يوميات امرأة عادية
( وفاء ابريوش)
قراءة /
طلعت قديح
(يقع الديوان في 226 صفحة ، دار فضاءات للنشر والتوزيع 2013 ـ تصميم الغلاف خالد ابريوش)
وقد عنونت الكاتبة كتابها بـ ( نصوص) ،(برد دافىء ) ، تاركة لنا المجال للتخيل عن التضاد في العنوان كأنه تهجين أو مصطلح جديد ،
وما يميز الديوان هو اللغة السهلة الغير معقدة ، سلاسة المعنى وسهولة المفردات ، إلا أن الكاتبة لديها خلطة سحرية في بناء هندسة النص بشكل مدهش ،
فهناك من النصوص ما تعجب كيف تتمكن الكاتبة من الحفاظ الخلطة السحرية في نصوصها دون أن تستخدم محسنات بديعية صعبة على القارىء ، كما ت
نتقل الكاتبة للإسهاب في عالمها عبر جزء من الكتاب أسمته ( زخات عاطفة) ، وهي بذلك تمنح أفقًا جميلاً للتنوير لكثير من المفاهيم . . .كتاب يستحق القراءة )
** (
أكتب في الربع الأخر مني ) **
معلوم أن الكتابة هي تصريح للنفس عما قد لا يستطيع الإنسان عن الإفصاح عنه ،
سواء أكان للغير من أناس عاديين أو مقربين ، حيث تختلف الحالة من إنسان لآخر ،
ويبدو أن الكتابة هنا هي الملاذ للنفس .
وتختار الكاتبة موضع الكتابة في الربع الأخير من كينونتها،ويأتي حرف الجر ( في) للإيحاء بالعمق في ظرف الكتابة . . .
لكننا نتساءل / ما هو الربع الأخير !
أهو ربع العمر الأخير بسنواته ، أم هو الربع الأخير من الاحتمال النفسي الذي كان مناسبًا للكتابة ، بحالة التراكم عبر الأرباع التي هُدرت ، وحانت لحظة الاعتراف . . .
ويأتي تعبير الربع الأخير مني ، متأثرًا بالتراث الإسلامي ( الثلث الأخير من الليل ) إلا أن الكاتبة أرادت تقسيمًا يناسبها !
** (
في المساحة التي لم يبن الامتلاء به صرحًا) **
وتختار الكاتبة تخصيص موضع انتقائي للكتابة في مكان يحتل من الربع الأخير حيزًا،
كي تفض بكارة أسرارها ، وتوضح بعض مكنون ما تعانيه من حالة نفسية ، ونفهم ذلك من مفردة ( الامتلاء) ، والذي حتمًا هو امتلاءٌ حياتي ، لكننا نود معرفة سر اختيار مفردة ( صرحًا ) ؟
والصرح في اللغة هو البيت المشيد بعلو أو القصر العالي . . .
وببعض التأني نلاحظ أن مفردة ( صرحًا) خلت من أل التعريف ، مما يعني اختلاف حال المعنى هنا ، ويبدو أنها أرادت المسمى فقط لا التفسير اللغوي له !
** (
أجلس طفلةً على بقايا بيت مهدم) **
تبدأ الكاتبة شيئًا فشيئا في تبيان مفردة ( صرحًا) ، بالاستدلال لحالة ما . .
وتأتي ( أجلس طفلةً) ، وهو حال الحاضر لطفلةٍ ما زالت صغيرة في العمر الزمني ،
لكنني أحسب أن مفردة ( طفلة) ، هي تعبير يدخل لكينونة الكاتبة ، فقد تدل على نقاء السريرة الفطرية ، لا العمر الزمني ، وسط العالم الملوث لمن يعيش فيه .
(بقايا بيت مهدم) وهنا تسوق الكاتبة لنا حالة صرحها بانكسارٍ نفسي عميق ، بكومة من بقايا العمر المنتكس !
** (
في برزخٍ أرضي بين اللجوء والحنين) **
وتستمر الحالة في تبيان حكايتها . . .
لٍتًعمق أكثر في البوح لتعلمنا حالاً أفضى مشابهًا بالاتكاء إلى منطقةٍ بين اللجوء للكتابة والحنين لذكرياتٍ ما ،
لكننا نستوضح هنا عن اختيار مفردة ( أرضي) ؟ هل هناك برزخ غير أرضي !
