يسألني:
لماذا تُحبين دستوفيسكي ؟
:
سـ أحاول جمع أسباب حُبي له ..!
لأنه ..
- العظيم بعد شكسبير ..
- لأنه عاش ومات فقيراً , وأنا زعيمة هذه الزُمرة وأحبهم لصدقهم ..
- لأنه حينما تناول الفقراء تجاهل شكليات وضعهم وتعمق بذواتهم وأخلاقياتهم فأظهر الصراع بين الخير والشر بصورٍ يطغى عليها القيم و ( الخير والمشاعر الطاهرة ومبادئ الإنسانية والأخوة والضمير الحي والنفس القادرة على التضحية والمعاناة والتصحيح) .
- لأنه عاش يُصارع مرض الصرع ..
- لأنه خرج منتصراً من تعب الطفولة وقسوة الأب ومعاناة السكن والحياة ..
- لأنه كتب من واقعه وأرسل ما كتبه للواقع متجاهلاً سياسات التنميق والكتابة لغرض هابط ..
- لأنه خلقَ لأبطال رواياته نصراً من هزيمتهم الداخلية , إنها معادلة صعبة ..!
- لأن ( المساكين ) رواية أبهرت من حوله وهو ابن الـ 24 ربيعاً ..
- لأن ( رسالة من بيت الموتى ) كتبها تحت وطأة تجريب شعور الموت رمياً بالرصاص لتهمة الاحتفال بميلاد الفرنسى فورييه ..
- لأن كتابة ( ملاحظات الشتاء حول ذكريات الصيف ) أظهره كأحد الصقالبة الداعين للتمسك بالتراث الروسي ونبذ الأوربي فلا يوجد في هذا الأخير ما يُضيف للأسطورة روسيا ..
- تُعجبني إقليميته ونزعته الوطنية / الذاتية , نحو التمسك بجماليات الذات وترك الانبهار الباهت بأضواء الآخرين ..
- لأنه يجمع بين الإيمان والوقوع في بئر المعاصي ولكن , ما يلبث أن يستيقظ صوت الضمير المؤمن بداخله فيعود أدراج الصواب ..
- لأنه كما قالت " قلب أبيض " : ( الكاتب الذي تعمق بشكل كبير جداً داخل شخوص رواياته ووصف فيها الفقر والضمير والمعاناة )
- لأن ( من يقرأ له يدخل بمتاهات نفسية بالغة التعقيد مما يعكس عبقرية هذا العملاق ) ..
- لأنه ( مؤسس للتيارات الأدبية المتصلة بعلم النفس في القرن العشرين ) ..
- لأني أتأمل عناوين إنتاجه الأدبي وابتسم إعجاباً [ الجريمة والعقاب , المقامر , الأبله , الممسوسون , المحقرون والمهانون , الشياطين , الإخوة كارامزوف]
- المؤلم.. أنه توفي وهو يلتقط قلمه من على الأرض نتيجة لانفجار شريان رئيسي بالرئة ..
وأخيراً أحبه لأنه قال:
" لا أدري ما إذا كانت أفكاري الكئيبة ستتبدد يوما.. إن لدي مشروعا.. أن أصبح مجنونا .."
( مابين الأقواس لا يخصني )
:
ماذا قالوا عنه ؟
يقول عنه نيتشة :
" ديستويفسكي – الذي أتفق أنه النفساني الأوحد الذي وجدت لديه شيئاً أتعلمه – هو أسعد مفاجأةً جاد علي بها الدهر طيلة حياتي ? ولعلها أسعد حتى من عثوري على استندهال "
ويقول عنه العالم الفذ أينشتاين :
" ديستويفسكي يعطيني أكثر من أي مفكرٍ آخر "
أما وليم فوكنر فيقول :
" أثر في ديستويفسكي تأثيراً كبيراً...ليس هذا فحسب ? وإنما تعود علي قراءة مؤلفاته بمتعة عظيمة ? فأعيد قراءتها كل عام . ومن حيث مستواه الفني وفهمه للبشر ? ومن حيث قدرته على الشفقة كان ديستويفسكي واحداً من أولئك الكتاب الذين يود الفنان ? لو استطاع ? أن يصبح مثلهم "
قال عنه يرى توماس مان :
( أول مبدع نفساني في الآداب العالمية على مر العصور ) ..
ويقول الأديب قسطنطين فودين :
" لقد استجاب ديستويفسكي بكل قوى روحه وموهبته ? وبكل طاقات فكره وآلام ضميره للقضايا المعقدة والمضنية في تلك الفترة التي كان فيها المال والعنف والوقاحة تجعل من البشر أدواتٍ لتحقيق هدفٍ عقيم متسلط ألا وهو الكسب من أجل السلطان ? والسلطان من أجل الكسب . ولقد قال إبداع ديستويفسكي آنذاك ويقول الآن إن روح الإنسان تتمرد وتتعذب بحثاً عن الخلاص . وإنها على الأرجح قد تفضل الموت على أن تتحول إلى سلعة "
أما ديستويفسكي نفسه فيقول بإيجاز :
"المطلوب تغيير الدنيا ? فلنبدأ بأنفسنا...وفكرتي هي أنه ينبغي تغيير العالم ? ولكن أول خطوة حتماً نحو ذلك أن نبدأ حتماً بأنفسنا "
:
قصتي مع روايته " الإنسان الصرصار " ..
حينما قرأتها بدافع الانغماس في الاسم الذي لفت نظري , بدأتها بثاؤب وكسل , وطالت عليّ صفحاتها الـ 80 ولكني مذّ قرأت القُصاصة المذكورة بتنويه الفيودوريّ وأنا أتلهف لقراءة الأكثر ..
قد أخبرني دستوفيسكي أنه سيكتب عن شخصية وهمية ولكنها قد تكون حقيقية وموزعة على الكثيرين من هذا العالم بشكل قد لا يلاحظوه أنفسهم ..!
كررت قراءة الصفحات الـ 16 الأولى عدّة مرات بأوقات وأمزجة مختلفة والسبب أنني في كل مرة أقرأها شيئاً مختلفاً وهذه حقيقة , ربما لن يفهمها الكثيرون معي ولكنهم قد - أقول قد - يلتمسون العذر في حُبي الجديد , وأسلوبي الجديد ,,
لقد أيقظ حواس عقلي وفتح مدارك " تفكيري " وأصابني بدهشة لا معقولة حينما تحدث عني بشكل غير مقصود ..
لقد أثبت بأفكاره الخارجة عن المألوف , أن لـ ألم الأسنان متعة ! نعم له متعة تماماً كما تستمتع بالخبث والمكر والقسوة ! وأقنعني بأن تحقيق الأهداف ليس هو غاية الأعمال , ولكنها طريقة مهذبة للاستمرار في العمل !
الآن أستطيع الاعتراف بشكل مسموع أني منهجيتي في الكتابة تغيرت منذ عانقت " الإنسان الصرصار " أو بشكل واضح منذ عانقت فيودور دستوفيسكي بروحه المبعثرة بين كلماته المجنونة ..!
يا تُرى هل سيذكرني العالم يوماً ؟
هذا ما لن يجيبني عنه دستوفيسكي , فلقد نشأت بيننا أسرارٌ جديدة , وأنا أحترم الأسرار كثيراً
:
كُتبت ليلة البارحة دونما تفكير ..
إنني أُحب هذا الرجل كـ رمزٍ أدبي ..
سأحاول لاحقاً إدراج بعض إنتاجه الأدبي للجميع