هل هناك أدب خاص بالمرأة وآخر بالرجل؟
وما الأسباب الكامنة خلف تأخر ظهورها ونبوغها الأدبي والشعري؟
هل بالفعل أن المرأة وعلى مر العصور والأزمان تعاني من تهميشها شعرياً؟
وهل سيطرة الرجل على وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة أسهمت في تدني حضورها الإعلامي؟
وهل مقولة إنه يقف خلف نجاح كل شاعرة.. شاعر.. حقيقة أم تجنّ على شاعريتها ونبوغها؟
هل الإبداع الشعري النسائي في هذا العصر قادر على الوصول للصفوف الأمامية ومناصفة الرجل الضوء والشهرة؟
وما الأسباب التي جعلت من المنجز الشعري للمرأة أقل بكثير إذا ما قورن بالمنجز القصصي والروائي؟
أسئلة كثيرة واستفهامات كبيرة تبحث عن إجابات صادقة وأدلة ناطقة لتزيح ستار الحقيقة عن هاجس يتكرر كلما
ارتشفنا أو سمعنا مشاعر فياضة لنص جميل مذيل باسم أنثى.. فسنبحث سويا من خلال هذه الأسئلة عن تلك الحقيقة
الغائبة أو المغيبة أحيانا.. ونلقي الضوء على تجارب شعرية لأسماء نسائية استطاعت أن تؤسس لها طريقا مفعما برؤية
ومبللا برؤيا من مختلف مناطق المملكة ودول الخليج لنتعرف على ملامح تلك التجارب ورصدها وسيكون ذلك بين فترة
وأخرى، آملين أن نوفق في إلقاء الضوء على تلك التجارب الشعرية بما حصلنا عليه من نصوص شعرية ومعتذرين من
الأخوات الشاعرات اللاتي لم يرد ذكر أسمائهن أو عدم رصد تجاربهن، إما لقلة النصوص التي وجدتها أو لعدم قراءاتي لنتاجهن الشعري ومروري عليه.
إنه الشعر الذي من خلاله عبرت به المرأة عن لواعج شجونها وخلجات قلبها وخففت من وطأة همومها ولوعة أحزانها
وشرخ آلامها وقسوة معاناتها، فأصبح جزءاً لا يتجزأ منها وملاذا ومسكنا لها. فتنساب نصوصها الشعرية متدفقة تروي
به عطش الذائقة وتنعش حس المتلقي وتدهش الذاكرة وتشنف المسامع. من خلال تجربة شعرية جميلة وإثبات هوية
الخصوصية الأنثوية بما تتميز به من رؤية ورؤيا. فيحفل المشهد الإبداعي النسائي بنسج القصيدة الشعرية عبر منظومة
إبداعية وبتقنية تعبيرية وتكنيكية للمنجز الشعري. فهناك العديد من الأصوات النسائية التي رسخت للتجربة الشعرية النسائية حضور مميزا وطرحا رائعا.
فكانت تلك النصوص تتدفق من كيان المرأة التي تشارك الرجل بتلك المشاعر والأحاسيس أن لم تكن أعذب حسا وأوفر
حنانا وأدق تصويرا بحكم طبيعة الأنثى الفسيولوجية والسيكولوجية، فالمرأة شديدة الإحساس وعميقة التأثير، ورقيقة
التعبير؛ مما جعل طرحها الشعري يأتي محملا برؤية قادرة على إيجاد بعد دلالي يتسم بالصفاء والعمق في المضمون،
فتجد أنها أسست لها منهاجا متميزا ولغة خاصة وسمة فنية رائعة من حيث اللغة الواسعة والصور الشعرية التي تزخر
بألوانها المجازية الرمزية العميقة وتوظيف الأسطورة والتناص، متكئة على معجمها الخاص وذاكرتها القوية ووجدانها
المتدفق ومتعدية علاقتها بذاتها إلى علاقتها بمحيطها المعيشي وما يدور في فلكها من متغيرات ووقائع. مختزلة
التجارب الإنسانية والمعرفية ومبتعدة عن السطحية الفجة والمضامين المباشرة. ومعلنة عن قدرة المرأة على تفجير
المكبوت وتشظي الاحتباس العاطفي ومعبرة عن قضاياها وهمومهما الذاتية ورغباتها الدفينة، مكونة لها منهاجا أدبيا لا
يتنافى مع تعاليم الدين وثوابت العقيدة بأدب جم وطهر ناصع بالبياض، مبتعدة عن الغزل الفاحش والطرح الرديء وبعفة
لا تقبل المساومة، بالتزام اجتماعي وعقل واع وفكر متقد، من خلال الأدب عموما والشعر خصوصا بشكل أوضح ونطاق
أوسع فضاء وبديع مداره، وهذا بمجمله ينم عن التوازن النفسي والثقة الذاتية والثقافة الأدبية التي وصلت إليها مما أهل
للتجربة النسائية في هذا العصر الوصول للصفوف الأمامية ومناصفة الرجل الضوء والشهرة.. ويعتبر المنجز الشعري
للمرأة قليلا للغاية إذا ما قارناه بالإبداع القصصي والروائي وذلك يعود إلى عدة أسباب.
