أمسكت بقلمي وبحثت عن أوراقي القديمة التي أستخدمها دائما ،، لم يبق سوى اثنتين أخذتهما بعناية ووقفت أمعن النظر فيهما ،، تذكرت بأني تركت هاتفي في السيارة فهززت كتفي ،، ولكني بعد لحظة ذهبت مسرعا لإحضاره فربما سيحمل اتصالات من العمل في هذه الساعات اللعينة ،،
عدت لقلمي والأوراق فأشعلت سيجارة ورحت أتأمل عزف الأطياف كالعود المرتخي الأوتار ،، خُيل إلي أنني أرى الحياة على قدمين ،، كلما استرق الحلم أشعر كأني غريبا عاد توا لموطنه ،، أجل ليس المعزي كالثاكل ،، ولكن تجربة الشعور بأي شئ وبغير كمال لأي شئ تكون ثمينة ولو بالعذاب ،، فنقطة الانطلاق دائما تكون بالصفر ،،
فهل أترك صوت القلم ولم تبدأ المعركة ؟! ،، وما كان إبحار في مثل هذه المعركة ممن تتملكهم روح الإقدام والمنافسة ،، وعلى العكس من ذلك أرى الأفق ينكمش ويسلم ساقيه للريح حياء واستكبارا وجبنا ،، لن يزال في كل شدة يلتمس التدلل الذي نشأ في أحضانه ،، فإذا أخطأه صائب السماء ،، ولا بد أن يخطئه سفر الأنفاس في الأرض ،، انطوى على نفسه دامي الغد مجترا آلامه مكيلا التهم لسوء والأمل الذي يباغته ،، ولو كان دور السفر وحقائب الغرام أن تطارد لا أن تطاردك غربة وأن تطلب قبل أن يؤخذ منك لهان الأمر وطاب شهيق الوطن ،، أما والأمر غير ذلك ،، أما والأمر يستوجب لباقة تحليق وجسارة تطمع في الظفر ،، فلو أن السجايا رهن مشيئة الإنسان لنزل أفكاره ومركب أحلامه لقاء أن يصير ماهرا وبحارا جذابا ،، ولكن هيهات أن يبلغ ما يشاء ،، ليس أمامه إلا أن يحتقر المراء ويمقت الأقدام ويستمرئ عزلة الرمل ووحشته ،،
وضعت رأسي بين يدي وأغمضت عيني دون أوراقي ،، وتجنبت أن يشتبك الظلام في حديث مع شخص لا يبين ،، وتصنّعت الإنصات للهاتف لأصرفه عن محادثتي ،، فمضى الوقت وكل ما حولي صامت ،، سكون قائم إلا أن يمزقه احتداد صوت الماء إذا استثاره مجداف ،، وأوردته أفكاره المحمومة في إيقاعه مناهل سامة استقى منها خياله المحزون ،، غارة جنونية تقذف الشاطئ بالحمم تدك الرغائب وتهلك أوهامها فلا يبقى منها إلا آثار وخرائب ،، وشخصان لا غير ،،
نظرت إلى الأوراق والقلم وتمثلت لعيني الأشرعة ،، تفزع خفقاتها إلى الظلام ،، لائذة بجناح الشوق ساكنة إلى ذراعيه ،،