:
[ 1 ]
النّقدُ البنّاء : لَيسَ بِذلكَ المُستَبدِلُ طُوبَةً معْطوْبَةً ، بطُوْبَةٍ صَالِحَة ..
بَلْ هُوَ الآخِذُ البِنَاءَ بأكْمَلِهِ وَ وَاضْعهُ فيْ المَكانِ المُناسِبْ .
أيْ :
أنّه يأخُذُ النّصّ الأدَبيّ وَ يُسْكِنَهُ فيْمَا لاقَ انْسِيَاقَاً إليْهِ وَ انْسَاقَ لائِقَاً عَليْهِ ..
فمَثلاً :
لا يَعيْبُ [ المُبَاشَرة ] فيْ جزْءٍ مِنَ النّصّ ، وَ لا يَسْتَنْقِصُ [ التّقرِيْريّة ] فيْمَا
اسْتَوْجَبَ ذَلكَ ، وَ لا يَصِفُ لَفْظَاً بِـ [ الشّاعريّة ] دُوْنَ الآخَرَ ،
بَلْ يُعيْدُ كُلّ ذَلِكَ إلَى غَرْسِهِ وَ دَرْسِه ، وَ المُثْمرُ مَدْرَسَةً وَ اتّجَاهاً أدَبيّاً خَالِصَاً وَ خَاصّا .
عِندَمَا أسْتَبدِلُ الطّوبَ المَعْطُوبَ ، بِصَالِح - بِناءً عَلَى وِجْهَةِ نَظَريْ - ، فَأنَا هَادمٌ
لِوِجْهَةِ نَظَرِ الآخَر الكَاتِب ، وَ أُحَاولُ - بِقَصْدٍ أوْ دُوْنَه - أنْ يَكُوْن أنَا وَ أكُونَ هُوَ ،
مُتَشَابهَيْنَ لا مُتّحِدَيْن ، وَ فيْ ذَلِكَ تَجْفِيْفٌ للْمَنَابِعِ الأخْرَى وَ السّقَايَةُ مِنْ مَاءٍ آسِنْ !
[ 2 ]
خَطَأ نَقْدِيّ : [ التّكْرَار ]
لَيْسَ كُلّ تِكرَارٍ خَاطِئ التّكْرَار ، إذْ يُنَاقِضُ القَائِلَ ذَلِكَ
عَظَمَةَ أعْظَمَ نَصٍ وَ هُوَ القُرآن ...
وَ مَا بُحُورُ الشّعْر وَ مُوْسِيْقَاهُ ، إلاّ تِكْرارٌ لتَفاعِيْلِه ، فَكِيْفَ يُنْتِجُ الْخَطأ صَوَابَاً !
يَقوْلُ الدّكْتُور [ أحمد زهير المنصور ] :
" إنه يعكس جانباً من الموقف النفسي والانفعالي، ومثل هذا الجانب لا يمكن فهمه إلا من
خلال دراسة التكرار داخل النص الشعري الذي ورد فيه، فكل تكرار يحمل في ثناياه دلالات
نفسية وانفعالية مختلفة تفرضها طبيعة السياق الشعري، ولو لم يكن له ذلك لكان تكراراً
لجملة من الأشياء التي لا تؤدي إلى معنى أو وظيفة في البناء الشعري ، لأن التكرار إحدى
الأدوات الجمالية التي تساعد الشاعر على تشكيل موقفه وتصويره .. "
[ 3 ]
خَطَأ نَقْدِيّ : [ صِنَاعَة الشّعرِ ]
كُلّ شِعْرٍ : مَصْنُوْع ، إذْ لا شِعْرَ مَطْبُوع .
الشّعْرُ : صِنَاعَةٌ - بِالضّروْرَة - وَ لا ضَرَرَ .. يَقوْلُ ذَلكَ المَنْطِقُ وَ يُؤكّدُهُ العَقْل ،
فَمِنْ أبوْ هِلالَ العَسْكَريّ ، مُروْراً بِابْنِ خَلدُونَ وَ الْجَاحِظَ وَ لَيْسَ انْتِهَاءً بِابْنِ طَبَاطِبَا ..