كان يكفي أن تكون العبارة ( في برزخ بين اللجوء والحنين) أو ( في برزخ اللجوء والحنين) إذ أن مفردة ( برزخ) تعني الحجز بين شيئين وكان يمكن عدم الاستعانة بظرف المكان ( بين) .
والعبارة مكتملة دون الاستعانة بمفردة ( أرضي) !
** (
كبرت فجأة ...) **
يبدو أن حالةً ما ، نقلت الكاتبة من طور الطفولة النفسية لطور الكبر ! صدمةٌ أو لطمة قدر ؟
** (
ولم استطع التعامل مع الرشد بلباقة ) **
نتيجةٌ حتمية لما تعانيه الحالة الداخلية من صراع النقاء والتلوث , ,
وهنا حالة حنين للطفولة التي لا يُحاسب عليها المرء ، فالرشد يحتاج لذكاء في التصرف ،
وهذا ما تفتقده الحالة الداخلية ، نتيجة الارتقاء المقاجىء بين مرحلتين . . مرحلة تيه واضحة المعالم . . .
(
أكتب في الربع الأخر مني )
** (
هناك حيث الثورة والجموح والنصر) **
وهنا تتهيأ حالة الانتقال إلى مفردات التحول لمرحلة الرشد ،
ثورة في التفكير وجموحٌ في الأسلوب والتعامل والاستقلالية والنصر حيث اهتراء مرحلة الطفولة وبروز مرحلة الرشد.
** (
لا يلزمك كماشة لخلع أظافرك) **
تراث معلوماتي عن استعمال أسلوب تعذيب تتبعه غرف القمع والتنكيل ،
إيضاح لمدى الشناعة التي تمر بها مرحلة الانتقال وكأنها إزهاق لروح الطفولة ، صورة موجعة تتسم بالعنف المرموز له بـ ( كماشة) ، والاستعانة بفعله (خلع) ،
أما المستهدف والضحية ( أظافرك) .
** (
أستقبل عيدًا مع كل خفقة) **
ما تعني مفردة ( عيدا) وسط زحام الألم والمعاناة ؟
أحسب أنها مقرونة بمفردات التحول السابقة ( الثورة والجموح والنصر) ،
هذا هو العيد !
ومآله خفقة في القلب ، تضخ من خلاله عيدها .
** (
أرتب حزني على الرفوف) **
نعلم أن الترتيب والتأنق يكون لشيء يعتز فيه الإنسان في مكنونه ، فلم تم اختيار مفردة (حزني) ،
هل لحزنها درجات بين الشدة وأقله . وعلى ماذا تدل مفردة الرفوف !
وأي حال هذا الذي يستوطن الحزن كل هذه المساحة من العمر ؟؟؟
** (
أنفض الغبار من الذاكرة) **
هل أتت مفردة (أنفض ) ، حالة حركة تدل على شدة ، فمن أين جاءت وسط هذا الحزن والمعاناة ؟؟
وكأننا أمام نصر أو حالة استنهاض معنوي ، برغم حجم التراكم الذي صاحب الحالة العامة ،
وقد وفقت الكاتبة في استعمال مفردة ( الغبار) ، كي يُرى شيء من بريق أمل وسط عتمة الأحزان .
** (
أسرق لفافة تبغ في عمر السادسة عشرة) **
والسرقة حالة اختلاس للروح من عمق حزن يلفها ، وما زالت حالة الرشد غير مستقرة متذبذبة ،
حتى وإن كانت في عمر السادسة عشرة ويبدو أن الذاكرة تنخر في هذا العمر المحدد والذي هو طور الأحداث وتتابعها
** (
وأمضي سريعًا بعيدًا) **
حالة هروب قصري ومتاهة لعدم الانكشاف لحالة تعاطي لفافة تبغ . . .
هروب نيسان لحال مرهق , , ,
** (
عن أطفالي وأبي ...) **
تتضح هنا بعض رموز الحال ، أطفال في عمر السادسة عشرة ووجود أب !
أهو حال ترمل مبكر لامرأة !
وفقدان زوج ّ
وهي مأساوية محضة ، أم هي حال الفتاة الكبرى التي تحمل على كاهلها رعاية أخوة صغار وهي بمثابة أمٍ لهم ،
في عدم وجود أمها !