منها أن الكتابة النثرية أقرب بكثير إلى طبيعة المرأة لحاجتها إلى البوح السردي والتخفيف من وطأة الظروف التي تلم بها، وميلها للحديث العام عموما وإلمامها بتتبع التفاصيل الدقيقة والدقة التعبير عنها.
ولا ننكر أن هناك تجارب شعرية لم تنضج بعد ومحاولات لم يحالفها التوفيق أو يكتب لها النجاح، شأنها شأن الكثير من
التجارب الشخصية التي مرت على خريطة الشعر وذاكرة التاريخ ولم تسجل وجودا يذكر، فكان حضورها الأدبي
والشعري عبر عصور الأدب الماضية يتسم بالقلة والندرة، ويعود ذلك إلى عدة أسباب: أولا، طبيعتها الأنثوية التي تكمن
في حيائها الشديد وحساسيتها المفرطة؛ مما جعلها تنزوي ببوحها وتخفي مدادها، فكانت تعبر عن مشاعرها في
صمت وأحاسيسها بكتمان واكتفت بحبس نصوصها في ظلمة إدراجها وأركان قلبها وتحت ثرى ذكرياتها؛ مما جعلها
تتراجع بعطائها الشعري والأدبي عموما أمام تلك الضغوط الاجتماعية والنفسية مجتمعاتنا العربية عموما.
كما أن اشتغالها بنفسها ومسؤوليتها بإدارة البيت ورعاية شؤون الأسرة. وتربيتها لأولادها واهتمامها بزوجها قد حد
من نتاجها الشعري وعطل هوايتها وشغل تفكيرها، كما أن لمنهجية (إسقاط النص على كاتبته) دوراً رئيسا في عدم
الإفصاح عن نصوصها أو الحديث عن تجربتها خوفا من ربط أحداث النص وأفكاره بنفس الشاعرة، وأن كل ما تكتبه
يعبر عن حالة حب خاصة عايشتها أو مشكلة اجتماعية وقعت بها أو محظورا شرعيا ارتكبته، كما أن التقاليد والأعراف
ودور الأسرة وعدم اهتمامهم وتشجيعهم لها أدى إلى إجهاض تلك التجارب ووئدها ولم تسمح لها الظروف والأعراف
باحتكاكها في المناسبات والمحافل الشعرية فلم تجد الأرض الخصبة التي تلقي بذورها الشعرية فيها واليد الحانية التي
تعتني بها أو لعدم التثقيف الذاتي والممارسة المنهجية والاحتكاك المباشر مع أصحاب التجارب الناضجة.
وساعدت قلة وسائل الإعلام وعدم تنوع مصادرها آنذاك على عدم إيصال نتاجها وتفعيل حضورها؛ لذلك كان للكثير من
إبداعاتها مبتورة وتجاربها منسية. كما ساعد تأخر التعليم والنمو الثقافي وقلة دور النشر والطباعة في ظهور نتاجها الأدبي والشعري.
أما في عصرنا الراهن نشاهد تحولا ملموسا وتقدما مذهلا لظهور المنجز الشعري النسائي، بسبب تطور التعليم والنمو
الثقافي والمعرفي الذي ساعد في تهيئة الحضور النسائي، مما انعكس إيجابا على إجادتها وتمكنها لأدواتها الفنية
في قصائدها الشعرية وخواطرها النثرية، وتمكنها الملموس في كتابة القصة القصيرة والرواية والمقالة والرسم وفي
شتى مجالات الفنون والآداب، فأسس هذا التقدم والتطور الملحوظ للنص الشعري النسائي هويته وكيانه وأصبح أكثر
جراءة وأوفر احتراما وأدق تصويراً، وساعدها في التعبير عما يختلج بنفسها ويلامس مشاعرها لتُسمع العالم قضاياها
وتخاطب العقول بما يجول في ذاتها ويلامس خلجاتها موثقة تجربتها ومعتزة بشخصيتها، مما ساعدها على الخروج من
شرنقتها وتفلت من سطوة الزمان والمكان المحيط بها متجاوزة انكساراتها والقيود الملتفة حول ذاتها، كما أن لدخول
الإنترنت ووسائل الاتصال المتقدمة دورا بارزا في الاتصال والتواصل والمناقشة والحوار الأدبي الرفيع مع دور النشر
ووسائل الإعلام المختلفة في شتى أنحاء المعمورة وبأسرع وقت وأقل جهد ومؤنه، فقد استحدث لها ملفا خاصا في
أغلب المجلات الشعرية ومساحة جيدة في الجرائد والملاحقات وأقيمت لها الأمسيات الخاصة التي تناسب دينها وعادتها
وتقاليدها الحميدة وطبعت لها الدواوين الشعرية التي توثق تجربتها وتؤطر رؤيتها في جميع الأغراض الشعرية ومستوياته.