جَمِيْعُهمْ أكّدُوْا بِأنّ الشّعرَ : صِنَاعَةٌ ، وَ لَمْ يُنْفَ ذَلِكَ إلاّ مِنْ جَهْلٍ وَ لَنْ يُنْكِرَهُ إلاّ جَاهِلْ .
إذَنْ :
مِنَ الْعَيْبِ أنْ يُعَابَ عَلَى الشّعْرِ مَا هُوَ صِفَةٌ فِيْهِ وَ عَلَى الشّاعِرِ بِمَا هُوَ وَصْفٌ لَهْ ،
فَهَلْ فيْ إجَادَةِ الوَزْنِ وَ القَافِيَةِ - مَثَلاً - مِنْ عَيْبٍ يُسْتَنْقَصُ فِيْهِ الشّاعِر !
قِسْ هَذَا عَلَى ذَاكَ ، وَ تَأكّدْ بِأنّ ذَاكَ وَ هَذَا : أُسُسٌ للشّعْرِ لا يُخَطّأ بَانِيْهَا .
[ 4 ]
خَطَأ نَقْدِيّ : [ التّكلّفْ ]
الْكِتَابَةُ : إمّا [ عَمَلٌ ] وَ إمّا [ فِعْلْ ] ،
- [ الْعَمَلُ ] : " تَحْوِيْلُ الْفِكرَةِ إلَى عَمَلٍ مَحْسُوسٍ بِغَضّ النّظَر عَن دَرَجةِ إيْمَانِ الفَاعِل بِمَا يَقوْمُ بِهِ "
[ الفِعْلُ ] : " مَرْتَبَةٌ أعْلَى وَ أرْقَى؛ إذْ إنّهُ تَحْوِيلُ الفِكْرَةِ وَ اليَقِيْنِ إلَى وَاقِعْ ، بِحَيْث يَصِيرُ ذَلكَ الْمُعْتَقدُ
سُلُوكَاً للْمَرْء يَتَجرّدُ لَهُ ، وَ يُلازِمَهُ عَنْ مَحَبّةٍ وَ إخْلاصْ " -
فَمَن رَآها [ عَمَلاً ] ، لَنْ يَرَى أكْثَر مِن ذَلِكَ [ فِعْلاً ] وَ لنْ يَتَجاوَزَ بِالعَمَلِ إلَى الفِعْل ،
وَ رُؤيَتُه تِلكَ تَجعَلُهُ يَنْعَتُ فِعْلَ الكِتابَة بـ التّكَلّفِ وَ فَاعِلُ ذَلِكَ بـ المُتَكلّفْ .
[ 5 ]
الْمُفَاجَأةُ بِالشّعْرِ لَيْسَتْ [ فيْهِ ] ، بَلْ [ مِنْه ]
لأنّ الْقَوْلَ بِـ [ فِيْهِ ] : تَجَمُّدٌ ، وَ الْقَوْلُ بِـ [ مِنْهِ ] : تَوَرّدٌ .
أنْ تَقُوْلَ وَصْفَاً لائِقَاً ، فَأنْتَ تُفَاجِئُنِيْ [ في ] الشّعْرِ لا [ مِنَ ] الشّعْرِ .
الْـ [ فِيْ ] : دُخُوْلٌ وَ بَقَاءْ = تَجَمّد .
الْـ [ مِنْ ] : خُرُوْجٌ وَ عَطَاءْ = تَوَرّد .
عِنْدمَا أُفَاجِئُكَ [ مِن ] الشّعْرِ فَأنَا آخِذُكَ إلَيّ
وَ عِنْدمَا أُفَاجِئُكَ [ فيْ ] الشّعْرِ فَأنْتَ مَنْ تَأخُذَنِي إلَيْكَ .