لكننا نستطلع الحال المؤكد من عنوان النص ( يوميات امرأة عادية)
وبالتالي يأتي الاحتمال الأول أكيدًا . . .أطفال وأم ووالد
ولا زوج . . .
(
أكتب في الربع الأخر مني )
** (
حيث قرأت كتبًا عن الشيوعية ) **
وهنا تقر الكاتبة ميلها للثقافة التحررية الفكرية ، والتي جاءت عبر معاناتها،
وكأن الشيوعية موضة التحرر من كل القيود الأرضية ، من القهر والظلم والتسلط ،
حتى التحرر من الانكسار الداخلي والخنوع ، دون أي اعتبار حتى لإله يتحكم في مجريات حياتنا !
** (
وأعجبت بلنين سرًاِ ..) **
هي نتيجةٌ حتمية لمت يتعلق بالفكر الشيوعي فهو من أقطاب الشيوعية ، لكن لِم كان الإعجاب سرًا !
مع أن القراءة لأية كتب خاصةً إن كانت فكرية لا تكون خفية !
فهل كان يسمح بالقراءة علانية ، واعتناق المذهب سرًا أم هو اعتناق التعلق بِقشه !
**
(بعدها اختطفت الهمسات الخائفة على عقلي الأسفار . .) **
الحالة النفسية للكاتبة سريعة اللمحات ، ومفرداتها وقتية لا استقرار فيها ، فمن أكتب ـ أجلي ـ أستقبل ـ أرتب ـ أنفض ـأسرق ـ أمضي . . . الخ . تتابع في الحركات والأوضاع ،
وهذا إرهاق حياتي في موجة التقلبات النفسية وكأنها تسابق الزمن .
بعد هذا التوجه للشيوعية تتخطف تلك الهمسات المرتجفة ،
والملاحظ أن ضحية تلك المواجهات القائمة من أول النص هو العقل ،
فمن ذاكرة متخمة بالوجع إلى عدم القدرة على التعامل في سن الرشد إلى غيره ، ونريد الاستيضاح أكثر عن مفردة ( الأسفار) ،
هل قصدت بها ما نعرفه عن السفر ( الرحلة ) ،
أم هي كناية عن التوجهات الفكرية داخلها ورمزت لها بـــ ( الأسفار ) ، وهي ألواحٌ توراتية ، ومن هنا تكون التبعية الواضحة للظروف وإن كانت غير ما تعتنقه !
(في الربع الأخير مني )
** (
قابلت ملحدة تقنعني بترك الله ) **
وهنا المقابلة لا تتم إلا بموعد مسبق ، ولا يكون اللقاء مع ملحدة إلا من خلا ل حراكٍ ثقافي ما ،
ولا يأتي بدء الإقناع إلا بعد ألفة وأخذ ورد ولقاءات ، فهل هي صديقة أم عابرة سبيل ؟
ثم لا مفاجأة من طلبها بطريقة الإقناع ،
حيث أن منظري الفكر الشيوعي الملحد ، يناقشون الماديات ،
و يبنون أطروحاتهم على المحسوس الملموس ، فلا تواجد لإيمان داخله .
(بترك الله ) ، عبارة غريبة ! وكأن الله هو من يحتاجنا أو انه ضائعٌ وهو من يهتدي بنا ،
سبحانه عما يصفون .
**
(كانت تحمل هم الكون على عاتقها . .) **
تلك هي النظريات التي يقوم عليها الفكر الشيوعي ، يقوم على إنقاذ الطبقة الكادحة العاملة ،
وإشراك الكل لإسعاد الكل ، لكنها نظريات ما لبثت أن اندثرت لأنها تعزز الاستبداد أكثر فأكثر . .
** (
ضاقت بها الأرض عندما ضاق تفسيرها) **
يبدو أن تلك المنظرة الملحدة لم تكن بتلك القوة الفكرية حتى توغل في أطروحاتها ،
وهذه الفئة تكون لها القدر على الفهم والتعمق دون الشرح أو الخروج عن النص المحفوظ ،
تمامًا كالكاتب الذي يتقن إيصال ما يريد عبر الكتابة ، لكنه لا يتقن إيصال المعلومة مباشرة بالشرح بطريقة جيدة !
