رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا - الصفحة 4 - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
قَمْح. (الكاتـب : عَلاَمَ - مشاركات : 3 - )           »          كَأْس شَّاي ، (الكاتـب : عَلاَمَ - مشاركات : 6 - )           »          اوراق مبعثرة!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 621 - )           »          قصّة مثيرة .. (الكاتـب : نوف مطير - مشاركات : 0 - )           »          [ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : عَلاَمَ - مشاركات : 75406 - )           »          صفات العابدين: رحلة إلى عظيم الأجر! (الكاتـب : جهاد غريب - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 1 - )           »          في المقهى .. ؟ (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 4492 - )           »          حين تتنفس السماء من صدرك! (الكاتـب : جهاد غريب - آخر مشاركة : رشا عرابي - مشاركات : 3 - )           »          اقرأ الصورة بمِدادٍ من حبر (الكاتـب : نواف العطا - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 2925 - )           »          غُصْن بُرغَندِيّ _ مُجرّد رَأي (الكاتـب : عَلاَمَ - مشاركات : 28 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-29-2021, 08:41 AM   #1
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


محبرة دماء مِن صفحات التوراة
لقد دعا يعقوب إسحاق وزاراته وأصحاب القرار مِن دولة إسرائيل والمخلصين لها لعقد اجتماع سريِّ سمّاه اجتماع «ردُّ الكرامة لسبعة آلاف سنة مضت» أبلغهم بنفسه واستنفرهم عليه، قائلاً العبارة التي لا تفارق لسانه: «اجتماع ردّ الكرامة لسبعة آلاف سنة مضتْ»
وكانت هذه الدعوة إثر فشل اقتحام أحد الأنفاق الرئيسة لاتحاد المقاومة. قبل أن يبدأ الاجتماع استحثَّ وزيرُ العلوم والتكنولوجيا أعضاء الاجتماع كلّهم بترك هواتفهم الجوّالة خارج الكابينت، ثمّ قام بنفسه بفحص أقلام الوزراء وأجسادهم بوساطة جهاز كشْف ذبذبات متطور للتأكد مِن خلوِها مِن أيّ أجهزة تنصّت خشية أن تكون وُضِعت فيها على غفلة منهم، وقام كذلك بفحص المكان؛ فلمْ يبدِ الجهاز أيّ ذبذبات تُذكر، عندئذٍ نظرَ إلى يعقوب بثقة قائلاً: «الكابينت آمن يا سيادة الرئيس.»
فأشار يعقوب إلى الجمع بالجلوس لبدْء الاجتماع.
بدأ يعقوبُ بافتتاحية المجلس قائلاً: «أنا يعقوب إسحاق -خادم إسرائيل- أحبُّ إسرائيل وأحبُّ القصاص، واعتزُّ بديني وشعبي، ولا يوجد على وجه الأرض كلّها منذ بدْء الخليقة جنس أطهر مِن جنسنا -فهم أبناء الله وأحباؤه، هم السادة ولا أحد غيرهم، هم شعب الله المختار، نحن؛ نحن الملوك والأسياد- ومع ذلك فنحن الشعب الذي تعرض للاستئصال على مرّ تاريخنا كلّه. لمْ ترحمنا أوروبا لأنهم يعتقدون أننا نحارب ديانتهم؛ فاضطهدونا وشرّدونا، ولكن ما زال ولا يزال الإسلام هو عقبتنا الرئيسة.» صمت لحظات تأوه فيها ثم استأنف: «لقد أذلونا في عصر محمّدِهم، وهم يريدون استرجاع أمجاد أجدادهم. يا سادة، نحن شعب التيه المضطهد على مر العصور، لن يجفَّ دمعي، وتنام عيني، ويهدأ لظى فراشي وتنطلق أنفاسي إلّا بعد القصاص مِن هذا العالم ثمّ حكمه؛ وكلّكم يعلم ماذا فعلتُ لدولة اسرائيل كي تسود، فقد نجحتُ في مطاردة الفلسطينيين هنا وفي مصر، وأنا ما دعوتكم إلا للضرورة القصوى.»
سأله وزير العلوم والتكنولوجيا عن أسباب الاجتماع مباشرة، فرمقه وزير الدفاع رمق استنكار، لم يكترث يعقوب لفعل الوزيرين ثم أمضى كلامه قائلا: «فشْلنا في اقتحام الأنفاق الرئيسة للمقاومة كارثة بكلّ المقاييس.» وأشار إلى وزير التكنولوجيا مستأنفًا كلامه: «ولقد أخبرتُ وزير التكنولوجيا بالأمر، فقال لي إنّ الأنفاق محصّنة بحقول قوى، ثمّ شرح لي تركيبها وطريقة عملها، وأكّد لي أنّه سوف يخترع صاروخًا قادرًا على اختراق تلك الحقول وتدمير كلّ الأنفاق، ثمّ تأتي الخطوات التالية كما سيتبيّن من الاجتماع.»
سكت هنيهة ثم أشار إلى الجمع قائلاً: «كما إني أجد في هشاشة الأنظمة العربيّة مأربي، فالرؤوس قد أينعتْ وحان قطافها، فالشعوب العربيّة على وشك الانفجار مِن أنظمتها الحاكمة بسبب الظلم والفقر وقلة الماء، وهي أنظمة تكره بعضها، وهذه النقطة بالأخص بمنزلة قنبلة موقوتة لا تحتاج أكثر مِن إشعال فتيلها فتنفجر فيهم جميعًا.ولا تنسوا يا سادة قوة إسرائيل اليوم، فلدينا الآن رجال مخلصون هم أفضل مَن أنجبتْ إسرائيل أيضًا على مرِّ تاريخها، وهم على أتمِّ الاستعداد للتضحيّة بالنفس والمال من أجل؛ مِن أجل «ردّ الكرامة لسبعة آلاف سنة مضتْ» -متمثلة في حاخامات المعابد، واللوبي الصهيوني، وكبار البارونات- وقد بلغ الاقتصاد اليهوديّ مبلغًا عظيمًا في عقدنا هذا. كلُّ هذه الظروف ألقتْ بظلالها في كافّة أرجاء دولة إسرائيل بكل قطاعاتها ومؤسساتها لعقد اجتماعنا هذا «اجتماع ردّ الكرامة لسبعة آلاف سنة مضت »، والآن، أودُّ منكم وضْع مقترحات لإقامة دولة إسرائيل الكبرى، أودُّ وضْع خطة للسيطرة على العالم؛ سيطرة على:المسلمين، والمسيحيين، والبوذيين، والنازيين، حتى الملحدين، السيطرة على العالم .أودُّ القصاص؛ أودُّ القصاص؛ وأسألُ اللهَ أن يجعلني وإيّاكم مِن المتقين.» وبعد أن أنهى كلامه قام ولثّم رأس الحاخام الأكبر وحثه على التكرم بإبداء رأيه.
وقبل أن يستهل كلامه قدم بعض الطقوس التعبدية التي تنم على الخشوع والتألم لما آلت له دولة إسرائيل -والحاخام ذو لحية كثيفة وشارب غزير ونظارة وقبعة سوداوين- بدأ بقوله: «بعد مراجعة التوراة والتلمود، وإمعان النظر فيما يدور مِن أحداث عالميّة؛ تبيّن لي على الحقيقة التي لا لبس فيها أنّ هرمجدون على الأبواب؛ لكنّها تحتاج إلى جهدٍ مضنٍ منكم كي تُؤجج وتستعر. واعلموا أن الشعب الأمريكيّ المسيحيّ الصهيونيّ سوف يساعدكم على تنفيذ مخططكم؛ لأنّ هناك نصًا صريحًا يحفّزهم على إشعال الحرب العالميّة الثالثة. هذا النص ورد في موضع واحد من الإنجيل في سفر الرؤيا: «ثم سكب الملاك السادس جامه على النهر الكبير، الفرات، فنشف ماؤه لكي يُعدَّ طريق الملوك الذين من مشرق الشمس، ورأيت من فم التنين ومن فم الوحش ومن فم النبي الكذاب ثلاثة أرواح نجسة شبه ضفادع فإنهم أرواح شياطين صانعة آيات تخرج على ملوك العالم وكل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم الله القادر على كل شيء، ها أنا آت كلص، طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عريانًا، فجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون.» والتلمود يأمركم بالعمل على إقامة الحرب النوويّة بين أقطاب العالم، ثم تلا بخشوع: «وقبل أن يحكم اليهود نهائيًا–أي قبل أن يحكموا العالم- يجب أن تقوم الحرب على قدم وساق، ويهلك ثلثا العالم ليأتي المسيح الحقيقي ويحقق النصر القريب.» واعلموا أنّ أرض المعركة هنا في هرمجدون. فاعملوا على تهويد فلسطين كي تمثل لنا أرض فلسطين مركزًا لإدارة العمليات. وعندما تسود دولة اليهود فعليكم ببناء الهيكل على أنقاض الأقصى لاستقباله (يقصد استقبال المسيا الملك). ما ورد في بروتوكلات حكمائكم أنّ المسيا الملك كامنًا في الهيكل. وبعد أن تقوم دولة إسرائيل عليكم بالزحف مع المسيا الملك إلى الشام لخوض الملحمة الكبرى والنهائية، ثمّ تلا بخشوع: «مُدُنُ عَرُوعِيرَ مَتْرُوكَةٌ. تَكُونُ لِلْقُطْعَانِ، فَتَرْبِضُ وَلَيْسَ مَنْ يُخِيفُ.» ثمّ أردف النص بنصٍ آخر: «وَيَزُولُ الْحِصْنُ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْمُلْكُ مِنْ دِمَشْقَ وَبَقِيَّةِ أَرَامَ. فَتَصِيرُ كَمَجْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ.» واعلموا أنّ الظفر حليفه وحليفكم كما هو مذكور في التلمود على قول التوراة: «سيأتي المسيح الحقيقي ويحصل النصر المنتظر، ويقبل المسيح وقتئذ هدايا الشعب ويرفض هدايا المسيحيين، وتكون الأمة اليهودية إذ ذاك في غاية الثروة لأنها تكون قد حصلت على جميع أموال العالم.» كما جاء أيضاً: «حيث يأتي المسيح تطرح الأرض فطيرًا وملابس من الصوف وقمحًا حبة بقدر كلاوي الثيران البريّة، وفي ذلك الزمن ترجع السلطة إلى اليهود، وجميع الأمم تخدم ذلك المسيح، وسوف يملك كل يهوديِّ ألفين وثلاثمائة عبدًا لخدمته، ولن يأتي إلا بعد اندثار حكم الشعوب الخارجة عن دين بني إسرائيل.» واستأنف تراتيله بقوله: «فيستأصل جميع الأديان، ما عدا الدين اليهودي، ويحل كل الحكومات، ما عدا مملكة يهوذا، وعندها يَستريح ربُّ الأرباب، رب إسرائيل بين خصومه، ويعمُّ العالم سلام، كما يقول التلمود، فيَنتهي بذلك بكاء رب الجنود وندمه وأنينه، لتفريطه في حق شعبه المختار، فتُمطِر السماء فطيرًا وملابس صوفية مخيطة.» ثم سكت هنيهات. فعلم يعقوب أنه انتهى من تراتيله، حينئذ نظر إليه وإلى رئيس الكنيست بعينين حالمتين، كما ملأته نصوص التوراة بهجة وسرورًا، فلمعتْ عيناه وانبسطت أساريره، واستنشقَ استنشاقًا طويلاً مغمضا بعينين حالمتين ليستحضر أمامه عرْش إسرائيل في مخيّلته.