أُفَاجِئُكَ [ مِنَ ] الشّعْرِ بِأنْ أعْجِنَ اللغَةَ وَ أصْنعُ مِنْهَا مَا يُجْبِركَ
علَى مَلْء الفَرَاغَاتِ بَعْدَ صُنْعِيْ ، خِلافَاً لِمُفَاجَأتِكَ فِي الشّعْرِ
وَ التِيْ لا أمْنَحُكَ فُرْصَةَ الْمَلْءِ وَ مُمَارَسَتُهُ كَمَا تُرِيْدْ .
أُفَاجِئُكَ [ فيْ ] الشّعْرِ بِقَالَبِهِ اللغَوِيّ - وَزْنُهُ ، قَافِيَتُهُ -
وَ هَذَا يَعنِيْ أنّ المُفَاجَأةَ عَائِدَةٌ إلَيْه لا إلَيْكَ وَ لا فَضْلَ لكَ فِيْهَا ،
فَضْلاً عَنِ امْتِلاكَ الْجَمِيعِ لَهَا لِـ امْتِلاكِ الشّعر لَهَا - أصْلاً - .
- مَثَلاً - :
لَيْسَ فِي التّكْرَارِ مِنْ مُفَاجَأة - كَذَلِكَ يَقُوْلُ الْعَقْل - ،
مَا يَقُوْلُهُ الشّعْرُ بِعَقْل :
أنّ بِإمْكَانِيْ خَلقُ الْمُفَاجَأةِ مِنِ التّكْرَارِ وَ هِيَ عَمَلِيّةٌ
صَعْبَة وَ حَرَفيّة فَاِئقَةُ بِالْوَقْتِ ذَاتِهْ .
[ 6 ]
قِيْلَ : " حِكْمَة الشّعْرِ أنْ ليس فِي الشّعْرِ حِكْمَة ".
وَ أقُوْلُ : بِأنّ الْحِكْمَةَ لَيْسَتْ ضَالَةَ الشّاعِرْ وَ جَمِيْلٌ ألاّ يَجِدَهَا لِيَجُوْدَ بِهَا .
إذْ لا جَدِيْدَ فِي الْحِكْمَةِ إلاّ قَوْلُهَا وَ قَوْلُهَا غَيْرَ مَحْكُوْمٌ بِجِدّتِهَا ، بَلْ بِحِدّتِهَا وَ مُسْتَدْعِيْهَا ،
وَ الشّعْرُ نَقِيْضُ ذَلِكَ كُلّهُ ...
إذِ الْقَدِيْم بِالشّعْرِ قَوْلُهُ وَ هُوَ مَحْكُوْمٌ بِالْجِدّةِ لا الْحِدّةِ ، إذْ لا يَسْتَدْعِيْهِ سِوَاهُ .
أنْ تَقَوْلَ الْحِكْمَةَ فَأنْتَ تَقُوْلُ كُلّ شَيْءٍ إلاّ الشّعْرَ وَ عِنْدَهَا فَإنّكَ كُلّ شَيْءٍ إلاّ الشّاعِرْ
قُلْ أنّكَ حَكِيْمٌ رُزِقَ نَظْمُ الشّعْرِ
وَ لا تَقُلْ بِأنّكَ شَاعِرٌ رُزِقَ نَظْمُ الْحِكْمَة .
الْحِكْمَةُ : مُطْمَئِنّة
الشّعْرُ : مُقْلِقٌ
الْحِكْمَةُ : رُشْدٍ
الشّعْرُ : طَيْشٌ
الْحِكْمَةُ : تَتّجِهُ إلَى الْعُمْرِ الْقَادِمْ
الشّعْرُ : يَتّجِهُ إلَى الْعُمْرِ السّابِقْ
الْحِكْمَةُ : دَوَاءٌ
إذْ يُنْعَتُ قَائِلُهَا وَ وَاصِفُ الدّوَاءِ بِـ : الْحَكِيْم
الْحِكْمَةُ خَادِعَةٌ إنْ صِيْغَتْ نَظْمَاً / شِعْرَاً وَ تَكَادُ تُمَرّرُ عَلَى قَارِئْهَا / سَامِعَهَا أنْ ثَمّة مَا يُفْهَمُ مُبَاشَرَةً دُوْنَ
إعَادِةٍ تَتَفكّرُ أوْ فِكْرٍ يَتَعَدّدُ .
