منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - -] عَنِّيْ مِنِّيْ [-
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-27-2009, 10:56 PM   #3
عبد الله العُتَيِّق
( كاتب )

الصورة الرمزية عبد الله العُتَيِّق

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 18

عبد الله العُتَيِّق غير متواجد حاليا

افتراضي


2]
التأملُ في الوجودِ لا يكون إلا من خلالِ عينٍ صافيةٍ ، ليس عليها غشاوة و لا يعتليها غَبَشٌ ، لذا اتخذتُ عينينِ أحسبهما صافيتين ، فكانتْ القراءةُ في الكتابِ من تلك العين ، ليست ذات خلفيةٍ معيَّنة ، لأنها تقرأ فكراً لتبنيَ منه نفساً ، و الفكرُ متى ما قُريءَ بعينٍ لها خلفياتٌ كألوانِ قوس قُزَح فالنتائجُ ستكون معاكسة للحقيقة .
في فترة معينة من العُمر كانت القراءة تتخذُ خلفيةً معيَّنة ، فكان تأثيرها واضحاً ، و الانفكاكُ عن الفكرِ صعبٌ ، و السهلُ توجيه و ترشيد الفكرِ نحو الأسلَم و الأصلح ، و إنْ سَهُل الانفكاكُ صِيْرَ إليه .
النظرُ المُجرَّدُ في الأشياءِ يُعطي أبعاداً في فَهمها و فَقْهِ حقائقها ، كما أنه يفتح آفاقاً لا تُدرَك إلا بذلك ، بخلاف النظر المُقَيَّد فإنه كالظلِّ لا يُجاوزُ مَوْضِعَ خَطْوِ القدمِ ، وهذا ما تصنعه النظرة المعتمدة على خلفيةٍ ذاتِ لونٍ .
كان للتنويع في القراءةِ أثرُه الكبيرُ في مَحْوِ الخلفياتِ الموجودة ، ففي التنويعِ توسيعٌ .
من الجُرْمِ أن يُنظَرَ إلى الوجودِ من ثُقبِ إبرةٍ ينتهي بِثقابِ إحراقٍ ، و لا يقبلُ الوجودَ شيئاً من هذا ، و هو قدحٌ في حكمةِ وجودِهِ و سَعَتِهِ ، و النظرُ إليه من عدةِ أوجهٍ ، و تحميله أكثر من احتمالٍ صنيعُ الحكيم العاقل .
هكذا خرجت من تأملٍ قديمٍ ، إذْ بأيِّ حقٍّ يُحجَّرُ الكونُ بفكرٍ بشريٍ ، و خالقه لم يُحجِّرْه بشيءٍ ؟!
فبِتُّ قارئاً بعشرةِ عيونٍ ، كما يقول علي الطنطاوي : إذا دخلت مدينة فانظر بعشر عيون ، فكان لكل عين تحصيلها ووظيفتها ، و هذا ما تحتاجه الحياة و الكون كله ، ففي تثنيةِ العينين و الأذنين إشارةٌ إلا تكرارِ وظائفهما ، و تفريد اللسان إشارة إلى أنَّه لا يعبِّرُ إلا عن شيءٍ واحد ، و لا يكون إلا يقيناً .
في القراءة قد تنظرُ لحكمةٍ بين السطور ، كما تنظرُ إليها بين الصخور أو في عمق البحور ، و قد تقرأ قصةً في ورقةٍ من خيالٍ خصبٍ قد حكتْها السُحُبُ و هي تمرُّ في السماء ، و ربما تجدُ في القلمِ رسالة خطَّتْ نملةٌ مثلها ، فالكتابُ الأصغرُ هو الكتابُ الأكبر .
كما هو الإنسانُ نفسُه ، وهذا ما خلَقَه التنويع في القراءة ، المجرد من الخلفياتِ الضيقة :
و تحسَبُ أنَّك جسمٌ صغيرٌ
و فيكَ انطوى العالَم الأكبرُ

 

التوقيع

twitter: ALOTAIG

عبد الله العُتَيِّق غير متصل   رد مع اقتباس