أشار يعقوب إلى وزير العلوم والتكنولوجيا ليتكلّم فقال الوزير: «لقدْ كانت تقارير وزارتنا على مرِّ التاريخ المرجع الأول ونقطة الانطلاق لأيّ خطة عمل تقوم بها دولة إسرائيل بكلّ وزارتها وهيئاتها؛ خطة عمل لتطوير الأسلحة، خطة عمل لتطوير المختبرات، خطة عمل لاعتلاء الكفاءات نحو الأماكن التي يستحقونها، خطة عمل للنهوض بالاقتصاد الإسرائيلي.»
سكت هنيهة، ثم ما لبث أن أشار إلى رئيس جهاز المخابرات قائلاً: «أمددناكم بمئات التقارير العلميّة عن حركة التقدم العلميّ والتكنولوجيّ العالميّ عبر التاريخ وخاصة الأربع سنوات الفائتة، ولقد كانت هيئتنا لها اليد الطولى وكلمة الفصل في تحديد موازين القوى وكشْف النقاب عن الأخطار والكمائن التي قد تلحق بإسرائيل، ولقد قمنا بتدريب كلِّ أجهزة المخابرات لتذليل مهامهم المنوطة بهم.» قطع وصلة كلامه ليبدأ بوصلة جديدة متوجهة إلى وزير الطاقة فواصل قائلاً: «ملف المياه والنفط؛ النفط يفقد مخزونه يومًا بعد يوم، والمياه في منطقة الشرق الأوسط ضعيفة جدًا، ودول الخليج ستعيش الفترة المقبلة بلا شك على استثمار أموالهم في الخارج بعد نقص النفط الحاد على أراضيهم. وما يدعو إلى التفاؤل والتمكين أنّنا نعيش على عدة أنهر ما زالت وزارتي الدفاع والخارجية يسيطران عليها منذ حرب 1967، وهي مصدر فخر لإسرائيل (يقصد أنهار منابع نهر الأردن واليرموك، وبانياس، مياه الضفة الغربية، ومياه سوريا ولبنان ومصر عن طريق المشاريع المبرمة مع أثيوبيا ودول حوض النيل). ودولة إسرائيل في هذه الأرض (يقصد فلسطين) تضمنت مخططات لكيفية الحصول على المزيد من المياه (يقصد ضمّ جنوب لبنان وجبل الشيخ ومنابع نهر الأردن والليطاني وثلوج جبل الشيخ واليرموك). وبفضل تكنولوجياتنا المتطورة استطعنا أن نسقي الأرض والفمَّ بأعظم ميكنة زراعية.
استطعنا بوساطة أقمارنا الصناعيّة أن نستكشف مناطق المياه الجوفيّة ورسم خرائط لها باستخدام النمذجة الهيدرولوجية، ولا توجد دولة في العالم لديها مخزون مياه إسرائيل الكبرى.» وبدأ بوصلة جديدة موجهًا كلامه إلى وزير الدفاع: «والآن سعينا سعيًا حثيثًا على القيام بأمرين لاستقبال حرب هرمجدون: أولهم، القيام بتخزين أكبر قدر مِن الأسلحة النوويّة في مكان نقوم فيه بعمل تشويش على أكبر أجهزة تفتيش نوويّ في العالم.» رفع يده بدوسيه أوراق إلى أعلى وقال: «معي ملف يشرح كيفية التعمية على سلاحنا ورؤوسنا النوويّة في الأنفاق، وفيه تجد ما لم يصل إليه العالم حتى الآن من وسائل التعمية على الهدف المخزن. والآخر، في حالة الحرب، سيطلب منّا حلفاؤنا النوويّ الذي لدينا، عندئذٍ علينا بالمراوغة والهروب والادّعاء بعدم ملكيتنا لأي سلاح نوويّ بعد الذي أعطيناهم، ولن نعطيهم إلّا النذر القليل.»
نظر إليه وزير الدفاع بعد قوله الأخير، ثمّ اتّجه تلقاء وجهه وانحنى له بعد رفع قبعته قائلاً: «أحييك سيدي على إخلاصك لدولة إسرائيل.»
ثمُّ تطرق وزير التكنولوجيا إلى ملف الأنفاق فقال: «أمّا الأنفاق الفلسطينيّة؛ فقد قدّم رجالنا في السنوات الفائتة إلى هيئة الصناعات والأمنيّة العسكريّة منظومة أجهزة كشف فتّاكة؛ تشمل المنظومة الجديدة أجهزة لرصد الأنفاق. كما قدمنا أجهزة قياس زلازل دقيقة جدًا قادرة على رصد أيّ اهتزاز أرضي، فلو قام أحد الفلسطينيين بالحفر رصدتْه تلك الأجهزة. وميكروفونات صغيرة تكشف أصوات الحفريّات والحفّارين، حتى إنّها تسمعنا صوت قرْع وخفْق نعالهم، بالإضافة إلى رادارات وأجهزة استشعار أخرى. كشفتْ هذه التقنيات عن معظم الأنفاق داخل فلسطين فيما عدا الانفاق الرئيسة؛ فقد أخبرتنا وزارة الدفاع أنّ الصواريخ التي تخترق القشرة الأرضيّة وطبقات الرصاص لم تتمكن من هدمها، وأوضحت لسيادة الرئيس ولوزير الدفاع أنّها محصّنة بحقول قوى ولن يفيد ضربها.
فأشرتُ عليه بحصارها والكشف عن المزيد من نوعية هذه الأنفاق حتّى إذا انتهيتُ من صنْع الصاروخ القادر على اقتحامها قمنا مباشرة بتدميرها والاستحواذ على ما بها من أسلحة وأموال.»
قاطعه وزير الدفاع قائلاً: «ولقد قررنا ذلك بالفعل.»
ثمّ نظر مجددًا إلى رئيس الاستخبارات قائلاً: «كما أنّ التقارير التي تُرفع إلينا بشأن ما وصل إليه التكنولوجيّون مِن غيرنا مِن علم ومدى أهميته وتأثيره على مخططنا العالميّ فإنّنا نردُّ عليهم مِن واقع علمنا، وتكنولوجياتنا، ومدى إبطال هذه العلوم إذا ما نافستنا.
ولقد رُفع إلينا ملف العالم المصريّ الأخير، وأوضحنا في التقرير أنّ اختراعه سيجعل مصر من أغنى دول العالم مما سوف يتسبب تبعًا لعرقلة مسيرة مخططنا، واستنادًا إلى تقريرنا صدر الأمر مِن سيادتكم إلى الموساد باغتياله. ولقد أرسلنا إليكم عدة طرق علميّة لاغتياله.» سكت ثم تابع كلامه مجددًا وهو يشير إلى رئيس المخابرات: «ولذلك تفضّلتم سيادتكم وقتلتموه بطريقة تستحقّون عليها الثناء على قدرتكم المذهلة في الوصول إلى الهدف. ولقد رفعتم لنا تقريرًا منذ أيّام بشأن الفتى المصريّ فهمان طالب بيركلي، وأوضحنا لكم في التقرير أنّه ما زال بُرعما صغيرًا وقزمًا كبيرًا ولا يستحق جهدنا وعناءنا؛ فمازال في المهد لم يصلب عوده بعد، وقلنا لكم ضعوه تحت المراقبة؛ فقد يكون رجلنا مستقبلاً، أمّا بشأن الخلية الصماميّة؛ فهذا الاختراع رغم أهميته إلَا أنّ فكرته بسيطة.»
نظر رئيس الموساد إليّه ممتعضًا وقال: «لعلّ القزم الآن يتعملق غدًا، والغزال يتذئّب.»
رمقه وزير التكنولوجيا باستياء ولم ينبس بكلمة.

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-29-2021, 09:33 AM   #2
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

الصورة الرمزية إبراهيم امين مؤمن

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 1529

إبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


واستهل رئيس جهاز مخابرات الموساد وأمان والشاباك كلمته بالشكر إلى وزير العلوم والتكنولوجيا على كلّ الردود والتقارير التي ترد إليه بشأن تفاعلهم الجيد مع حركة التقدم التكنولوجي العالمي. بعد ذلك دخل في الموضوع الذي يخص هيئات مخابراته الثلاثة حيث قال: «أيّها السادة، أريد أن أنوّه بعقيدة أعتنقُها كما يعتنقُها الحاخام الأكبر وكذا كلُّ الحاخامات وكلُّ مَن في هذا المجلس وكلُّ مسئول عن دولة إسرائيل؛ بل وكلُّ فرد مِن الشعب اليهوديّ، إنّنا ندافع عن أنفسنا، نحن لا نهاجِم، لا نظلِم، لا نتسلّط، نحن ندافع عن أنفسنا قبل أن يقضوا علينا فتزول دولتنا. أيها السادة، أنا أدافع عن رضائعنا، عن نسائنا، عن شيوخنا، عن ديننا. كلّ أجهزتنا الثلاثة الآن ستعمل في السرّ والعلن مِن أجل تصفيّة قدرات الجوييم العسكرية والاقتصاديّة والتكنولوجيّة، وليس بخافٍ على أحد ما صنعه جهاز المخابرات الإسرائيلي من أجل دولة إسرائيل مِن عمليات قنْص واغتيال لرموز المقاومة الفلسطينية الآثمة. كما لا يخفى أيضًا عمليات الاغتيال الواسعة للرموز العلميّة العربيّة التي كانت وما زالتْ تمثل بحقٍّ مصدر رعب وإزعاج لدولة إسرائيل. وخير دليل العمليات الأخيرة التي نفّذناها بكلّ دقة؛ وخاصة تلك العملية التي قمنا بتنفيذها في فندق سونستا طابا. مهامنا حساسة جدًا في الفترة المقبلة، فهي تختلف عن الماضي قلبًَا وقالبًا، وترجع حساسيتها وخطورتها لظهور كلِّ العلامات التي تؤكد أنَّ هرمجدون على الأبواب، كما تفضّل أخي ورئيسي يعقوب، وكذلك حاخامنا المعظم. وتزداد الحساسية في المرحلة التي تلي نزول المسيا الملك، إذْ إنَّ على إسرائيل التخلّص مِن كلّ حلفائها. وعند نجاحنا تبدأ الحرب النوويّة العالميّة ثمّ نزول المسيا الملك لخوض الملحمة الكبرى.
وعند قيامها لابدَّ أن تكون إسرائيل هناك، أتعلمون أين؟ تحت الأنفاق، وفي الجحور رغم قيامها على أرضنا الأولى فلسطين. وأكيد تعرفون عملية العقرب الطائر التي نفذناها بكل دقة.
أيها السادة، أفضّل أن أريكم مشهد الاغتيال الذي عجز فيه المحققون عن كشف هوية قاتليه إلا بروفيسور بيتر الذي اكتشف على الفور أداة الجريمة -لأنّه تخصص فيزياء طبية- حيث إنه علم من ملامح المقتول وكلامه أنّه مسموم بمادة البوتولينوم.
انتظروني.»
مدّ يده وأخرج فيلمًا حجمه كحبة الأرز، ثمّ أشار قائلاً: «هذا فيلم الاغتيال، سترون الآن مِن خلال هذا الفيلم كيف نجح رجالنا في القضاء عليه.» ووضعه على الفور في الحاسوب.
كلُّ أبصار الجالسين الآن تحدّق في الحاسوب انتظارًا لبدء العرض، بينما أمسك رئيس المخابرات عصا للإشارة، وبدأ البيان، أشار إلى موضع تنفيذ العمليّة قائلا: «هذا يا سادة مكان العمليّة، كما ترون عبارة عن حجرتين واسعتين تتوسطهما ردهة أثاثها عبارة عن مائدة طعام ثابتة وصالون فخم و....الخ. بداية، علمتْ مخابراتنا بوجهتيهما -وهو هذا الفندق- فشغلنا كلَّ حجرات الفندق بأفرادٍ منّا حتى لا يأتي نزلاء فيشغلون الشقة الهدف. وصلا الفندق وبصحبتهم فريق متطور من المخابرات المصريّة لحراسة بروفيسور بيتر، ثمّ اتجهوا إلي الاستقبال، عندئذٍ أسرعنا بترْك الشقة الهدف. العملية عبارة عن دسّ السمّ في الطعام عن طريق الروبوت الحامل له، وكان التحدّي الأكبر فيها هو قيامنا بتسميم المصريّ فقط؛ فقد علمنا من خلال مراقبتنا لهما أنّهما يأكلان معًا ويرقدان في مواعيد محددة بالدقيقة تقريبًا، فقد كانا منظمين إلى أبعد الحدود. وجهاز الأمن المصاحب لهما لا يسمح بدخول أيّ شيء إليهما مهما كان، لا طعامًا ولا شرابًا ولا أيّ أغراض إلّا بعد الكشف عنه، وطبعًا لو وضعنا السمّ سيكتشفونه قطعًا. وسيذلل هذه التحديات عقربنا الطائر. انظروا، ها هو طعام الأرز يتمّ فحصه من قِبل أحد الحرس المكلفين بحراسته، العالمان للأسف الشديد يأكلان في طبق واحد لأنّهما حميمان لدرجة كبيرة ، أُدخل ووضع علي المائدة، بعد دقيقتين بالضبط من دخوله خرجا من حجرتيهما لتناوله. والآن، جاء دور العقرب الطائر -إنه بحجم حبة الأرز بالضبط، ولونه لونها- يتمّ دفعه من خلال بطارية نانويّة، وكان التحكم في حركته والتواصل معه من خلال رائد فضائنا -الذي أرسلناه على متن المركبة الفضائية الدولية من خلال القمر الصناعي الإسرائيلي الذي كان يقوم بدور الوسيط- طبعًا يا أخوة، الروبوت يحتوي على هوائيات صغيرة للتواصل مع رائد فضائنا، فضلاً عن كاميرا نانوية صغيرة. ها هو يتسلّل بحنكة شديدة، يتسلّل، لا تخافوا، لن يصطدم بشيء لأنّه مزوّد ببرنامج مطور عبارة عن مجس استشعار سواقة له للسير في المكان المؤدي إلى المائدة. دخل المبنى، دخل، يتحرك للأمام -شكله كالذبابة بحجم حبة الأرز حتى لا ينكشف، ومع ذلك فقد كان يتوارى بين جدران الفندق متّخذًا طريقه نحو الهدف- ها هو يسير في الاتجاه الذي ترسمه له الشريحة بالضبط، يطير أحيانًا ويمشي أحيانًا وقد يقفز أيضًا (وأشار بعصا إلى أحد رجال المخابرات المصريّة، فقد كان سيره عكس اتجاه العقرب وفي نفس مساره) هنا قرأ العقرب المشهد واختبأ خلف جدار حتى مرّ، بعدها واصل سيره. استمرّ في طريقه حتى وصل إلى الباب، بحث عن ثقبٍ فيه ثمّ ولجه وألقى بنفسه في الطعام، وهنا كادت أن تحدث كارثة!»
شهق الجميع مع علمهم المسبق بنجاح العملية.