[ 7 ]
لا غُموْضَ فِي الشّعْر إذْ لا شِعْر غَامِضْ ..
الغَامِضُ : مَالا يُفْهَم ،
وَ الـ [ مَالا يُفْهَمُ ] : قَدْ يُفْهَم ..
لأنّ الفَهْمَ : مُتَفَاوِتٌ لِتَفَاوتِ العُقوْلِ بِثَقافَاتِهَا .
لِذلِك :
مَا يَراهُ عَقلُكَ غَامِضاً لا يَراهُ عَقْليْ كَذاِك ..
وَ لِـ اخْتلافِ الرُؤْيَةِ بَيْنَنَا ،
يَنْتَفيْ الغُموْضُ بالشّعْر لِـ انْتِفَاءِ التّشابُهِ بَيْنَنا فِي الفَهْمِ .
[ 8 ]
[ تَقَاربُ الحُرُوْفِ لِتَقارُبِ المَعَانِيْ ]
- كيمياء الغي -
يَرَى الْبَعضُ بِأنّ تِكرَارَ عِدّةِ كَلِمَات ٍ بِنَفْسِ الأصْوَاتِ تَقَارُبٌ لِمَعَانِيْهَا وَ لَعَلّ أوّلَ الْقَائِليْنَ بِذَلِكَ " ابْنُ جِنّي "
الّذِيْ مِنْ مَبَادِئِهِ [ تَقَارُبِ الْحُرُوْفِ لِتَقَارُبِ الْمَعَانِيْ ] كَمَا مَثّلَ لَهُ بَالاشْتِقَاقِ الأصْغَرِ وَ الاشْتِقَاقِ الأكْبَرِ
وَ الّذِيْ يَعْنِيْ أخْذَ أصْل ٍ مِنَ الأصُوْلِ الثّلاثِ لِلْكَلمَةِ وَ يُقَلّبُهَا إلَى سِتّةِ تَرَاكِيْبَ تَرجِعُ لِمَعْنىً وَاحِد مِثْلَ أصْلِ
[ ك ل م ] وَ الّذِيْ بِتَقَالِيْبِهِ السّت يَدُلّّ عَلَى : [ الْقُوّةِ وَ الشّدّة ] ..
وَ هَكَذَا بِالأمْثِلةِ نَجدُ أنّ الحُرُوفَ إنْ تَشَابهَتْ مَخَارجُهَا وَ تَقَارَبَتْ ، التَصَقَتْ مَعَانِيْهَا وَ هَذا مَا يُعرفُ
بِالدّراسَةِ المُعَاصِرَة بِمَفهوْمِ [ الأناكرام ] وَ يَعنُونَ بِهِ أنْ تَكُونَ الَكلِمَتانِ مُكوّنَتانِ مِن نَفسِ الأصْوَاتِ ، أوْ الْخَطّ
أوْ مَا يَقْترِبُ مِن مَفْهُومِ [ chiming ] وَ هِيَ :
" وَسِيلةٌ للْرّبْطِ بيْن كَلِمتَينِ لِـ مُشَابَهَةِ أصْوَاتِهمَا ، بِحَيْث تَجْعَلُكَ تُفَكّر في إمْكَانِيّةِ جَمْعهمَا " .
فَلنَا أنْ نَفتَرضَ مَثلاً أنّهُ عنْدَ تَشَابُهِ الكَلِمَاتِ كَبُنْيةٍ لُغَوِيّة فَإنّهَا تُمَثّلُ بُنْيَةً نَفْسِيّةً مُتَشَابِهَة وَ مُنْسَجِمة ، وَ تَهْدفُ
إلَى إبْلاغِ الرّسَالةِ عَن طَريْق التّكرَارِ وَ الإعَادَة " فِإذَا تَتَابعتْ الكَلمَاتُ المُتَطَابِقةُ وَ المُتَقارِبةُ الأصْوَاتِ ، كَانتْ تَعْنيْ
الْحثّ وَ الكَفّ بِسُرْعة ، أوْ إعَارَة الانْتِباه " وَ تِكرارُ الأصْواتِ ليْسَ ضَروْريّاً وَ لَكنّهُ " شَرْطُ كَمَال " أوْ لَعبٌ لُغَويّ ..
