مـقـهـى الـريـح ـ طـاولة الـزائـر الأخـيـر

[عقاب الربع]

ذاكرتي غير مسؤوله عن فقد الاشخاص الذين لا ينتمون الى الانسانيه , قال هذه الجمله وهو يمُسك بحقيبة سفره القديمه منحنياً لرفعها الذي ربما ينتج عنه سقوط إسم على الأقل من ذاكرته التي تتعبته كثيراً في السفر وخصوصاً في صالة الرحلات المغادره , رفع الحقيبة و إعتدل في وقفته وهو يحاول ان يتخلص من قافلة الاهات المدججة بالإختناقات عند كل وداع , تلك الاهات التي وطدت علاقتها بقفصه الصدري منذ نعومة اظفاره ليستبدلها بهواءِ الوداع الاخير , حاول ان يأخذ مااستطاع من الهواء ولكنه كان يفشل في كل مره , حاول ان يتفوه وكان يفشل , حاول بنفس الوقت ان يتفوه بالصمت أيضاً ولكنه كان يفشل ايضاً .. تجول ببصره بين الناس في صالة المطار ورأى الفرح يشع من عيونهم يعلن الاعياد بمجرد إعلان المذيع الداخلي عن وقت رحلة المغادره !! كانت الهدايا تود ان تمزق الحقائب لكي تحتضن من أهديت إليه بتسرع , وحاول في وقفته المهزوزة ان يخبئ وجهه في حقيبته عنهم لئلا يعلمون سر بؤسه الذي يقرأه أميّ المشاعر حينها في ملامحه
كانت هي خلفه وهي تُمسك بكتفه الأيسر وتشد عليه قبضتها وكأنها ستترك كف يدها الأيمن على كتفه بقية العمر للذكرى ! كانت يدها ترتجف وهي تتوسل إليه بصوتها الذي كأنه فقد كل حباله الصوتيه ولم يتبقى منها الا حبلاً رقيقاً يتيماً ترتطم به الحروف عديمة الفائده , باهتة المخارج , المليئة بالاحاسيس المبعثره , ولم يتطلب منه الموقف ان يفعل الكثير سوى ان يلتفت الى اليسار قليلاً ليقول :
( يابنت الحلال شكلك مشبهه )



السخريه هي الجندي المجهول الذي يبلي بلاءاً حسناً أثناء حروب الوداع السيئه