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-01-2021, 06:03 AM   #3
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


وفور أن أنهى كلامه، بدأ يعقوب بإنهاء الكابينت من خلال عدة قرارات كتبها: «ممّا سبق أستطيع أن أقسّم الفترة القادمة إلى مرحلتين: مرحلة الاستعداد لهرمجدون، والأخرى الملحمة الكبرى. نحن نضع هاتيْن المرحلتيْن لنا أن أدركنا أحدهما أو كلاهما وكذلك للأنظمة التي ستلينا فيما بعد. ولعلّ متطلبات المرحلتين تجتمعان في بعض الحالات وتفترقان في حالات أخرى، لكنّ المؤكد أنّهما يتّحدان للوصول إلى الغاية المنشودة. سنضع الآن بروتوكولات مجلس الكابينت، الآن، على أساس أنّ مرحلة التنفيذ ستبدأ مِن الآن، الآن، نعمل اليوم وغدًا حتى الرمق الأخير مِن أنفاسنا ونسلّم الراية لمن بعدنا.
المرحلة الأولى:
- العمل على تعميق استدانة الدول أكثر وأكثر حتى تستطيع آل روتشيلد التحكم في هذه الدول وتحديد مصائرها.
- حان الآن لترك المواقف الناعمة، عليكم الآن بتنفيذ عمليات الاغتيال والتصفيّة لكلِّ مَن يعارض المخطط اليهوديّ، بلا رحمة.
- العمل على تخزين أكبر حجم مِن الأسلحة النوويّة في أنفاق تحت الأرض حتى لا يصل إليها أحد ولو إبليس.
- العمل على تعميق دور المنظمة الماسونيّة أكثر وأكثر ثمّ دسّها بين الشعوب العربيّة بعد أن تتزىّ بالسمت السنّي أو الشيعي، وذاك مِن أجل تعميق الخلافات بينهم حتى يقتتلوا، وكذلك من أجل طمس وتشويه أديانهم وثقافاتهم.
- عليكم بإعداد رجلنا جورج رامسفيلد لاعتلاء الرئاسة الأمريكيّة خلفًا للرئيس الحالي.
- أريد فضْح الأنظمة العربيّة الحاكمة وإعلان حالة الديمقراطيّة التي يعيشها الغرب، أريد انفجار الشعوب ضد الظلم، أريد خروجهم في مسيرات بالشوارع واعتصامات في الميادين، أريد حروبًا أهليّة، أريد انقسامات في الجيوش العربيّة، لا تدعوا الأنظمة العربيّة الحاكمة تسيطر على شعوبها بالديكتاتوريّة، حاربوا الحكم الملكيّ عندهم.
- إثارة النزعات المذهبيّة والعرقيّة والدينيّة بين العرب، أريد حربًا شعواء بين السنة والشيعة، أريد أن نجدّد حروب الخليج مرّة أخرى، لتكن الحرب الخليجية الأولى والثانية والثالثة والرابعة ..والعاشرة، ونعمل على دفع الحركات الانفصاليّة بين الشمال والجنوب في كلّ الدول العربيّة.
- العمل على توفير أسباب الصراعات العربيّة والعالميّة وتزكيتها لتتأجج أكثر وأكثر، حوّلوا التنافس الخشن لدول المياه بداية من منابعها ثمّ تغذيتها لهذه الدول حتى نهايتها وهي المصبات، لابدّ أن تتقاتل منطقة الشرق الأوسط على شربة الماء، فعليكم في هذا المضمار بمصر وتركيا والعراق وسوريا ولبنان والخليج والأردن، أريد أن يشربوا دماءهم بديلاً عن مياههم.
- أريد التشكيك في الحدود المرسومة بين الدول العربية، أريد عند هذه الحدود تسيل دماؤهم على ثراها.
- علينا بانتشار أسلحة الدمار الشامل بين الدول؛ حتى إذا قامت الحرب أنهكوا وأفنوا بعضهم بعضًا، علينا بتصفية لجنة التفتيش للطاقة الذريّة والتشكيك في أمانتها، والتوقف عن الهجمات الإلكترونيّة التي كنّا نخرّب بها البرامج النوويّة. عليكم بانتشار السلاح، رجحوا كفّة أمريكا أولاً ثمّ اقتلوها بعد ذلك.
- تهويد فلسطين، لا أريد ولو طفل رضيع مِن الفلسطينيين، وذاك من أجل السيطرة على الموقف وبناء الهيكل أثناء أو بعد هرمجدون ..وتُسأل في ذلك الهيئات والحركات المسئولة عن ذلك.
المرحلة الثانية...
- العمل على احتلال سوريا بأيّ ثمن؛ لأنّها أرض الملحمة الكبرى، والعمل على الخلاص مِن كلِّ خصوم أمريكا فيها، فهي الجسر أو المعبر إلى ضرْب روسيا ثُم الصين.
- العمل على تمكين المسيحيّة الصهيونيّة أن تخترق دوائر صنْع القرار في أمريكا، بل وتسيطر عليها وتتحكم في كثيرٍ مِن مقاعد مجلس الشيوخ والنواب وحكّام الولايات وموظفي المخابرات فيما يطلق عليه(المحافظون الجدد) أو الذين ولدوا مِن جديد بالمسيح والإنجيل.
- بعد الانتهاء مِن هرمجدون وفوز الولايات المتحدة الأمريكيّة في الحرب النوويّة بمعاونتنا، علينا بالسعي إلى قيام حرب أهليّة في أمريكا بإثارة العمال على الرأسماليين والبروتستانت على الكاثوليك والزنوج على البيض، كما يجب أن نسعى إلى تأجيج نزاعات بين أصحاب مذهب العصمة ومذهب النشوء والارتقاء، فلابدَّ من بلشفة القضايا كلّها. كذلك لابدَّ مِن توريطها خارجيًا في مجموعة حروب متتالية في أنحاء العالم، في الوطن العربي، في آسيا، في كلِّ العالم حتى تضعف فيسهل علينا الانقضاض عليهم وإزالتهم.
- العمل على نقض معاهدة المياه المبرمة بين أمريكا وكندا حول إدارة المياه الحدوديّة التي تضمّ البحيرات العظمى ونهر سانت لورانس، كذلك العمل على إثارة الفتنة بين الهند وباكستان حتى يتم نقْض اتفاقية أندوس للمياه التي كانت مبرمة في عام 1960 بوساطة البنك الدوليّ.
- بعد التمكين إن شاء الله، العمل في السرّ والعلن على طمْس الأديان كلّها بما فيهم المسيحيّة ومحوها مِن الوجود ولا حكم في العالم إلّا للتوراة.لا حكم إلّا لإسرائيل، لا أسياد إلّا إسرائيل.» أنهى قراراته ثم صمت هنيهات ليأخذ نفسًا عميقًا ثم قال: «وبذا انتهتْ قرارات الكابينت وعلى اجتماع بودابست أن يعمل على تفعيلها أيضاً، موافقون؟»
قال الجميع موافقون.
وضعوا أيديهم فوق بعض حتى وضع رئيس الوزراء يده تلتها مباشرة يد الحاخام وأقسموا باسم الربِّ ليضحّون بالغالي والنفيس في سبيل تحقيق مجد إسرائيل.
***
أدّى يعقوب طقوس صلاته كما هو متعود، لكنّها هذه المرّة أداها صلاة شكر، وانزوى في المعبد ليشكر الله على نجاع اجتماع الكابينت. ولمّا همّ بترْك المعبد؛ ناداه حبره الذي يلقنه الصلاة منذ أربعين عامًا ولم ينقطع عن تلقينه مطلقًا.
قال غاضبًا: «يعقوب يا ولد، تعال.»
فاندهش يعقوب لتذمّره وغضبه، استدار ملبيًا: «لبيك وسعديك أبتِ.»
ثمّ هرول إليه وانكب على يده وقبلها.
سحب يده تقززًا ثم قال: «ما هذا الذي سمعته بشأن اجتماعك السبت الفائت؟ أذئبٌ أنت؟!»
رد مندهشًا: «لم أكن ذئبًا، بل خادم دولة إسرائيل.»
قال بصوت عالٍ وهو يزمجر: «بالدم! بالحرب! بالثأر والانتقام! أمْ بغدر دولة تساعدنا كأمريكا؟!»
- «ليست هناك وسيلة أخرى غير ذلك.»
قال بصوتٍ هادئ: «يعقوب، أنا لا أخالفك أنّنا أبناء الله وأحبائه وأسياد العالم، لكنّ الربّ يحبّ السلام، ويحبّه أيضًا من أحبائه.»
- «سيدي، وهل العالم سيقتنع أنّنا أسيادهم وهم عبيد؟»
- «يقتنع أو لا يقتنع فهذا شأنهم.»
- «معذرة سيدي، التاريخ أثبت العكس سيدي، حاولوا أكثر مِن مّرة استئصال الجنس اليهوديِّ كلّه مِن على الأرض بسبب عدم قناعتهم بهذا المعتقد حاخامنا المعظم.»
- «ما حاولوا ذلك إلّا لأنّنا ضللنا، يفكرون بطريقتك الآن، كنّا دائمًا نحاول أن نأخذ حقنا بالثأر ولذلك قتلنا، علينا باستخدام التسامح الذي أنادي به دائمًا.»
- «معذرة سيدي، التسامح لا يصلح مع اللئام؛ مما سوف يتسبب في هزيمتنا.»
- «يعقوب، بل الثأر والحرب هما اللذان سيمحواننا مِن على الأرض.»
- «معذرة سيدي، أنا مقتنع بما أفعل.»
صرخ غاضبًا: «يعقوب، يعقوب، احذرْ، ارجعْ، أبذر الرحمة والحبَّ والتسامح، يعقوب، إسرائيل في عنقك لا تضيعها.»
- «معذرة سيدي، الجنس غير اليهوديِّ متمرد ومتكبّر ومصّاص للدماء، كلهم لئام، فإن فعلت بحسب طريقتك سيركبونا كالبغال.»
قال ولا يزال يصرخ مع ظهور الغيظ على ملامح وجهه: «طول ما أنا حي لا تدخل هذا المعبد، اخرجْ مطرودًا كإبليس؛ عليكَ اللعنة.»
خرج يعقوب من المعبد عازمًا على ألَا يعود حتى يحقق هدفه ويثبت صحة رأيه.

***



حكمة: صريف أقلام التوراة تُدمي قلْب العروبة...
جلس فهمان وجاك لتناول العشاء وهما يشاهدان التلفاز، قال فهمان لجاك: «أتمنى بناء مصادم جديد غير هذا الذي في سيرن fcc-1 -هو مصادم متوقع انشائه خلفاً لمصادم hlc-»
فقال جاك: «وأنا أريد أن ابتكر مركبة تستطيع السفر إلى النجوم.»
وتبادلا النكات واللطائف حول حياة الصبا والشباب؛ وبالأخصّ عاميّ الجامعة التي مرّتْ، ورغم الذكرى الأليمة التي حدثت لفهمان إثر بلاغ اليهوديّ فيه إلَا أنّ جاك ذكرها وحولها إلى نكتة، حيث ذكر جاك نظارة جوجل للواقع الافتراضيّ ومنظر اليهوديّ وهو يسحب البلاغ.
ولا يزال فهمان يقهقه على شكل اليهوديّ أمام وكيل النيابة، وما زال يستخفّه السرور المرتسم في لمعان عينيْه وابتسامة شفتيْه، حتى وقع نظره على قناة تتكلّم عن الشأن العربي والمصريّ خاصة. فألقى بسمعه وبصره لسماع الأخبار. ولقد ساقته هذه الأخبار إلى تذكر اجتماع الكابينت الذي عقد منذ سنة تقريبًا. فأراد أن يعبّر فهمانُ لجاك عن قلقه إزاء هذا الاجتماع رغبة في كشف النقاب عنه.
قال جاك: «اعتقد يا فهمان أنّ لهذا الاجتماع أهمّية خاصة بسبب حضور الحاخام الأكبر.أظن أن العالم يطرق أبواب حرب نووية.»
وبينما يشاهد فهمان الأخبار وجاك لا يزال يتكلم عن أضرار اجتماع الكابينت؛ فإذا به يجد ظنون جاك تحوّلتْ إلى حقيقة، حيث تعلن القناة الإخباريّة ما توقعه الساسة منذ عام عن الشأن العربيّ، حيث توقّعوا انفجار المنطقة العربيّة بالثورات إثر الاجتماع السالف الذكر.
يقول الإعلامي على لسان بعض الساسة: «إنّ انفجار المنطقة مقترن بتثبيت أقدام الإسرائيليين على أرض فلسطين، فإذا سيطروا على كافة الأمور عليها كانتْ نذير فوضى في المنطقة العربية بأسرها.»
فهاله ذلك، وقدْ ذهبتْ البسمة التي كانتْ تسكن شفتيْه واحتلها الحزن، وقد ارتسم على ملامح وجهه العبس. فحزن جاك لحزن صاحبه، فدفعه لمتابعة الأخبار.
أضاف الإعلامي: «وقد أكدوا أيضًا أنّ اجتماع الكابينت ما هو إلّا مخطط محكم لقيام حرب نوويّة، وها هي توقعات الساسة تصبح حقائق تلقي بظلالها على أرض العروبة. ثورات عربيّة في كلِّ مكان، يظهر هذا جليّاً مِن خلال مشاهد مأساويّة تخطها شعوبهم بثورات عارمة تجتاح الشوارع والميادين. شعارات ثوريّة طوباويّة طموحة، إصرار وعزيمة على تغيير الأنظمة ومحاسبة المسئولين عن الفساد الذي استشرى في كلِّ بلد منها. الشعب يريد إسقاط النظام، يسقط يسقط حكم العسكر، ديمقراطيّة، حريّة، عدل ، مساواة ، فضلاً عن العبارات الشعبيّة السجعيّة والقصائد كذلك. يسيرون في الشوارع والميادين حاملين بين أيديهم جالونات ماء فارغة إشارة إلى العطش الذي عمّ معظم البلاد العربية.»
عاين فهمان هذه المشاهد عبر التلفاز، ثُمّ تذكر صفحة سوداء من تاريخ الأمّة العربية وبالتحديد ثورات الربيع العربي ، تلك الثورات التي أفقرتْ المنطقة وأرجعتهم لعشرات السنين إلى الوراء. ومِن هول ما وجد في هذه الصفحات السوداء مِن التاريخ خشي على مصر، فارتعد، ومن فوره همس متوجعًا: «مصر، مصر.»
وبيد مرتعشة أمسك روبوت التلفاز، وركّز على القنوات المصريّة ليعاين سير الأحداث؛ فلم يجد إلّا مباريات كرة قدم وأفلام ومسرحيات وأغاني وطنيّة وأفلام تسجيليّة عن حرب أكتوبر 1973. تركَ قنوات النظام وذهبَ إلى قنوات المعارضة والقنوات الأجنبيّة فوجد المشهد على حقيقته، ثورات عارمة في كلّ الشوارع والميادين والتحامات دمويّة بين النظام والشعب. ورصاص مطاط وقنابل مسيلة للدموع واختراقات الأجهزة الأمنيّة ومهاجمة السجون وتحرير محبوسيها و .. الخ .»
فقطّب غاضبًا وقال متمتمًا: «لو لم يحتوِ الجيش الأمر فستنهار البلد.»
فقال جاك مطأطأ الرأس: «صدقت، صدقت يا فهمان.»