وَ يَرى الدَكتوْر مُحمْد مفْتَاح أنّهُ يَقُوْم بِدَور ٍ كَبيْرٍ في الخِطَاب الشّعْري وَ أنّ القَارِئ للشّعْرِ يُدرِكُ أنّهُ لَعبٌ لُغَويّ
سَوَاءً أكانَ ضَرُورِيّاً أمْ اخْتِياريّاً وَ مَهمَا يَكُن فَإنّهُ يَجبُ الانْتِباهُ إلَيهِ مِن قِبَلِ المُتَلقّي فَيَتسَاءَلُ عَن مَغزَاه وَ مَعْناه .
وَ فِي نَصٍ كَـ [ كيمياء الغي ] لِـ [ فهد عافت ] يَلْعبُ الشّاعِرُ بِالكَلمَاتِ فِي مُرَاوَغة ٍ مِنهُ بِالمُتَلقّي لإخْفَاءِ مَآرِبهِ
ليُجْبِرَهُ عَلى رِيَاضَةِ التّفكِيرِ وَ إظْهَارِ مَا أَرَداهُ الشّاعِرُ مِن وَرَاءِ حِجَابِ اللغَة أوْ مَا عَجِزتْ اللغَة عَن إيْصَالِهِ بِالطّرقِ السّهْلةِ
" الفاضحة " .
І
[ يا منافينا .. نما فينا بلد ]
" منافينا " = جَمعُ مَنْفى وَ [ النّاء ] دَالَة عَلى الفَاعِل / الشّاعِر .
" نما فينا " = الفِعلُ [ نما ] + حرف الجر [ في ] + [ الناء ] الدّالةُ علَى الفَاعِل / الشاعر .
هُنا تَقَاربٌ للْحُروْفِ بِشكْلٍ وَاضِحٍ جِدّاً لـ احْتِواءِ الْكلِمَتَينِ علَى نَفْسِ الحُروْفِ وَ هوَ مَا يُسمّى بِالبَلاغَةِ [ جِنَاساً ]
هَذا مِنْ نَاحِيةِ الشّكْلِ وَ النّطْق ، وَ بِما أنّ " تَقارُبَ الحُروْف مِن تَقارب الْمَعاني " كَمَا أسْلفْنا فَإنّ لـ تَقارُبهِمَا
بِالشّكل ِ تَقاربٌ بَالمَعنَى فِي " نَفْسيّةِ " الشّاعِر وَ أثَرهُمَا عَليْه .
بَدَأ الشّاعرُ بـ " ياء النداء " وَ هوَ نِداءٌ " للمنافي " التِي أنْتَجتْه وَ نَمَا فِيهَا بِالتّأكيْد ، كَيفَما كَانَ هَذا النّموّ
وَ أيٌّ نِداءٍ عنْدهُ لا تَعقُبه إلاّ " المنافي " مَعَ اختِلافِ أسْمَائهَا وَ صِفَاتهَا ، مُرْتَبطاً فِيهَا - أيْ المَنافِي - ارْتِباطَاً
يَجعَلهَا أقْربَ إليْه مِن حَبْل الوَريْد ، وَ مُطمَئناً [ فِيهَا ] لا [ لَهَا ] فَـ فِعلُ [ النّدَاءَ ] يُشْعرُكَ بِالقُربِ وَ الطّمَأنِينَةِ
وَ التِصَاقُ المُنادَى بِكَ وَ هذَا الشّعوْرُ بِالدّفْء يَبعَثهُ الصّوْتُ وَ مِن ثَمّ اسْمُ المُنادَى .
