اللغة مادة الشاعر والطريق الذي يتواصل ويصل للآخرين من خلاله ، والمفردة
حـجر الزاوية في بناء الجملة ، فالمفردة الشعرية تعتمد على قدرة الشاعر وذكائه
في توظيفها وتفجيرها في المشهد الشعر، بإيقاع داخلي ودلالة شعرية تؤهلها لرسم
صوره متميزة في لغتها الانفعالية ..وهذا كله مرتكزا بالطبع على كيفية اقتناص
المفردة في نسق لغوي معبر ، بانزياح المفردة المألوفة أو القديمة في سياقها
الشعري وتفجير طاقتها الدلالية بإيحاء جديدا ، لا يتحقق إلا بثقافة واسعة ومخزون
لفظي كبير ،فعملية تجسيد النص الشعري تنطلق من استعمال المفردة بإيقاعها
الداخلي و بإيماءتها ومدلولاتها في توظيف جديد . والذي أحب أن وأكد عليه هنا
أنني لست ضد الشاعر باستخدامه المفردة القديمة وبعدها البيئي / الزماني في
النص ، بقدر ما يجب على الشاعر توظيفها بصورة إبداعية تناسب مستوى الوعي
الذي وصلنا إليه والعصر الذي نعيشه والثقافة نعيشها.
فالقصيدة هي قراءة لشاعرها في المقام الأول، يقول الشاعر والناقد عبدالله
رضوان في كتابه البنى الشعرية: (...فإن الموقف التقدمي في الفن هو جوهره
وإيقاعه المرئي ، ولكن الاعتراض ينصب على طبيعة الصياغة الشعرية , على
الأنساق اللغوية المستخدمة أو السائدة ، على كيفية توظيف المفردة اللغوية وهي
بطبعها شبه حيادية إلى أن تأخذ خصوصيتها في نسقها اللغوي الذي تجري بناؤه
شعرياً، فالشاعر والشاعرة أنما هما كلمات صِنعَتهُما اللعب الاحترافي بالمفردات
لكي يتحقق الحضور الشعري عبر الإزاحات اللغوية , الاستعارية , الصورة ،
كأدوات رئيسة لتحقيق بناء شعري ..) .
ومن تلك الخصائص والسمات التي أسست المفردة عمقها وجمالها الفني الجرس
والإيقاع ودلالته على المعنى الرمزي والانفعالي والترادف والتضاد والإيحاء
والخيال والتي من خلال هذه العوامل يصل الشاعر بأسلوبه وثقافته وفلسفته التي
تؤهله لاختيار مفرداته المناسبة ،فتصبح لكل شاعر مفردات و تراكيب خاصة،بل
نجد بعض الشعراء لا يخلو نص من نصوصه من مفردات ملازمة له يكررها
ويوظفها في حقل دلالي جديد و قد نميزه في أحيان كثيرة عن غيره من حيث
معجمه الفظي ، فالمفردة منها السهل ومنها الموحش والحاد والقاسي ، ومن هذه
الرؤية نتعرف على معالم النص وتماسكه والمستوى المعجمي للشاعر وترابط
وتداعي لمفردات بعضها مع بعض، وكلما زادت وتراكمت تجربة الشاعر كان ذلك
مساعد له في إحداث سياقات شعرية متعددة عبر الإنزياحات والانحرافات لتلك
الألفاظ ، واكتنزت مفرداته الشعرية على معان عميقة لها دلالاتها في التوظيف
والتعبير .