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-14-2021, 03:11 AM   #4
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


وظلا يتابعان أحداث المظاهرات على القنوات الأجنبيّة وبعض القنوات العربيّة.
قالت القناة: «وفي الشأن المصريّ، خرجتْ جموع الشعب المصريّ من مختلف المحافظات حاملين جالونات مياه فارغة، أما القاهرة فقد تمركزوا في الميادين الرئيسة وخاصة ميداني التحرير ورابعة؛ فضلاً عن وقفات احتجاجية أمام الوزارات ولاسيما وزارة الدفاع.»
أخبار هذه المظاهرات تأتي أولاً بأول إلى وزير الدفاع -مهديّ- والمجلس العسكريّ. ومهدي لا يؤمن بهذه الثورات، وظل في حالة غليان محدثًا نفسه: «لن أهدأ حتى تنتهي هذه الثورات بأمان.» بينما المجلس العسكري كثيرًا ما يخاطب بعضهم بعضا قائلين عبارة: «ها قد فعلناها، لقد نجحنا.»
بدأ الإعلام المصريّ يهتزُّ ويتذبذبُ في مناصرته للنظام بسبب تلك الجموع الغفيرة التي قد تتسبّب في عزْل الرئيس الحالي والمجيء برئيس يعمل على محاسبتهم، فآثروا الصمت.
أمّا يعقوب إسحاق فيتابع المشهد من خلال التواصل مع أعضاء الموساد من قلب المظاهرات قبل أن تُبث إخباريًا.
أدار فهمان إلى قناة أخرى تُبثّ من دولٍ تعارض النظام.
قال الإعلاميّون منها: «خرج المتظاهرون بعد نفاد الماء كلية من الدولة فضلاً عن قلة الزاد، يعلنون بسلمية تامة رغبتهم في تغيير النظام الفاسد، فواجههم النظام بالأسلحة الجرثومية والكيميائية حفاظًا على مؤسسات الدولة من الانهيار.»
علقّ جاك على الأحداث بأنّ رؤوس الحركات الثوريّة هذه من أعضاء الموساد الإسرائيلي. ومما قال أيضًا: «إنَّ أعضاء الموساد ظهروا بلحىً طويلة ونظموا أنفسهم فاندسّوا بين المتظاهرين لتشعل الموقف؛ فكانوا أعلامًا ورايات سارت خلفهما جموع الشعب المصريّ.»
وما زال الإعلاميّون يتكلمون، والبثّ مستمر لا ينقطع أبدًا.
حوّل فهمان القناة بيد مرتعشة فسمع لإعلاميّ إحدى القنوات التي تمالئ النظام الحاكم في مصر: «ولقد كان المتظاهرون يحملون جوالين تمتلئ بذخائر حية، وقد كان بعضهم يحمل أسلحة محرّمة دوليًا تمّ تهريبها عبر أنفاق سيناء، وقد قام الإرهابيون بحرق عربات الأمن، ولقد فشلوا في نسف مؤسسات الحكومة بالقنابل الذرية.»
ولقد كان مؤيد يتابع الأخبار من نفق الوادي الجديد فسمع هذا الكلام فانفجر ضاحكًا، حتى أنهكت قهقهاتُه أحباله الصوتية فسعل سعلات أدمعت عينيه، بينما عبد الشهيد قال هازئًا: «أحمد الله، أنّا بريء.»
ومن تل أبيب، نجد إسحاق يعقوب قد تملكته هيستريا من الضحك المتواصل.
قلّب فهمان القنوات بجنون بحثّاً عن خبر عن المجلس العسكريّ فسمع لجماعة من أفراد الشعب تقول: «كنّا نرابط من بعيد بجانب صناديق القمامة الفارغة انتظارًا للطعام الذي يأتينا من داخل الوحدات والكتائب في الجيش، وأحيانًا كانت تصلنا رسائل من الذين يأتوننا بالطعام، يقولون فيها بأن مهديّ يسلم علينا ويدعوننا بالتحلي بالصبر حتى تخرج مصر من أزمتها.»
سمعها فهمان فشعر بوجود أمل، وسمعها مهديّ فأجهش بالبكاء.
قال جاك معلقًا: «وهذه هي الحقيقة يا فهمان، لقد تراءى للغالبية مِن أعضاء المجلس العسكريّ الخروج على هذا الحاكم الدمية الخائن، وأنّ هذا في مصلحة البلد، بينما الموساد ينظر إلى الثورة المصريّة مِن زاوية أخرى، فزاويته هي رؤية الثورة بأنها فوضى ستؤدّيّ إلى حروب داخليّة وانقسامات داخل الجيش.» سكت هنيهة وأخذ نفسًا عميقًا ثم قال بفطنة: «وهكذا اتفق الاثنان على حتمية الثورة، لأن فيها إصلاحًا لكليهما.»
ومن داخل مبنى المجلس العسكري نظر مهدي إليهم بحنق وقال: «أنا أعلم جيدًا أنّكم تخططون للخروج عليه منذ عامين ولقد نهيتكم.»
قال أحدهم: «نعلم يا مهديّ أنّك تعرف، ولذلك اخترناك من بيننا لتأخذ بيد مصر وتخلصها مِن ذلك الخائن الغادر، ونجلّكَ ونقدّركَ بسبب زهدك في الحكم، وحبك وخوفك على مصر.»
ردّ مهديّ بصوت فيه حيرة: «وماذا علىّ أن أفعلَ الآن؟»
ثمّ قال بصوت مرتفع فيه سخرية: «أضربُ في الشعب بالسلاح النوويّ أمْ أجعله يعرّي الجيش ويطأ بأقدامه الزيَّ العسكري فيدنّس شرفنا؟»
فقالوا له قول الواثق المدرك: «اعقلَها يا سيادة الوزير، اعقلها يا مهديّ. أقولًُ لك ماذا يجب علينا فعله، نعزل الرئيس ونحاكمه ونعينك رئيسًا للجمهوريّة في انتخابات لاحقة.»
فردّ زاهدًا: «ومَن قال إنّي أريد رئاسة الجمهوريّة؟ أعلم أنّ كل الجيش يحبني، ومع ذلك لا أريد أن أنقلب على الرئيس، كما أني لا أحبّ الثورات. وأرى حتمية مجابهة الثورة بالحلم والرويّة.»
بينما هم على هذا المراء والجدال نظروا إلى شاشة التلفاز التي تبثُّ المظاهرات، فشاهدوا المتظاهرين ينادون بعزل الرئيس ومحاكمة رؤوس النظام الفاسد، كما نادى بعضهم بتبني مبدأ الاشتراكية وتفشيه فيما بينهم حتى تقلل من الفجوات الطبقية بين شرائح المجتمع المختلفة.»
نظر إليهم ولوّح بيده وقال لهم: «هذه الشعارات من تخطيط المنظمة الماسونيّة، ها هي تفعل الأفاعيل بنا، شيوعيّة واشتراكيّة وديمقراطيّة وما خفي كان أعظم.» ثمّ رفع سبابته قبالة وجوههم معاتبًا: «أنتم الذين أعطيتموهم الفرصة للتوغل والاندساس في صفوف المتظاهرين ليطالبوا بهذه المذاهب المدمّرة للمجتمعات العربية.»
ومن تل أبيب، قال كذلك يعقوب إسحاق كلمته تعليقًا على المشهد بتزامن غير مقصود مع كلمة مهديّ لأنّ هذا لا يرى ذاك والعكس: «ها قد نجحنا. » ورفع يديه إلى أعلى وأخذ يكرّر: «حققنا هدفًا في مرماهم، دخّلنا هدف.» ثمّ هاتف رئيس مخابراته قائلاً له: «أرسل المزيد من أفراد المنظمة.»
نظر مهديّ وكلمهم مستطردًا: «للأسف لم تتيحوا لي حلاً آخر، لابدّ من إنهاء الأزمة التي رسمتم ملامحها أيّها الأغبياء، فهذه المطالب الغريبة وهذه الدماء الفائرة ليس لها علاج إلّا عزله.»
قالوا بصوت واحد: «توكّلْ على الله.»
لوى مهديّ عنقه وكرّر كلمتهم بميوعة، فغرضه الاستهزاء بفعلهم: «توكّل على الله، توكّل على الله، إذن استعدوا لانقلاب قد يذهب بدماء آلاف الأبرياء إن لمْ ينجح، واعلموا لو دخلت القوات الأمريكيّة البلد فكلنا سنذهب وراء الشمس.»
نظر بعضهم إلى بعضٍ مبتسمي الثغور، ثمّ هبّوا بكلمة واحدة تنمُّ على توحيد القلوب والصفوف: «توكّل على الله.»
لم يهنأ فهمان بعيش مطلقًا بعد هذا الذي يحدث في مصر، فراشه لظىً، ونهاره كبد. يرى جاك حالته تلك ولم يألو جهدًا في مواساته، فكثيرًا ما يقول له بأنّ المجلس العسكريّ سيحتوي الموقف.» لكن حاله لم يتغير فقد سطت الكارثة على مداركه فشلت كلّ شيء فيه.
ولأول مرة يفتقده جاك، افتقده كثيرًا حتى اعترته العصبية في صحوه ونهاره لدرجة الجنون.
حتى إنه ذات يوم خرج وحده إلى الجامعة بعد أن فشل في إقناع فهمان بحضور هذه المحاضرة الهامة، فلمّا وصل جلس في مقعده، ونظر إلى مقعد فهمان الفارغ فاغتمّ وبكى، فجأة، جاء أحد الطلّاب وجلس في هذا المقعد، فنظر إليه جاك وقال له: «قمْ من هنا أيها الفتى المتسلّط.» فردّ عليه: «أنا لم أكن ساطٍ أيها الفتى المتعرّب.»
فقام جاك ورفعه بيدٍ واحدة وألقاه من نافذة القاعة، ثمّ ترك المكان يضرب بكلتا يديه وقدميه كلّ ما في طريقه.

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-22-2021, 01:09 AM   #5
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