مِن جِهة ٍ أخْرَى وَ بِالعَوْدةِ إلَى ذَلكَ [ النّموّ ] يَتأكدُ لَنَا بِأنّه [ نَفيٌ ] هُوَ الآخَرُ إذْ أنّ شَاعرُنَا نَما يَتيْماً ،
وَ النّموّ لا يَكوْن [ نَفياً ] إلاّ عِندَمَا تُولدُ يَتيْمَاً بِلا أبْ ، فَكأنّ [ النّمو ] ارْتبَطَ بِالـ [ مَنافِي ] سَوَاءً أكَانتْ
تِلكَ المَنافِي [ حِسّيةً / وَطَن ] أمْ كَانتْ [ مَعنَويةً / يُتم ] .
وَ لأنّ اليُتمَ حَدثٌ لا يُعوّضْ ، لَن يَتعَالى الشّاعِرُ بِخلْقِ مَا يُعوّضهُ ذَلكَ فَاسْتَعاضَ يُتمَ الأوْطانِ فيْ وَطنٍ مِن صُنعهِ
وَ إنْجازِه وَ خَلقِه .. لأنّهُ لا يُريْدُ مِنّا شَفَقةً ليُتمَيْهِ الحِسّيّ وَ المَعنَويّ .
[ يا منافينا نمى فينا بلد ]
لَم يَكنْ ذَلكَ تَرَفاً لُغَويّاً أوْ تَكلّفَاً شِعريّاً ، بَلِ ارْتِباطُ الشّكْلِ بِالمَعْنى مِن إحْسَاسٍ مُؤلم ٍ حَدّ الرّحْمة للشّاعِر وَ عَليْه .
[ 9 ]
قَصِيْدةُ التّفْعِيْلَةِ لَيْسَتْ : طَريْقَاً ،
بَلْ هِيَ الوُصُول ...
هِيَ الْـ [ مَا بَعْدُ ] ، لأنّ كُلّ شَيْءٍ قَبلَهَا وَ لا بَعْدَهَا مِنْ شَيْءٍ - الآنْ - .
ظُنّ بِهَا السّهُولَةُ حَتّى اسْتُسْهِلَ بِكِتَابَتِهَا وَ كَاتِبِهَا ..
قِيْلَ - جَهْلاً - :
هِيَ للهُرُوبِ مِنْ الوُقُوْعِ بِالْكَسْرِ !
أوَلَيْسَ الكَسْرُ فِيْ بَيْتِ الشّعْرِ بِتَفْعِيْلَتِهِ ؟!
إذَنْ مَا يُصِيْبُ التّفْعيْلَةَ هُنَاكَ مُصِيْبٌ لَهَا هُنَا - بِالضّرُوْرَةِ - .
[ 10 ]
مِنَ الطَبِيْعيّ أنْ تَختَلفَ قِراءَةُ المَكْتُوبِ عَن كتَابَةِ المَقْرُوْء ..
وَ لأنْ لا جَدِيْدَ فيْ الحَدِيْثِ عَنْ [ قِرَاءَةِ المَكتُوْبِ ] سَأتَحدّثُ بِجِدّيّةٍ عَن [ كِتَابَةِ المَقْرُوْء ] ،
مَا يُمْكِنُ قِراءَتُهُ كِتَابَةً كَـ الصّورَةِ وَ الأغْنِيَةِ ... إلَخْ ، خَطِيْرٌ عَلَى قَارِئهِ لا مُنْتِجِه بِسَببِ :
- أنّ فيْ القِرَاءَةِ مُحَاكَاةٌ حَدّ التّمَاهِيْ مَعَ المَقْرُوْء .
- أنّ تِلكَ الكِتَابَةُ انْطِباعِيّةٌ مُؤَقّتَة لِـ انْفِعاليّةٍ مَوْقُوْتَةٍ .
- أنّكَ مُلزَمٌ حِيَالَهَا بِدِقّةِ اللحْظِ وَ رِقّةِ اللفْظِ .