقصصي التي ستكتب بشكل آخر!
ما يمكن أن يفعله الرجل حينما يخون؟
نظرت إليه، أنه يتكلم عن الخيانة، أها.. أنت تبحث عن إجابة لحياة لم تخلق لتصنع لك المعجزات، أجبته.. " أن ينسحب".. فالانسحاب من مواجهة الخيانة هي نصف الانتصار، ولكن محمد الذي عاش قصة حب مدمرة، لا يريد أن يفهم إن ما عاشه لم يكن سوى تجربة، ولم تكن شيئاً آخر، لم تكن في الأساس إلا امرأة ورجل، إذ كيف يتحول الحب إلى مشروع خيانة علني. لماذا لا يريد أن يفهم البعض أن هناك علاقة بين الحب والله، فالحب حالة من القدسية، لا يمكن أن أقول أنا أحب، ويمكن لي أن أخون، الحب حالة من التفرد والتميز، ولكن ما دخل الأسماك في محمد، هل كان محمد في الأصل قرش أزرق، لم يكن محمد سوى محب لم يستوعب فكرة أن تتهاوى الصورمن أمامه، ولكنها تهاوت، ويريد أن يعود، أنه يرغب في العودة إلى اللعنة، لا يريد أن ينظر إلى شباك المقهى ليكتشف أن هناك سموات أخرى، وقصص في انتظاره، أنه كما الرجل الذي يسعى إلى مصالحة مع العدم، أشبه بحامل بوصلة عاطلة، ستقوده إلى عدمه، وهو يظن أن بوصلته لا ترشده إلا إليها، يحن إليها كثيراً، وتساءلت وأنا أشرب الشاي أمامه، دون أن أبوح له، كيف يحّن أحداً إلى أن يستنشق هواءً ملوثاً، وطناً جلادا،ً قارة شقية لا تمطر ولا تعشق الرقص أو الليل، وهو بوسعه أن يطوف البراري، ويصبح الصياد دائماً!
حينما غادرت محمد، كنت أريد أن أقص له قصة المحيط الهندي، والسمكة، وأمي، والحذاء ذو الكعب العالي، وإن خارج كل قصصنا تبدأ حيوات أخرى، لم أنام تلك الليلة، لأني فكرت طويلاً فيه، وفي الحب، واللعنات التي ينصبها من يشاركوننا حياتنا، ولأن المغنية المغربية الصغيرة"Nabila Moan" التي ترتدي فستاناً ابيضاً بلا أكمام، تغني وهي تحتاج إلى تقويم أسنانها الأمامية، ولكن صوتها الرطب يرن في رأسي، "لك يا .. الدنيا مرة عليك ومره علي، ساعة تآخذ وساعة تعطيك.. ما تخلي الهموم تضير بيك، عيشها بإحساس"..
أمي تقول إن الأسماك الصغيرة يمكن لها أن تأكل الحيتان إن أرادت.. ومحمد هو الحوت الذي لا يريد أن يأكل الأسماك.. لأنها صغيرة .. صغيرة فقط!
محمد كن دائماً بخير.. واحد.. اثنان..الحياة خارج مدفأة قلبك رائعة..

عبد العزيز تميزنا من تميزك .. كل الشكر