الصورة الرمزية إبراهيم امين مؤمن

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 1529

إبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


بطل استثنائي
تناول بيتر صحيفة علمية حديثة الإصدار تتكلم عن مصادم fcc-1 بسيرن ليتابع أخبار ابن فطين. وأثناء تناوله لمعطيّات الأخبار قام بعمليات بحث بسيطة على الحاسوب ليعلم حجم الإنجازات العلميّة التي وصل إليها الفتى، فوجد -الانجازات- قد بلغتْ عنان السماء، وهي الآن على أبوابها تريد أن تطرق وتخترق كلّ الحُجب والأستار. فأعجب بذلك كثيرًا، ودفعه ذلك الإعجاب إلى مهاتفة مؤيد: «اذهبْ إليه يا ولدي كما قلت لك سابقًا.»
- «هذا ما نويت عليه بالفعل.»
- «رحم الله فطين، قد كان على حق، وهذا يؤكد أنه ذو فراسة منقطعة النظير.»
وفور أن أنهى مكالمته أرسل إلى عبد الشهيد -إنّه حافّ الشارب كثيف اللحية يلبس جِلبابًا قصيرًا يتعدّى ركبتيه أو كاد، وسروالاً يبلغ نصف ساقيه، يعتمُّ بعمامة بيضاء- ليصطحبه إلى مكان كان كثيرًا ما يجلس فيه وحده، وقال له: «يا عبد الشهيد، اِدفنّي هنا.»
- «أطال الله عمرك يا جدّي.»
ثمّ توكأ عليه قاصدًا حجرته ثمّ قال له: «يا عبد الشهيد، دعني اختلي بربّي ساعة أؤدّي فيها صلاتي، ولا تدع أحدًا يدخل عليّ.»
وفي خلوته قرر أن يترك لهذا العالم رسالة عامة؛ تحمل في مضامينها دعوة إلى السلام منوهًا إلى بشاعة الاحتلال الإسرائيلي واضطلاعه الصارخ في تأجيج الصراعات العالمية لاحقًا، فضلاً عن دور الدين في تأسيس هذا الصراع.
ومن أجل ذلك، رجع بذاكرته إلى الماضي، وبالتحديد لحظة هروبه مِن فندق هيلتون طابا حتى اللحظة الراهن -لحظة الموت- فأمسك بورقة وقلم ليضع رسالته - رسالة قصة أعظم خبير فيزياء طبية عرفه التاريخ-: «خرجتُ مِن الفندق خائفًا حزينًا، فقد هالني منظر صديق عمري وهو يموت تحت تأثير السمّ -وأعلمُ أنّ فرصة نجاته مستحيلة؛ لسمية البوتولينوم الشديدة - وخشيت أن يتبعني القتلة، فركبتُ سيارتي أعدو بها إلى حيث لا أدري، المهم أن أضمن ألّا يقتفي أثري أحد، فوصلت إلى إحدى الصحاري الفسيحة، عندئذ، اقتعدتُ الأرض، وتناولتُ حفنة مِن ثرى مصر وشممتها؛ فانتفض جسدي وارتعش، واغرورقتْ عيناي بالدموع على صديق عمري الذي اُغتيل بسبب هذا التراب الذي بيدي. ثمّ تأملته قائلاً: «التراب هذا في كلّ بلد، لكنه تراب من انتمى إليه، والشرفاء ينتمون إلى الأوطان الطيبة، وأنا أعشق تراب فلسطين. أعشق تراب فلسطين التي وما زالتْ بين أنياب منظمة صهيونيّة عالميّة. علىّ أن أصل إلى التراب الذي أحبّه، التحفه غطاءً وافترشه مرقدًا، وأناصره نصرًا مؤزرًا.
فوثبتني عزيمتي؛ فانتصبت قائمًا وعلى الفور هاتفتُ مؤيدًا الذي أعرف حبه لفلسطين جيدًا، ولا يجهل حبي لها -فلسطين- كذلك.
طلبتُ منه أن يأتيني. فآتاني مِن الوادي الجديد، واصطحبني مباشرة إلى منزله الكائن فيه. كلّمته على كلِّ ما يجيش بصدري وأخبرته بحادثة الفندق، وما كنت أنتوي فعله منذ أن جئتُ مع العالم المصريّ -ألا وهو مناصرة القضية الفلسطينيّة- وبالفعل قادني إلى هنا -نفق اتحاد المقاومة بالوادي الجديد- وكانت مهمتي القيام بعمليات زرع الوجوه لأفراد اتحاد المقاومة ليستطيعوا التخفّي والاندساس بين أفراد المخابرات الإسرائيليّة، وأقوم كذلك بإجراء عمليات لغير أفراد اتحاد المقاومة ليدفعوا لنا ما نستعين به على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. ولقد قمتُ بالعديد من العمليات وأفدتُ المقاومة بمليارات مِن الدولارات. وإنّى أعلم أنّ السي آي أي والموساد يجدّون في البحث عنّي، وسيعرفون لاحقًا أنّ بيتر لم يكن ناكرًا لمعروف بلده، بل أراد أن يسدي لها معروفًا بمناصرة القضية الفلسطينية بعد أن ارتكبت بلده -أمريكا- كبائر الذنوب بخذلانها.
ودومًا أسأل نفسي: «طول عمرك يا بيتر وأنت تبحث عن كينونة الإله ولم تهتدِ لشيء، طول عمرك تبحث عن الدين الذي تودّ اعتناقه ولم تهتدِ لشيء، الشيء الوحيد الذي اهتديت إليه أن تكون إنسانًا موحدًا يا بيتر، وأن تناصر الإنسان، ولكن أين التوحيد؟ في القرآن، أم الإنجيل، أم التوراة. أين المفرّ .. المفرّ .»
وألقيتُ الورقة والقلمَ، وحملت القرآن والإنجيل بقوة، وقلتُ الآن أبحث عن الإله فيهما، وقرأتهما، فوجدتُ الإله في كليهما، وحرتُ ولم أستطع الاختيار، فكتبت ورقة ووضعتها بين الكتابين المقدسين حتى يقرأها مؤيد ويرسلها إلى كل أديان الأرض، ثمّ ألقيتهما جانبًا وألصقت جبهتي بالأرض لأطلق آخر أنفاسي في هذه الحياة. والآن، تهدأ العيون وتنام يا بيتر، ويطيب المنزل إن شاء الله، اليوم ألقى ربّي بوضع خدي على ثرى وطأته أقدام رجال اتحاد المقاومة الفلسطينية ولي الشرف . إمضاء بيتر، رسولٌ للسلام.»
وأطلق أنفاسه الأخيرة وهو يعطر أنفه بثرى النفق. افتقده عبد الشهيد فهرول إلى خلوته فوجده قد مات، فانهمر دمع عينيه ثم ما لبث أن هاتف مؤيدًا ليخبره أنّ بيروفيسور بيتر انتقل إلى رحمة الله تعالى وقد أدّى صلواته قبل أن يموت.
وفور وصول مؤيد لتوديع الجثمان -قبل وضعه في غرفة التبريد العميق كما هو معتاد لمُتوفي أفراد الاتحاد- سأل عبد الشهيد: «أيّ صلاة أدّاها؟»
فأجاب: «لا أدري، كلّ ما قال لي: «يا عبد الشهيد دعني اختلي بربي ساعة أؤدّي فيها صلاتي ولا يدخل علىّ أحد.»، فسألته: كم ركعة ستصلي؟» وطأطأ رأسه وهو يلوح بيده اليمنى وقال: «سألته يا دكتور لأعرف أيصلي صلاتنا أم صلاة النصارى؟
فقال لي: «ألم يكن ربّ القرءان هو ربّ الإنجيل هو ربّ التوراة يا عبد الشهيد؟».»
- «وأين هو؟»
- «في الداخل.»
دلف مؤيد الباب ودخل، فوجد على صدره كتابيْن أحدهما داخل حافظة قاتمة والآخر عارٍ، أزاحهما ثمّ احتضنه وصرخ باكيًا بصوت متهدج متململ يصاحبه خنين: «والله لرائحتك وأنت ميتًا أزكى عندما كنتَ حيًا! ولم لا وقد عشتَ للحقّ،ِ ومتّ على الحقّ، وكنت مثالاً للعالِم الذي وظف علمه لمناصرة الحق، مناصرة الإنسانية التي تتبلور في أوج صورها عند مناصرة القضية الفلسطينية.»
وظلّ بجانبه فترة يمعن النظر في ملامحه الملائكية التي ودّعتْ الحياة، ثمّ رفع الكتاب العاري فوجده الإنجيل، وتلاه رفع الكتابِ الثاني وفتح السوستة القاتمة ليراه، توسّع بؤبؤا عينيْه وانكفأ بنصف جسده إلى الأمام وحدّق فيه، ثمّ فتحه؛ فوجده هو هو ما كان على حاشية الكتاب "القرءان الكريم" وكان هناك خيط رقيق في أوّل سورة المائدة. فوقع في نفسه أنّه كان يبحث عن الحقيقة.
فهمس له قائلاً: «أعتقد أنك وجدت الحقيقة، ولم لا وقد وجدتها من قبل في شأننا (يقصد مناصرة دولة فلسطين)، ولم ألحظك طول فترة بقائك لدينا أنّك صليت، لا صلاة المسلمين ولا صلاة النصارى، ولكني متأكد أن أمسكت رأس الحقيقة، ولقد استعصى علينا معرفة ذلك عنك لأنها -الحقيقة- كانت بداخلك لم تجهر بها.»
انتهى من حديثه له، ثم جلس بجانبه ساعات ليمتع أنفه برائحته، وتلذ عينيه بالنظر إله. ثم أخذ يتدبر في شأن الدينين، ومؤيد لا يؤمن إلّا بالإسلام كما قال ربنا "إنّ الدين عند الله الإسلام " لذلك تمنّى أن يكون بيتر تُوفي عليه.
ظلّ مؤيد على هذه الحالة، والحارس بالخارج يتعجّب من طول مكوث مؤيد حتى إنّه ذهب إلى عبد الشهيد يخبره بالأمر.
فقال له عبد الشهيد: «دعه، لعلّ الاستئناس بالأموات خير مِن الاستئناس بالأحياء في هذا الزمان ولاسيما عندما يكون المتوفي مثل بروفيسور بيتر.» وصمت متدبرًا وعيناه تذرف الدمع الحار عليه ثم دعا له: «الله يرحمك يا بيتر ويدخلك فسيح جنّاته.»
ولمّا همّ بالخروج لحظ الخطاب الذي سرد فيه بيتر كلماته فقرأه، وفور أن انتهى قال: «هذه رسالتك المقدسة إلى هذا العالم يا أبتِ؟ أتظن أن حسنات مناصرتك لنا ستغفر سيئات دولتك؟ أبتِ، إن الله لا يصلح عمل المفسدين، فهل تستطيع أن تصلحه أنت، هيهات، هيهات.»
دخل عبد الشهيد فوجده مؤيدًا يتحسر ويبكي فقال: «كفى يا أبتِ، كفى، لكفى وهيا نواري سوءته (يقصد تحنيطه).»
ردّ مؤيد متحسرًا: «لن نحنط بعد اليوم، فأنت تعلم أننا نحنط لأن بيتر الوحيد الذي كان يستطيع أن يزرع الأعضاء.»
قال عبد الشهيد: «أظنك تستطيع أن تعطينا كما كان يعطينا، و...»
قاطعه: «كان بارعًا ولا نظير له، ولا يمكن لأحد أن يعطي عطاء بيتر، لقد كان بطلاً استثنائيًا، يا عبد الشهيد، أؤمر قومك أن يصلوا عليه صلاة المسلمين قبل دفنه.»



المستحيل
بعد عدة أيّام من وفاة بيتر استقلَّ الطبيبُ مؤيد الطائرةَ المتوجّهة إلى جنيف لمقابلة ابن فطين، ومقابلته قد تكون فيها خطورة عليه، وذاك لأنّ فطينَ قد جاءه وفْد مخابراتي من السي آي أي ليحقق معه في شأن بروفيسور بيتر، وبالتالي فهم يرصدون الوجوه الغريبة التي تقابل ابنه لعلّه يمثل خيطًا لهم ليصلوا إلى بيتر رغم مرور أكثر من أربع سنوات على وفاته.
ومن المعلوم بالضرورة أنّ فهمان نفسه مراقب، من الموساد والسي آي أي معًا. ظل مراقبًا مدخل منزله ترقبًا لعودته، وفور أن رآه فهمان انطلق إليه مهرولاً ملقيًا بنفسه في أحضان مؤيد. فهو من رائحة أبيه، فضلا عن أن أباه أوصاه به، ولم ينس فهمان أنّه مَن أرسل له المال ليستكمل دراسته الجامعيّة والعليا، لم ينس كذلك الخطاب الذي أخبره فيه بوفاة والده، ولاسيما عبارة التوصية التي وصاه بها أبوه من جعل مؤيد سندًا له.
وأخذ يبكي بحرقة على كتف مؤيد وهو يقول بصوت متهدّج: «لِم لَمْ تراسلني طول كلّ هذه المدة؟»
فأجابه: «لدواعٍ أمنية يا ولدي.»
أدخله فهمان، ولقد لاحظ بأن أحد يرقبه، ولكنه لم يكترث هذه الساعة.
قال مؤيد: «بصراحة يا ولدي أنا جئتك في مهمة رسميّة.»
- «وأنا رهن إشارتك أبتِ.»
- «هل من أحد يقيم هنا غيرك؟»
- «لا.»
أخرج مؤيدٌ جهاز كشف التنصّت، وعندما اطمئن من عدم وجود شيء
تمتم بصوت منخفض: «أنا من أفراد المقاومة الفلسطينيّة.»
هبّ دهشًا كأنّه كان نائمًا، وسقط أبوه في روعه ومدى علاقته بالقضية الفلسطينيّة، ولذلك زايلته الدهشةُ ودنت منه الفرحة وقال: «إنّه خبر سعيد، أرجو أن يكون أبي منهم أيضًا.»
قال مطأطأ رأسه: «أبوك كان منّا يا ولدي، فقد ساعدنا كثيرًا.»
- «الحمد لله.» وشرع يدندن بالحمد والتهليل مترحمًا على أبيه.
أمعن النظر إلى فهمان وذكره: «أتذكر يوم أن رفع تذكرة الدخول في سيركه؟»
سرح كثيرًا وتذكّر يوم ضرَبه والده بشأن تجربة الحركة بتأثير الدماغ واتهامه لأبيه بالنصب والكذب، ووجد الإجابة على سؤال مؤيد عندما تذكّر قول أبيه: «لمّا الناس تدفع ضرائب لأجل المحافظة على هويّتهم وأعراضهم يكون هذا عارًا؟ لما دولة عربيّة تدفع لأخرى مِن أجل دفع ضرر المعتدي عليها يكون هذا عارًا؟»
ثم أجاب على نفسه بعد هذه التذكِرة: «لا لا يا أبتِ.»
قال مؤيد: «رفْْْع التذكَرةِ كان من أجلنا، من أجل أن يرسل لنا مالاً نتحصّن به، ولولا أبوك لهلكنا تحت الأرض.»
عندها سمع من مؤيد ما تخيّله منذ هنيهة فتأثّر بشدّة، اغرورقتْ عيناه ثمّ قال بصوت متهدج: «يا حبيبي يا أبي، لقد كدت أظلمك وأنت بريء، كان يجب عليك أن تخبرني حتى لا أسيء الظنّ بك.»
- «رحمه الله، كان أعظم الرجال.» ساد الصمت لحظات، ثم قذفه مؤيد قائلا: «فهمان يا ولدي، الأنفاق محاصرة بأدق الوسائل التكنولوجيّة، نريد وصول الإمدادات من الخارج لأفراد اتحاد المقاومة، نحن نتهاوى يومًا بعد يوم.»
ردّ بصوتٍ متهدّج وهو يكفكفُ دموعه: «الله ينجيهم، وما بوسعي أن أفعله؟ اؤمرني، رقبتي فداكم.»
- «نريد إيجاد وسيلة للدخول إلى الأنفاق والخروج منها دون أن يرانا أحد.»
- «مستحيل، العلم لم يصل بعد لهذه التكنولوجيا، العلم لا يزال عاجزًا عن إيجاد تفسير لبعض الظواهر الفيزيائية، والتخفي من ضمن هذه الظواهر.»
قال مؤيد متوجعاً: «لا يوجد حل إذن.»
- «يا أبتِ، إنّ عليكم من البداية أن تتنفقوا أنفاقًا بها مياه جوفيّة غزيرة، وأن يكون معكم خبراء في الطبِّ والزراعة وصناعة الأسلحة و... إلخ» وظل فهمان يتكلم ولم يبلغ كلام فهمان مسمع مؤيد؛ فقد لطمته الكارثة.
لقد لحظ فهمان توهان مؤيد، فأراد أن يغير مجرى حديث لا فائدة منه رغم الألم الساري به، ولذلك سأله: «أكيد أنتم مَن زرعتم له الرأس؟»
- «الله يرحمه، بروفيسور بيتر هو من فعل ذلك.»
دهش فهمان، ومن فوره اعتدل متسائلا بجموح: «تقصد بروفيسور بيتر العالم المختفي، أكفأ عالم فيزياء طبيّة عرفه التاريخ.»
ترحّم على بيتر بصوتٍ غير مسموع ثمّ جهر بقوله: «لا أمل إذن، يأتي الله بالحلّ مِن عنده إن شاء.»
ترك مؤيدٌ فهمانَ ومضى مكسور الخاطر قاصدًا العودة إلى مصر.

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-28-2021, 09:33 AM   #6
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

الصورة الرمزية إبراهيم امين مؤمن

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 1529

إبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


صبيحة يوم مناقشة رسالة الماجستير لحظ فهمان -وهو في الشارع- وجود كثرة من رجال غرباء يتبعونه، فخشي أن يمنعونه من حضور رسالته بيد أنه تساءل من جديد: «لو أن هؤلاء يريدون أذيتي لآذوني منذ زمن، إني أظنهم من الموساد.»
ارتدّ خائفا قاصدا العودة إلى منزله -وهو منزل خاص به من منازل المصادم- وعندما دخل كان مصباحا حجرة نومه وردهة الشقة مضاءين، فلمّا أغلق الباب انطفأ مصباح حجرة النوم على الفور، فتأكد فهمان أنّهم يرقبونه من خارج المنزل وداخله أيضًا. فولى هاربًا متوجهًا إلى قاعة كلية العلوم.