أما عمن يفرقون بين أدب الرجل وأدب المرأة فمن وجهة نظري أنه لا صحة لهذا التفريق والتمييز لأن كلاهما يحمل نفس
اللغة وقادر على رسم الصور الشعرية والدلالات والرؤى والإيماءات والأفكار وكلاهما يقتسم الإبداع ويثير الدهشة
والإمتاع، فكلا *****ين يحمل أنساقا ثقافية ونتاجا تراكميا مشتركا بذات الهموم والدوافع، منغمسا في نفس
الأحاسيس والمشاعر والرؤى ومعبرا عن العواطف والاحتياجات والرغبات أملا وألما فرحا وطربا حزنا وكمدا. فالتجارب
الشعرية للمرأة المبدعة هي جزء لا يتجزأ من النتاج الإبداعي الذي لا فرق فيه بين رجل وامرأة، فالإبداع بحد ذاته غير
خاضع لهذا التقسيم وذلك الفصل داخل السياق الشعري ولا يتوقف عند حدود ***** أبدا، إنما تتحكم فيه طبيعة المجتمع وتقدمه الحضاري والفكري والفلسفي.
وهناك من يوعز بأن خلف كل شاعرة شاعراً..!!؟
فلا صحة لهذه المقولة ولا دليل على هذا الاتهام، قد يكون هناك حالات فردية ولكنها لا تعتبر ظاهرة أو تجسد حدثا
فالشعر ملكة يهبها الله لكل *****ين، ولكن تبقى قضية الاحتكاك والاستفادة من نتاج الغير وتجربته قضية مشتركة بين
الشاعر والشاعرة، ومن الأسباب التي أدت إلى لجوئهن إلى الكتابة بأسماء مستعارة الخوف الشديد من الاصطدام
بالمجتمع وحساسيتها المفرطة من التوقيع بالاسم الحقيقي وكما قلت آنفا لظاهرة (إسقاط النص على كاتبته) دور كبير
في عدم الإفصاح عن اسمها الحقيقي، كذلك هناك أسماء نسائية تكتب باسم مستعار لتتعرف على مدى تقبل المتلقي
لنصوصها وتشاهد عن كثب ردود أفعالهم النقدية والانطباعية بعيداً عن المدح والمجاملة مثلما نشاهد رموزا شعرية
رجالية كتبت تحت اسم مستعار مدة من الزمن، وأفصحت عن الاسم الحقيقي بعد ما تيقنوا من نجاح تجربتهم ووصولها لقلوب الناس ومشاعرهم.
فالحضور الشعري النسائي لم يُبن على هشاشة ولم يأت من فراغ، بل إنه أتى من تراكم إبداعي وتجربة طويلة وقدرة
على توظيف المجازات اللغوية وقدرتها على صياغة عملية التحول النوعي في المشهد الشعري، بروعة ما تطرح ورقة ما
تكتب ودقة ما تصور في خطاب شعري مليء بالإبداع ومفعم بالنعناع.. ومن الشاعرات المعاصرات ونذكر على سبيل المثال لا للحصر:
فتاة الوشم، نورة الشبيلي، وسلطانة السديري، غيوض, عبير بنت أحمد, هيفاء التميمة, بدرالبدورا، ريميه، الراسية،
تنهات نجد، نورة الخاطر، هتان، قناديل نجدية، خمائل، ريانة العود، مشاعر نجد، عاصية الدمع, حنين الشمال, نجلا
بنت فهد, أسيرة الصمت, تذكار الخثلان, عبير نجد، نوض سدير, حصة العوهلي نبع العطش سابقا، سحايب نجد, بنت
أبوها، ابعاد التركي، ريناد القحطاني، شيخه الجابري، عنود نجد، النايفة، نجديه، غريبة الدار، كبرياء شمرية، بتول
آل علي.. الدهور سابقا، شوق المطيري (الغريبة سابقا) النادرة الجوزاء الزايدية فاطمة المشيقح, حنان آل فاضل، قهر
يزيد، أميرة الجابري بنت هوازن. سحايب فيصل، شيخه الجابري، أصيلة المعمري، نبراس المشعل، الجامحة، أفكار
الناظم، أشجان العبد الله, أغراب, بذرة غلا, صوغة، كبرياء, خديجة الوعل، شجون الظبيانية, بلقيس، وسميرة العبد
الله وأخريات كثيرات للأسف لا تحضرني الآن أسماؤهن واستيفاء للعرض واستقصاء للغرض سنتطرق في الحضور القادم -
بإذن الله - لنماذج لتلك التجارب الشعرية النسائية لنبين من خلالها الرؤية الفنية للشاعرات، ومدى سيطرتهن على
أدواتهن الفنية في بناء المنجز النصي ومقدرتهن على التأثير والتأثر في شتى مجالات الحياة.
" جريدة الجزيرة "
http://www.al-jazirah.com/356626/tr11d.htm[/align][/QUOTE]