** (
وتبريرها لوجود القوة العظمى إلا في يد الإله ) **
وكما قلنا أن هذا هو ديدن المذهب الشيوعي (كيف نؤمن بما لا نراه )
مع أن الأصل في وجود إله ، هو الاعتقاد الداخلي والغريزة الإنسانية التي تستوعب أن الاله لا يمكن أن يكون في متناول اليد ماديًا ، وإلا لانتفت إرادة الكون بأكمله !
** (
قضيتُ وقتًا طويلاً في محرابه ) **
جملة ٌ معلقة !
وكأنها فاصلٌ لا يرتبط بما قبله ولا أعلم لم !
لو كانت تلك الجملة كالتالي ( إلا في يد الاله الذي قضيت وقتًا طويلا في محرابه ) ،
كان يمكن أن تكون الجملة مترابطة ومؤكدة على تراث الكاتبة الروحي ، والذي نستقيه من مفردة ( محرابه ) ،
فهي مختصة بمكان العبادة والصلاة لدى المسلمين .
ثم ما معنى (
قضيت وقتًا طويلاً ) هل كان المحراب مجرد رحلةٍ استطلاعية أو مكانًا لانقشاع المعاناة النفسية فقط !
ولم يكن نهجًا تعبديًا في العلاقة بين العبد وربه !
( في محرابه ) دليل على أن الكاتبة هي من سعت لله للخروج من حالتها المستعصية ،
التي تخنق رئة التنفس للروح في حياتها ، هي المحتاجة لا الله سبحانه . . .
** (
أشرقت النور على عتمة جوارحي . .) **
نتيجة على اثر توجهها لمحراب الله تعالى ، فلا بد أن يشرق النور في الدين والدنيا في جوارح كل إنسان يؤمن بالله اعتقادًا ومداومة ،
ولا يكون ذلك إلا بالانغماس الشعوري للجوارح ، في هذه الحالة الإيمانية ، لكنني هنا أتوقف عند لمحة . . .
لِم يتجه الأكثرون إلى الله حينما يدلهم الخطب وتشتد المحن ،
لِم لا يكون ذلك دونما شيء يدفعنا لذلك ، ونلمح ذلك في ( عتمة جوارحي) . ..
إن جميع الأعمال التي نمارسها إنما تكون لابتغاء أجر أو لابتعاد عن النار وسخط الله ،
متى تكون عبادتنا لله دون انتظار ثوابٍ منه !
** (
فأرسلت قوات مكافحة الإرهاب) **
مقطع مفاجىء!
من المفترض أن تتناسق مقاطع المشهد الواحد مع بعضها ، بترابط المعنى والهندسية النصية ، لكننا هنا نلاحظ شطحًا لمقطع وكأنه صعقة كهربائية أو انتفاض قلب !
ما هي قوات مكافحة الإرهاب ! وما هو الإرهاب الذي تعنيه الكاتبة ؟؟
هل كان الإرهاب نفسه هو الذي تدندن به المحافل الدولية لوصم الإسلام به ،
وإن كان كذلك فهل تبنت الكاتبة هذه النظرة لدين الله ، لِم لم تكن قوات مكافحة الإيمان أو التوبة !
** (
رُسلها لمحو تعاليمي !!) **
هي المضايقات والأهوال النفسية التي تعانيها الكاتبة في جوٍ من الكآبة ، لكنه موارب نوعًا ما . . .
لكننا نعلم أن مفردة ( رسلها ) تأتي للتبليغ لا للفعل ، إلا إذا كانت رسل إجبار وتنفيذ !
وهنا تأتي ( محو تعاليمها) ، فما علامة التعجب إلا إنكارًا لمحاولة المحو لأن التعاليم الراسخة في العقل والقلب لا مكان لمحوها .
** (
بقي معي يقين في الجيب السري للأمل ..) **
أراه وصفًا صوفيًا حداثيًا ، فهنا علاقةُ خفية مع وميضٍ في داخلنا ،
إنه الإيمان بأن الدنيا مهما كان فيها من الملمات إلا أنها دومًا تحمل بعض الومضات الرقيقة التي تفرز حلقات من الفرجة ، وهنا يبدو أن الكاتبة لا تفقد الأمل بل وتخبئه بعيدًا عن المتلصصين لا تحترق أكثر !