رسالة ماجستير
اسم الطالب: «فهمان فطين المصريّ»
تخصص الرسالة: «الفيزياء النظريّة»
الموضوع: «إمكانيّة بناء مصادم fcc-2 لاكتمال النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات»
المشرف على الرسالة: «ثلاثة من أساتذة جامعة جنيف»
لجنة المناقشة: «لفيف من أساتذة كليّة العلوم بجنيف»
ومن الضروري معرفته أن اللجنة أجلت موعد المناقشة أكثر مِن مرّة بسبب الدور الخطير الذي قد تلعبه رسالته في الحرب المحتملة القادمة.
القاعة: «كليّة العلوم بجنيف»
تاريخ الجلسة: «في المستقبل»
تملأ الرهبةُ أعضاءَ فريق المناقشة بسبب خطورة ما قرؤوه في الرسالة، حيث وضع تصورًا لمصادم أسماه مصادم fcc-2، وإنه لتصور خطير؛ ويزيد من خطورته احتمالية حدوث حربًا نوويّة ولاسيما بعد نجاح الرئيس الأمريكي رامسفيلد -العميل الصهيوني- في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
أما الحاضرون، فقد كانوا شخصيات بارزة في العلوم الفيزيائية، ولم يكن ذلك فحسب؛ بل حضر أعلام ورموز سياسية لها ثقل رهيب في دولهم.
وكان من بين هذه الشخصيات العلية بروفيسور من الموساد، ولقد حضر خصيصًا ليحدّد مدى أهمية الرسالة المطروحة وخطورتها على الأمن الإسرائيليّ. ولقد حضر أيضًا رئيس جامعة بيركلي، ذاك الرئيس الذي كان يترقب هذا اللقاء على أحرّ من الجمر ليأخذ فهمان -إذا حصل على الماجستير - إلى أمريكا للوفاء بعهده الذي وعده إياه قبل الرحيل من كاليفورنيا (وعده فهمان مسبقًا ببناء المصادم على الأراضي الأمريكية).
أمّا مهديّ وميتشو كاجيتا فيتابعان اللقاء من خلال البثّ الهوائيّ للرسالة.
ولقد تحفز الناس أيما تحفز لحضور المناقشة لعلمهم السالف بمشاركته الفتى الأمريكي -جاك- في إطفاء حريق الجامعة.
ولكن هناك من حضر وتخفى تحت الأستار وهما فريقان: الأول الكيدون الإسرائيليّ، أما الآخر فهو الحرس الجمهوريّ المصريّ.
ولم يفت جاك أن يقف بجانب صديقه الأوحد في مثل هذه الظروف الحالكة، فجاك يتوجس شرًا من اللقاء لعلمه بخطورة محتوى الرسالة.

العرض التقديمي
جلس فهمان على طاولته وبجانبه حاسوب ذو شاشة عملاقة، يحتوي الحاسوب على صور للعديد من مكونات المصادم الهادروني المستقبلي fcc-1 الكائن الآن هنا في سيرن.
أخذ فهمان يشير بعصا في يده على تراكيب المصادم الحالي، ثمّ يوضّح طرق تطوير مكوناته ليصبح fcc-2.
وعندما قال: «هذا المصادم طاقته 400-500 تيرا إلكترون فولت.» صاح الحاضرون؛ فأوجس في نفسه خيفة؛ فتوقف عن الكلام. والصياح معزو في الأساس إلى حجم الطاقة الرهيبة التي قد تتسبب في فناء كوكب الأرض إذا ما ولدت ثقوبًا سوداء تشبع جوعها بالتهام ما حولها؛ مما يترتب عليه تضخمها. وبالتالي فلن تشبع حتى تلتهم كوكب الأرض كله، ثم تمتد بعد ذلك لتلتهم المجموعة الشمسية، ثم تظل على هذا المنوال حتى تلتهم الكون كله.
هذا التصور معروف لدى الفيزيائيين؛ بل لدى الطلبة المتخصصين في دراسة هذا المجال.
نادى جاك على فهمان وحفزه على التماسك كي يستطيع طرح وجهة نظره بثقة واقتدار.
فأكمل فهمان: «ليناك 4 الموجود حاليًا في fcc-1 -الذي يعتبر الحلقة الأولى في السلسلة التي تقوم بإرسال الجزيئات إلى داخل مُصادم الهادرونات الكبير وتسريعها من خلال ثلاث حلقات بداخله- لعب صبيان؛ لأنه سيعجز عن تسريع دفقات البروتونات الجديدة والتي تقدر ب 1000مليار بروتون، وأنّنا في حاجة لتطويره وخاصة الحلقات المتتالية الثلاث المسئولة عن زيادة سرعة الحزم تدريجيًا وضخّها داخل المصادم. لابدّ من تطويرها ليتناسب و fcc-2، لابد أن يطور ليصبح ليناك 64. ومغانط fcc-1 لم تكن أحس حالًا أيضًا، لأن ملاحتها سوف تعجز على توجيه الحزم وتسريعها داخل المصادم fcc-2 بسبب كثرة البروتونات الموجهة للارتطام، ولابد من تطويرها وزيادتها إلى 60000مغناطيس أفقيًا ورأسيًا، والعمل على زيادة درجة برودتها أكثر.»
وظل يتكلم على ما يربو عن خمس دقائق عن مكونات المصادم القديم وكيفية تطوره ليناسب الطاقة الجديدة.
وعندما قال: «لابدّ من بنائه لينقذ البشريّة من المستقبل القاتم، لابدّ من بنائه في.» تلعثم ثمّ صمْت يأسًا وهدته الحيرة والخوف فخرّ على كرسيّه مهدودًا.
تعجب أهل التخصص والساسة من قوله: «لابدّ من بنائه لينقذ البشريّة من المستقبل القاتم.»، وتساءلوا فيما بينهم عن مراد الفتى، كما أن تلعثمه يدل على أنه يضمر أمرًا فيه خطر على العالم على حساب دولته -يقصدون أمريكا- وطرحوا سؤالا هاما وهو: «هل يريد الفتى نصرة الجنس العربي على الأجنبي ببناء ذاك المصادم على أرض مصر.»
قام فهمان ليخرج نفسه من المأزق الذي وضع نفسه فيه قائلاً: «عامة فى صفحة 196-199 من الرسالة ستجدون كلَّ ما شرحته من تطوير للمصادم في جدول موازنات. هذا الجدول يبين إمكانيّة تطور fcc-1 إلى fcc-2 كما كان من قبل طُورlhc إلى fcc-1.»
ثمّ ألقى العصا وهو يقول: «بهذا المصادم الجديد المقترح في الرسالة سوف نكتشف غوامض الكون بسبب الأصدقاء الجُدد من الجسيمات التي من المتوقع تولّدها بفعل الطاقة الجديدة، مثل اكتمال النموذج القياسي، وخلْق ثقوب سوداء مجهريّة، والتي تمثل بوابات بُعديّة لأكوان أخرى.»
وفور ذكره ذلك هب الحاضرون وصاحوا به متهمين إياه بالخبل والجنون. عندها توجس مهدي شرًا فحفزه ذلك على مهاتفة الحرس قائلا: «استعدوا يا شباب، فيبدو أن الفتى لن يخرج من هذه المناقشة سليمًا.»
تسارعتْ كاميرات الصحفيين لتصوير المشهد الرهيب، أما الحاضرون والمشاهدون فرددوا قائلين: «لن تفتح لنا بوابة يا أبله، بل ستفتح لنا أفواه ثقوب سوداء.»
أمّا بروفيسور الموساد ففتح جواله وهاتف الكيدون بالخارج قائلاً: «تأهّبوا يا أبطال.»
وجاك يلملم كمي قميصه ويرفعهما إلى أعلى استعدادًا منه لخوض معركة حتى لا يذهب ضحيتها صديق عمره.
ورئيس لجنة المناقشة يدعو الحاضرين بالتزام الصمت حتى يؤدوا عملهم. ثمّ نظر إلى فهمان بتهكّم قائلاً: «أكملْ يا إسرافيل (يقصد فناء الكون من خلال الثقوب السوداء المتولدة من المصادم الذي ينوي بناءه).»
استطرد فهمان: «قد تكون الثقوب السوداء المتولّدة نتيجة استخدام هذه الطاقة من عمليات الارتطام حبلاً متينًا لربط الأبعاد المختلفة من خلال أنبوب الزمكان المشوّه.» صمت هنيهة ثم استأنف: «الأبعاد معكوفة ومطويّة ومختفيّة في قلب الثقوب.»

أغلق بروفيسور الكيدون هاتفه وهو يقول همسًا: «هل جُننت يا أحمق، تريد أن تأتينا بجنود من العالم الآخر لينضموا إلى العبيد من عالمنا هذا فيبطلوا مخططنا نحو قيام إسرائيل الكبرى؟ نحن ما زلنا نغرق في دمائنا من قسوة هذا العالم علينا.»
وظلّ فهمان يتكلم عن عشرات المعضلات الفيزيائية ويضع حلولاً لها من خلال مصادمه fcc-2، وختم حديثه بقوله: «وأريد أن أنوّه إلى...»
قاطعه رئيس اللجنة بسؤاله: «أين تودّ بناءه؟»
هب مهدي واقفًا، فقد أصابه الذعر من السؤال وعلق غيابيًا: «تبًا لك، ما شأنك أنتَ ببنائه يا أحمق؟ أم أنك مسلط من هؤلاء (يقصد إسرائيل بالعموم).»
أما بروفيسور الموساد فقد ظل مترقبا؛ تدور عينيه في رأسه يخشى أن يسقط صريعا لو ظهر انتماء الفتى لبلده وقرر بنائه فيه.
بينما بدأتْ الخواطر والذكريات تعصف بقلب فهمان، واسترجع كلامه في الماضي ومما تذكر قول أبيه له: «لا تعمل لديهم يا ولدي.» ثم تذكر وعده لرئيس ناسا ببنائه في أمريكا، فتصارعتا الرغبتان بداخله. وظل أمر أبيه يطرق أذنيه حتى تألم أيما ألم، بينما عيناه تكادان تكفا على إثر مناشدة رئيس الجامعة له من خلال إيماءاته ببنائه في أمريكا كما وعده.
فاستغاث فهمان من الرمضاء بنار الجحيم محاولا الإفلات من الإجابة عن السؤال؛ فأثار قضية هي أم كل الأخطار فقال: «لا تعنينا الأبعاد المتولدة من الثقوب السوداء وإنما تعنينا قنبلة الثقب الأسود.» لم يعبأ رئيس اللجنة بهذا القول وإنما أصر على سماع الإجابة على سؤاله قائلا: «قلت لك أين تودّ بنائه؟ لن تنال درجة الماجستير حتى تُعلم اللجنة أين تودّ بنائه حِفاظًا على الأمن العالميّ.»
في هذه اللحظات العصيبة ساد الصمت الرهيب الذي ملأ أركان القاعة





وما حواها، ولكن تبادل النظرات بين البعض منهم وتركيز نظر بعض آخر على وجوه بعينها كانت السمة البارزة التي اعترت الجميع.
لكن معظمهم يركز بصره على فهمان انتظارًا لما سوف يجيب به على رئيس اللجنة.
فجاك ينظر إلى صديقه بإشفاق شديد، وبروفيسور الموساد يتوعد في روعه فهمان بالويل إذا كانت رغبته بناءه في مصر، والرئيس مهدي يراسل حرسه مجددًا استعدادًا لخوض ملحمة قتالية صعبة؛ إذ إنه يتفرس في فهمان الخير كما يتفرس أيضًا تعرض الفتى لشر يحيق به من بعض الموجودين بالقاعة. أما ميتشو كاجيتا فكل ما يرجوه أن يُبنى ذاك المصادم على أرض يستطيع الخروج والدخول إليها للشروع في تنفيذ مخططه القذر (وهو محو أمريكا كما ستبين الأحداث اللاحقة) عن طريق بعض التجارب التي يتوقع منها صنع قنبلة الثقب الأسود التي جهر بها فهمان دون وعيٍ منه.
وهنا بدأ الصراع الداخليّ يعاوده مرّة أخرى وبقوّة جامحة، وشرع يفكر في أمريكا وجاك وما فعله رئيس الجامعة له من تزكية مكنته من تسطير رسالته الآن، ولقد لمح في عينيه التأنيب والتوجع عن فعله، بينما على الجانب الآخر نجد أبيه مطلٌ من بين السحاب بفمه العطر يقول: «لا، لا تعمل لديهم.»
حاول فهمان أن يستنهض عزيمته علها تساعده على تحريك لسانه الملتصق بسقف حلقه، ازدرد ريقه ثمّ تابع التمتمة حتى بلغتْ حدّ الهذيان، وفجأة أحسّ بألم مفاجئ في الظهر، وتنميل في أطراف الجسد، كما أمسك بطنه متألمًا، وضاق تنفّسه وتعرّق عرَقًا شديدًا. ولم يشعر بما يدور حوله.
وتأكد بروفيسور الموساد أن فهمان يدين بالولاء للعرب بصفة عامة وبلده مصر بصفة خاصة من طول فترة صمته، حينها راسل فرقة الكيدون يأمرهم بقتل الفتى على الفور.
ومن نظرات بروفيسور الموساد على الشاشة التي تفرسها مهدي، ومن خلال حركة شفتيه -فهو يعرف اللغة العبرية- تأكد أن الخطر يحدق بفهمان فأمر هو الآخر بالالتفاف حول الفتى وعمل درع بشري حوله كي لا يصيبه أي أذى.
وبالفعل تمّ الاقتحام وبدأ الرصاص الحيّ ينطلق من مسدسات فريق الموساد، وبدأ فهمان يترنح في شلله إثر المعركة النفسيّة الرهيبة التي دارتْ بداخله وهو استحالة تحقق أمرين متضادين -الأول رغبة أبيه، والآخر رغبة رئيس جامعة بيركلي- تلك المعركة التي فُُرضتْ عليه وكانت بمنزلة مسرحيّة دراميّة فتكتْ بقلبه. وكلّ مَن في القاعة ولوْا هاربين مذعورين بمجرد إطلاق النار، والعالم كلّه أمام التلفاز في ذهول من الأحداث.
جرى أحد أفراد الأمن المصريِّ المدرّع بقميص رصاص نحوه ليجنّبه وصول الذخيرة إليه، لكن الرصاص قد فجّر رأسه وخرّ ميتاً.
أسرع كيدوني بسلاحه إلى حيث يرقد فهمان الطريح أرضًا، فقد نهض مِن بين صفي الدرج وكان جاك جالسًا في الصف الثاني على حافة الدرج فجنّدله فوقع على بطنه ثمّ قفز جاك عليه منقضّاً وأخذ المسدس منه وأطلق عليه رصاصة في قدمه، بينا الحرس الجمهوري المصري يردف بعضهم بعضا متسورين حول فهمان لإنشاء درع غير قابل للاختراق.
تبادل أفراد الكيدون والحرس الجمهوري إطلاق النيران فسقط على إثره معظم أفراد الحرس الجمهوري، عندها تأكد جاك من أنهم لن يتركوا فهمان حيا، فأزمع على تصفية أفراد الكيدون، فأطلق عليهم وابلا من الرصاص الحي وهو يتحرك منخفضًا بسرعة رهيبة حتى أسقطهم جميعًا غارقين في دماء أقدامهم.
ثم انطلق بسرعة الفهد، وأمسك فهمان بأنياب اللبؤة الحنون محاولة الهروب به خارج القاعة محل الخطر، وعندما همّ بالخروج به وجد بعض أعضاء الحرس الجمهوري متجهين نحو الباب فعلم أنهم يريدون أخذ فهمان، فلما وصلا معًا تراءى لجاك أن أفضل مكان آمن له أن يعود إلى بلده، فأعطاهم إياه كنوع من حمل الأمانة وإيصاله لصاحبه وعيناه تفيض من الدمع حزنا أن يفارق صديق عمره إلى الأبد.
نظر كبير فرقة الكيدون نظرة ثاقبة إلى زملائه المطروحين أرضًا والدماء تنزف مِن أقدامهم -وكان يحمل مسدسًا وهو من أبرع القتاليين على مستوى العالم- ثم نظر إلى تسليم فهمان على باب القاعة ولم يعبأ بهروبه أيضًا، كل ما عناه أن لا ينهزم من أحد،
فألقى مسدسه وأشار بسبابته إلى جاك أن هلمّ إلىّ -إشارة منه إلى قدرته الخارقة على هزيمته، وقد أخطأ، أخطأ كلُّ مَن لا يعرف جاك سواءٌ في قدرته البدنيّة أو العلميّة أو حتى الخلقيّة - فانقضّ جاك عليه ولكمه ثمّ حمله فوق كتفه وأداره بحيث أصبح رأسه في الأسفل وقدماه في الأعلى ثمّ أسقطه ليرتطم رأسه بالأرض، حاول الكيدوني النهوض فما استطاع.
توجّه بروفيسور الموساد سريعًا خلف جاك ومعه عصا غليظة وهمّ ليضربه في رأسه ولكنّ أحد أفراد حرس مهديّ قد لكمه فأسقطه أرضًا.

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-18-2021, 06:28 AM   #7
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


«الغائث والمستغيث»
عاد جاك إلى واشنطن بعد حادثة جنيف مباشرة، وحاول الاتّصال بصديقه ولكن دون جدوى؛ فالهاتف مغلق على الدوام، حينئذ قرّر النزول إلى مصر
وحدّث نفسه قائلاً: «غدًا أسافر.»
اتّجه إلى ناسا وبالتحديد أحد المراصد الأرضيّة الخاصة بها ليمارس بحوثه ورسالته حول النجوم والثقوب والسوداء.
وأثناء ما كان يقوم بمعاينة منطقة فضائيّة حول حافة المجموعة الشمسيّة الخارجيّة -وبالتحديد منطقة سحابة أورط- من خلال أحد التلسكوبات الأرضيّة شاهد نجمًا يمرّ بها وهو يقذف مقذوفات أمعائه بطريقة هائلة.
امتقع وجهه وتفكّكت أوصاله -لأنه يعلم أن مثل هذا القذف يعني موت النجم- وتساءل مندهشًا وهو يرتجف، ولسانه لا يكاد يتحرك: «يموت هنا؟!» ثم ما لبث أن خرّ على الكرسي حيث ما عادت تستطيع قدماه تحملاه، ثم تماسك مجددًا فوثب واقفًا ليعاين من جديد، فلم يجد شيئًا مختلفًا. أسرع إلى رئيس ناسا على الفور وحدثه بمعاينته. فانزعج لانزعاج جاك، وبالفعل قال له مدير ناسا بصوت
متحشرج: «أفزعتني، أتقصد أنّ النجم سيموت وبعدها يتحول إلى ثقب أسود؟»
- «نعم.»
- «مستحيل.» همس لحظة ثمّ قال مستبينًا بعد أن أطرق رأسه: «علينا بإعادة المعاينة يا جاك، سلّطْ على النجم التلسكوبات الفضائيّة الخاصة بنا، وكذلك المحمولة على متن الأقمار الصناعيّة، ومسبارات الفضاء العميق لتعطينا تحليلاً دقيقًا عنه مثل: كتلته -المسافة بيننا وبينه - مقدار مقذوفاته إشعاعاته. حتى نعرف ما سيؤول إليه النجم بعد موته.»
على الفور اتّصل رئيس ناسا بالمسئولين عن التلسكوبات بوكالته ليقوم جاك بتنفيذ أمر رئيس ناسا.
وتمت المعاينة والرصد بالفعل ثمّ أُرسلت الصور إلى ناسا. بعد عدة ساعات فقط اجتمع خبراء ناسا لتحليل الصور وإحصاء النتائج.
نظر بكْ إلى صور عدسات الجاذبية -التي ترصد مسارات الضوء المنبعث من النجوم وانحناء الضوء المار بها بسبب جاذبيتها فقال: «إنّ النجم على وشك تفريغ كل وقوده النوويّ.»
كما أمسك جاك بصورة التحليل الطيفي التي رصدتها التلسكوبات الفضائية فقال على الفور: «النجم يحتضر بالفعل.»
وبعبقرية جاك أمعنّ في صورة النجم وعلّم بالقلم على بعض النقاط في الصورة ثمّ أعطى بيانات حالته الاجتماعية والسياسية حيث قال: «إنّه من النجوم السريعة، يبدو أنه انفلت من تجمعه النجميّ وتخلص من جاذبيتهم بسبب سرعته الرهيبة حتى وصل إلى مقدمة السحابة، والآن هو على بُعد سنة ضوئية واحدة من الأرض، وحجمه مساوٍ تقريبًا لحجم الشمس .»
قال رئيس ناسا وهو يناول جاك صورة: «انظر جاك لهذه الصورة.»
حدّق جاك فيها ثمّ ناولها إلى بكْ فقالا في نفس واحد: «إنّها بصمة أبخرة مائية.»
واستطرد بك: «بناء على هذه البيانات التي أتتنا فإنّه لو انفجر فسيتحوّل إلى قزمٍ أبيض.»
علق جاك: «بل إلى ثقب أسود.»
فرمقه كلّ مَن في الاجتماع رمقة استهانة واستخفاف -لأن النجوم الصغيرة لا تتحول مطلقًا إلى ثقب أسود.»
أمّا مدير ناسا فقد ظلّ حائرًا بين رأي الخبراء ورأي جاك فصمت ولم يعلق للحظات لأنه يعلم عبقرية جاك جيدًا، ثم قال يائسًا لعدم تأكده من أحد الظنين: «علينا باستمرار تسليط التلسكوبات الفضائيّة التابعة لها لرصد صرخاته المحتملة قبل موته كمحاولة أخيرة ونهائيّة لتقييم ما سيؤول إليه ذاك النجم المارق.»
فقالوا له: «الأمر منتهي سيادة الرئيس، هذا نجم لو مات فلن يتحوّل إلى ثقب أسود لصغر حجمه.»
نظر جاك نظرة استعبار ثم همس في نفسه: «يبدو أن الأرض ما عادت تطيق تحمل أقدام هذا العالم المارق فنادت إلى السماء لتغيثها.»



***

وأخيرًا ..اِنجلى الحقُّ محلّقًا بأجنحة الملائكة.
فور وصول الطائرة في مطار القاهرة تم نقل فهمان إلى مشفى القوات المسلحة مباشرة. ومن التحاليل تبين أنه مصاب بجلطة دماغية. حضر الرئيس مهدي ليطمئن عليه، فقالوا له بأن فهمان في غرفة العمليات. وأجريت له العملية وقد نجحت بامتياز.
ترك المشفى ثم عاود بعد أيام ليطمئن عليه مجددًا. مدّ الرئيسُ مهديّ ليصافح فهمان قائلاً له: «حمدًا لله على السلامة يا عالمنا العزيز.»
أخبره الرئيس بأنه كان تحت أعين المخابرات المصرية طيلة الفترة الماضية، فسر فهمان بذلك، وقد وجد أنه قد أتيحت له فرصة سانحة
لردّ شرف أبيه الذي لطخه أمن الدولة سابقًا -عندما اتهم بالدجل والشعوذة- وسأله مهديّ : «أتذكر اليوم الذي أُطفيء فيه مصباح حجرة نومك؟»
أجاب: «أذكره جيدًا سيادة الرئيس.»
قال مهدي: «أن من أطفأه كان أحد رجالنا، كنا نراقبك في صحوك ونهارك دون أن تدري حتى لا يمسك أحد بسوء.»
ساد الصمت لحظات، كان خلالها ينظر فهمان خِلسة إلي الرئيس ويقول في نفسه: «ليتك تفتح ملف أبي.» بينا الرئيس كانينظر إليه قائلاً لنفسه: «سبحانه، يخلق من ظهر العالم فاسد ومن ظهر الفاسد عالم.» ثم ّ وثبَ واقفًا ونظر إلى رجاله قائلا: «الحمد لله، لقد لطف به وأنقذه من براثن الصهيونيّة.» واتجه ببصره مرة أخرى إلى فهمان وقال: «تماثلْ للشفاء يا فتى؛ فمصر في حاجة إليك، سوف أحقق لك كلّ ما تريد، فقط قمْ وتماثل للشفاء.»
كانت كلمات الرئيس الأخيرة لفهمان بمنزلة عودة الروح إلى جسده، حتى إنّ الكلمة ما برحت تفارقه حتى تماثل للشفاء فيما بعد في غضون أيامٍ قلائل.
بعد مغادرة الرئيس مباشرة ظلّ فهمان يفكر في كلمات الرئيس الأخيرة، وأول ما تبادر إلى ذهنه كيف يبرّئ أبيه.
فتح هاتفه ليطمئن جاك بأمره، فوجد رسائل تقول بأنه اتصل به كثيرًا.
كلمه وطمأنه بالفعل، وقد صمم فهمان على عدم الحضور لكثرة انشغاله في ناسا، واستحلفه بألا يأتي فامتثل.

لحظات، وطرق أحد الحرس المكلف بحمايته ليخبره بوجود زائر يقول بأنه خاله مؤيد أصيل.
فسرّ فهمان وأشار إليه بدخوله على الفور.
قال مؤيد: «أنا جئت لأطمئنّ عليك، والحمد لله على نجاتك.»
قال فهمان: «الحمد لله، وشكرًا لك أبتِ.»
- «لا داعي لأثقل عليك لأنّي بالفعل أجد حالتك جيدة وليست خطيرة مطلقًا، ولدي، أنا في مهمة لمدة طويلة، ولن أرجع قبل شهور، ولقد رأيت موكب الرئيس مهديّ منذ دقائق، ولقد علمت بكلّ ما حدث لك في جنيف، ودور الأمن المصريّ في إنقاذك.»
- «رئيس عادل، وإني أحبه.»
شعر فهمان بأن مؤيد يود قول شيء ولكنه متحرج، وبالفعل، بدأ كلامه بخجل شديد وهو ينظر إلى الأرض: «أريد أن أُخبرك بأمر يخصّ والدك.»
فانتبه فهمان بشدة، وتأكد بأن مؤيد يخفي عنه شيئًا، فقال جامحًا وهو يركز نظره عليه: «تكلم يا أبتِ.»
- «ألم تقل منذ قليل بأن الرئيس رئيسكم رئيس عادل؟»
- «بلى.»
- «إذن، آن الأوان لردّ كرامة أبيك وشرفه يا ولدي.»
- «وهذا ما انتويت فعله بالضبط، فأبي لم يكن مشعوذًا أبدًا.»
- «المسألة ليست مسألة دجل وشعوذة، وإنما، إنما..» تمتم مؤيد لحظات ثم قال بصوت حزين: «أمن الدولة أحرق جثة أبيك.»
تفجّع فهمان على الفور، وحزن حزنًا شديدًا ظهر في انهمار دموعه التي غدت تغطي وجهه، ثم قال له بصوت منخفض: «كيف ذلك؟!»
- «كانوا يخشونه، والرئيس السابق أراد محو قضيته بلا أدنى أثر.»
- «لماذا؟»
- «كانوا يخشون من تعاطف الجمهور معه عندما يعلمون بموته لأنه دخل قلوبهم، والرئيس السابق كان ظالمًا ومواليًا لأمريكا، ومعلوم دوره البارز في خدمة المخطط الصهيوني الشرير.»
- «فعلا، لقد عاش أبي وما آل جهدًا في خدمة أهله من أبناء وطنه.»
مضى مؤيد، وقد خلف وراءه همًا ثقيلا على قلب فهمان إضافة إلى حزنه الشديد عما حدث لأبيه.
بعد أيام جاء اثنان من قصر الرئاسة ليصحباه إلى الرئيس مهدي.
وفور دخول فهمان سلم عليه ثم قال: «أنا سعيد بسيادتكم، وأأمل أن تنهض مصر بكم.»
- «بِِك.»
قال دهشًا: «بي أنا؟!»
- «نعم، بك،المصادم، مصادم الرسالة.»
سكت هنيهات يترحم فيها على أبيه في نفسه عندما علم مرام الرئيس مهدي، بعدها قال بوجه متهلل: «أتقصد سيادتكم بناء المصادم على أرض مصر؟»
هزّ -مهدي- رأسه بالإيجاب دون أن ينبس بكلمة.
قال فهمان بدهشة: «قد يتكلف مممم..
أردفه مهدي: «ليتكلف ما يتكلف، مائتا مليار دولار مثلا، ثلاثة، الذين حفروا قناة السويس وبنوا السدّ العالي قادرون على بناء مصادم كهذا، فهمان مصر فيها رجال (يتكلم وهوقابض على يده اليمنى ورافعها إلى أعلى) والجيش كلّه رجال، لا تخفْ ولا تحملْ همّاً، قلْ أنت موافق ودعني أقوم أنا بالترتيبات اللازمة.» صمت هنيهة أخرى ثمّ قال: «أتعلم لِم أردت تصميمه على يديك؟»
- «لِم سيادة الرئيس؟»
قال مكوّراً يديه بحيث باطنيهما في تلقاء وجهه ورافعهما إلى أعلى بمحاذاته: «لأنّي أريد أن يُبنى بأيدٍ مصريّة.» ثمّ أومأ بسبابته إليه: «وأنت صاحب الفكرة، ولن يستطيع بناءه إلّا أنت، وأرجو أن يكون بناءك له عن علمٍٍ لا عن دجلٍ وشعوذة.»
ضربته الكلمة في أوردة قلبه فانتفض جسده على الفور، وانهمرتْ الدموعُ من عينيه وقال بصوت متهدّج من أثر البكاء: «أبي لم يكن دجّالاً ولا مشعوذًا؛ بل كان وطنيّاً عالمًا، ولولاه ما كنتُ أنا هنا الآن، وقد ساعد المقاومة الفلسطينيّة التي تفضّلتم سيادتكم وساعدتموها من قبل بتمزيق الاتفاقيّة الرباعيّة، وقد حاول الأخذ بثأرنا من قاتل عالم الفندق، بيد أنّه لم يفلح، وخاف علىّ فقام بزرع وجهه، زرعه له بروفيسور بيتر، وكان برنامجه السحريّ يؤديه بقوت يومه، وكان يكره الثورة، والصراع النفسيّ الذي حدث بداخلي كان صراعًا بين أمريكا التي أنعمت علىّ وبين وصية أبي ألّا أعمل لديهم وأنّ تراب بلدي أولى بي، وقال لي لو وفقك الله يا بني فلا تترك رئيس بلدك.»
بعدها رفع فهمان يده اليمنى إلى السماء مشيرًا إلى الفضاء ودموعه تزداد انهمارًا قائلاً: «وبعد كلّ هذا يتناثر رمادًا محترقاً في الهواء، هذا هو أبي، هذا هو أبي، هذا أبي.»

انتفض مهدي من مكانه وسأله: «هل تعرف مكان بروفيسور بيتر يا ولدي؟»
- «لا والله.»
- «وكيف علمتَ بأمره مع أبيك؟»
كذبه وقال: «مِن أبي.»
- «وكيف عرفت أنّ أباك ساعد اتحاد المقاومة؟»
كذبه مجددًا: «من أبي.»
شعر مهدي بأن فهمان كذبه بشأن إعلامه بمصدر معرفته بأمر بروفيسور بيتر، وكذلك بمصدر معرفته بشأن مساعدة أبيه لاتحاد االمقاومة، ولذلك قال مهدي في نفسه: «كذبتني يا بني! لا بأس، لا بأس، يبدو أن هناك شخصًا أخبرك بأمر أبيك وتود عدم البوح باسمه حتى لا يتعرض للخطر.»
وفجأة قال له مهدي وهو مطأطأ الرأس: «صدقتَ يا فتى، صدقت، لكن أخبرني، أمتأكد أنت أن أباك هو كما أخبرتني؟»
فهمان بصوت متهدج: «والله كان كذلك، والله كان كذلك.»
واستدعى مهدي رئيس المخابرات وقال له: «تحريّاتك يا سيادة اللواء غير دقيقة، وسأحاسبك على ذلك، أعدْ تحريّاتك من جديد حول المدعو فطين المصريّ.» ثمّ أشار إلى فهمان بسبابته قائلاً: «والذي هذا هو ابنه، ولن أتركَ هذا الأمر، ولن "ينفى وهو ناظر إلى فهمان الذي خنّ من البكاء" اتركْ هذا الفتى حتى تأتيني بالحقيقة التي أخفيتها عنّي سيادة الرئيس"يقولها سخريّة منه".»
رد رئيس المخابرات: «سمعًا وطاعة فخامة الرئيس، أمهلني ثمان وأربعين ساعة فقط.»
قال مهديّ : «ثمان وأربعين ساعة ليس أكثر، أريد أن أعرف أكان دجّالاّ ومشعوذًا أم كما يقول هذا الفتى وطنيّاً عالمًا.» صمت هنيهة ثمّ أردف: «خذْ فهمان وسله عن أبيه، ثمّ خصص له مكانًا يقيم فيه بالقرب مني .»
وفور خروجه كان مهديّ يخط جواب عزله من منصبه مع عدم المحاسبة لدواعٍ أمنية.
وبالفعل فور انتهاء اليومين حضر رئيس المخابرات قصر الرئاسة وقد كان فهمان حاضرا -فقد استدعاه مهدي- وقال: «سيادة الرئيس، بعد البحث والتقصي مما قاله الدكتور فهمان تبيّن لنا أنّ نظام الرئيس المخلوع هو مَن اتهم أباه ظلمًا بالدجل والشعوذة، ولقد تحرّينا أمر واقعة الفندق الخاصة بالرجل -رحمه الله- فتبيّن لنا بالفعل وقوع معركة شرسة في الفندق بينه وبين أحد أفراد فرق الكيدون الإسرائيلية، ولقد غيّر وجهه آنذاك خشية القبض عليه مِن الموساد أو الأمن المصريّ، إذ كان يظنّ أن كيدون الموساد قد مات . وقام بعمل سيرك في الشارع بتذكرة رمزيّة من أجل الإنفاق على تعليم ولده إذ كان عازمًا على تسفيره لاستكمال تعليمه في أمريكا، ولم تأتنا أخبار بشأن التحاقه بأنفاق اتحاد المقاومة أو الإنفاق على حقول القوى التي حصّنوا أنفاقهم بها و..»
صرخ فهمان مقاطعًا: «أبي لا نظير له، حمى المجاهدين وحمى الأنفاق و ..»
قاطعه مهديّ قائلاً: «هون عليك يا فهمان.» ثم نظر إلى رئيس المخابرات داعيًا له باستئناف كلامه.
استأنف: «وتبيّن لنا أنّه حصل على أموال طائلة من خلال ألعاب سحرية تعجيزية، ولم ندرِ أين ذهبتْ، ولقد أخبرنا أحد الفيزيائيين أنّ ألعابه تنبع مِن قوّة في دماغه ولعلّها الخلية الإلكترونيّة التي أخبرنا بها الدكتور فهمان، ولقد مات أبوه قبل أن يأتيه وفد المخابرات الأمريكيّ ليحقق معه بشأن بروفيسور بيتر. قامتْ أمن الدولة بحرْق جثته لدواعٍ أمنية، فخروج جثته إلى الشارع قد تحدث ثورة عبر رصدها من صحف المعارضة وتتفكك الدولة وتنهار ال..»
قاطعه مهديّ قائلا: «حسبك، انصرف.»
نظرَ إلى فهمان فوجد الدمعة على خدّيه، قال له بصوت فيه مودة: «اذهبْ أنت الآن يا ولدي.»
وفور خروجه وجد مجموعة من الرجال يصحبونه، فسألهم عن شأنهم فقالوا بأن الرئيس مهدي كلفهم بحراسته في النوم واليقظة

***

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-28-2021, 12:32 AM   #8
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


أليس الربّ بالمرصاد؟!

كرّس جاك حياته لدراسة الثقوب السوداء الفضائيّة وكلّ ما يتعلق بها مذ أن شاهد نجم سحابة أورط؛ وعلى ذلك، فقد قرر أن يرابط حول المراصد لمراقبته حتى يسارع في إدراك العالم قبل أن يتحول إلى ثقب أسود حسب ما يظن؛ وإن كان يأمل أن يتحول إلى قزم أبيض بحسب ما ارتأى خبراء ناسا.
وعلى طول فترات المرابطة وهو يردد قول واحد وهو: «نفسي فداءً للبشرية.»
وكثيرًا ما كان يفكر في شأن هذا النجم، ويتساءل قائلا: «لماذا ساقه الرب إلينا في هذا التوقيت بالأخص؟!»
وأجاب بنفسه: «أيكون عقابًا للعالم بسبب تناحره الذي قد يؤدي إلى قيام حرب نووية؟ أم يكون ردءًا لهذا العالم حتى لا تُُقام هذه الحرب؟»
تبسّم ساخرًا مستعبرًا عندما استحضر في نفسه حالة الناس الوحّشية ورد فعل الثقب معهم، حيث إنّهم تذئبوا، وتثعلبوا، فنصبوا كمائن العنكبوت ليمصّوا دماءَ بعضهم بعضًا، وبنوا حضارات العناكب في كل مكان، وها هي السماء تنتفض انتقامًا لتغيث الأرض فتفنيهم وحضاراتهم العنكبوتية الحمقاء.
أليس الربّ بالمرصاد؟
ثمّ عاود وتعجّب من شأن النفس التي جُبلت على الظلم فقال: «ولِمَ كلّ هذا وقد منحها الله كلّ سبل دعم الحياة ووهبها ما يُبقي على حياتها؟»
وبينما تصارعه هذه الخواطر رن جرس هاتفه، إنه فهمان.
وبعد أن تبادلا كلمات الترحيب أخبره فهمان بما فعله الرئيس مهديّ بشأن تَبْرِئةً والده، فسُرّ جاك بذلك أيّما سرور رغم الهمّ الساري بأوصاله بشأن توحّش الناس.
سأله فهمان عن أحواله، فأجابه جاك بكل ما يدور بخلده بشأن نجم سحابة أورط.
قال فهمان بغضب: «ما أرسل به إلّا ذاك الملعون إبليس وأعوانه.»
- «وما شأن إبليس بالثقب؟»
- «هذا الثقب أرسله الله انتقامًا من الناس بما كسبت أيديهم بعد أن أوحى إليهم ذاك الملعون المسمى بإبليس.»
- «أرى أن النفوس لا تحتاج إلى وحي الشياطين يا فهمان لكي تفجر أمامها.»
- «على كل، افعل أنت ما يحلو لك، وآمن بما تعتقد، أما أنا، فلن يقر لي قرار، ولن ينام لي جفن، ولن يطيب لي فراش حتى أدق عنق ذاك الإبليس، وأقسم بربي لأذهبن إليه عبر بوابته، عندئذ، سيقف أمامي صاغرًا لأعد عليه أعماله، وأذكره أفعاله: وآمره، فإن لم يمتثل قتلته على الفور ليكون عبرة للشياطين.»
أشفق جاك على فهمان فور سماعه تلك الكلمات؛ لأنه يعلم أن أمر طرق بوابة إبليس صعب المنال، وأن محاسبة إبليس من رابع المستحيلات بسبب ضعف أبناء آدم.»

***
رسالة ماجستير جاك
اسم الطالب: جاك الولايات المتحدة الأمريكيّة.
تخصص الرسالة: علم الفلك والفضاء.
الرسالة بعنوان: ماذا لو اتجه نجمٌ هِرمٌ إلى مجموعتنا الشمسية وتحوّل إلى ثقبٍ أسود؟
المشرف على الرسالة: أستاذان في علوم الفضاء والفلك.
لجنة المناقشة: لفيف من أساتذة الفضاء والفلك.
القاعة : قاعة كليّة العلوم ببيركلي.
التاريخ : في المستقبل .
ومن أجل المناقشة، زحف الجمهور الأمريكيّ من كاليفورنيا وكذا بقية الولايات إلى بيركلي، وكذلك حضر بعض الأجناس الأخرى ممن يقيمون فيها، والسبب يرجع لعدة عوامل منها: تسابق بروفيسورات الكليّة للإشراف على رسالته، وذكر الدور البطوليّ الذي قام به لإنقاذها من الحريق، واسمه الغريب المسمى نفسه به لأنّه مجهول النسب بالفعل، وإتقانه المنقطع النظير في معرفة دروب ومسالك المجرّات، وكان العامل الرئيس لكثرة الحاضرين هي حملة إعلامية قامت بتدشينها إسرائيل.
ولقد صرّح بعضٌ من العلماء أنّ هذا الفتى سوف يتجاوز علمه علم الكثير من بروفيسورات العالم، بل قال قولا عظيما فيه: «يبدو أن آينشتاين قد بُعث من جديد!»
ومما حفز الشعب الأمريكيّ على الحضور بهذه الأعداد الكثيفة هو ظن الكثير منهم ولاسيما رجال الدين منهم أنّ هذا الفتى هو المسيح المنتظر، فهم لم ينسوا مطلقا قول القساوسة في خضم حريق الجامعة: «إنّ الله حمى تلك الجامعة من أجل رجل سينزل بها سوف يخلّص العالم من كارثة سوف تلم به.»
وما زالت الدوائر العلميّة وبعض الدوائر السياسيّة في شتى بِقاع الأرض تنتظر الحدث المثير والذي سوف يشاهدوه عبر الشاشات .
كذلك الدوائر العلميّة والسياسيّة في أمريكا من رؤساء الجامعات، وأعضاء الكونجرس، ومجلس الشيوخ، ورجال البيت الأبيض.
كلّ إمّا على أرض بيركلي أو أمام الشاشات.
وفهمان ينتظر الآن مشاهدة المناقشة أمام شاشة التلفاز، عيناه مليئتان بدموع الفرح وهو يشاهد الجمع الغفير الذي أتى من أجل صديقه من كافة الولايات.
أمّا العالم الفذُّ ميتشو كاجيتا فيشاهدها عبر التلفاز وعيناه تقدح شررًا من جمرات جهنم.

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بشأن رواية قنابل الثقوب السوداء إبراهيم امين مؤمن أبعاد الإعلام 6 11-12-2019 11:19 AM
قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل إبراهيم امين مؤمن أبعاد الإعلام 4 07-12-2019 01:07 AM


الساعة الآن 03:13 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.