** (
في الربع الأخير مني أكتب) **
مع اختلاف النسق هنا ،إلا أن المعنى متلاصق ، لكني أحسب أن النسق هنا بتأخير مفردة ( أكتب) ، هو نزف تحدٍ وإصرار، لكنه لا يخلو من الألم ، فالألم هو بضاعة هذا النص بشموليته ، ويتضح ذلك من ( قارّة فقدان ) . . .
لست أدري كيف يمكن لروح أن تصمد وتحتمل هذا النزف المستمر !
** (
رغم محاولتي تعلم السباحة عكس التيار ) **
من البديهي أن يجاري المرء الحياة ، ويعمل على التأقلم لها ،وفي متاهاتها ،
محاولاً المواءمة والمواربة بين مبادئه وبين ما تمارسه الحياة فينا ، وهذا أمرٌ اعتيادي يفعله الكثيرون ،لكن الكاتبة هنا لها رأي آخر ، تريد أن تترك بصمة خاصة بها !
وترفع راية تعبر عن عدم خنوعها للتيار المنافق المتملق للحياة بكل تناقضاتها !
** (
ما أول موجة أغرق ) **
رغم ما تكنه في شخصيتها من معانٍ وتصر على التشبث بعنادها ،
إلا أن الكاتبة تغرقة في هذه الحياة ، ألكونها امرأة !
والنساء في مجتمعنا العربي هن الطرف الأضعف في كل شيء ، وهذا ما نلمسه عبر ثقافة مجتمعنا السائدة والمطبقة واقعًا وسلوكًا .
** (
هل لأنني ثُكلت وتيتمت في الشتات والوطن) **
وهنا تُخرج الكاتبة بعض مكنونها ، لتكشف لنا الصراع الخفي الدائر في داخلها ،
وتدخل وطنها فيه ، وتبرز قضية جوهرية أفرزها الاحتلال الصهيوني لبلادنا ، وهو النازح والمقيم ، والمقارنة بينهما ، ومحددات التفاضل بينهما ! أو حتى بين الموتى والأحياء !
وهذا المقطع مثار ألمٍ عميق ، للكاتبة فتُبين أن التركيز للقضية يكون للداخل ،
مع أن الوطن ليس ترابًا فقط ، غذ كيف يُنحى الخارج بمليونية أعداده لصالح الداخل الذي يملك الحدث الرئيسي في الصراع ! مفارقة معقدة !
في هذا المقطع تختزل الكاتبة شعورًا وطنيًا عميقًا مؤلمًا وتركت لنا دلائل الألم في (قسمة نبضٍ على وطنيين ) (نازح ومقيم)
** (
أرجوك لا تطّلع على هذا الربع مني) **
كثيرٌ من الألم لم يرق للكاتبة ، أن تفرج عنه من صندوق أسرارها ، بتفاصيله ،
بل تركت لنا هذا الأمر للاطلاع عليه كما نراه في الإعلام والواقع .
(
في الربع الأخير مني أكتب)
** (
غير ذلك أنا امرأة عادية ..) **
وتأتي خاتمة البداية للنص يمقطٍع تحاول فيه الشاعرة أن تلملم شعثها وشتات أفكارها ،
بعد أن رشقتنا بكوماتٍ من وجع !
لا تلبث أن تمنحنا وجًا آخر للكأس المر ، فبرغم الأوجاع إلا أن هنا شيئًا اخف وطأة مما سبقه ، وتسرد لنا بعضًا منها ، لتؤكد لنا أنها تمارس حياتها كامرأة عادية !
** (
لها حبيب وأربعة أطفال ) **
من هو هذا الحبيب وسط الركام ، أهو حقيقي أم معنوي داخلها ، نفسها ؟ قلبها؟ عقلها؟
الذي ما زال يؤنس وحدتها ، أم هو إقرار بأنه مادي ملموس !
وتتابع الكاتبة سرد بعض تفاصيلها حياتها العادية ، كـ ( تطهو الأطعمة الشعبية والغربية) ( تحصد قمحها بيدها وهي تستمع لموسيقى الإخوة جبران أو ليوهان شتراوس حين يغرف كمنجته رشفة ماء من نهر الدانوب)
تأتي مفردة ( قمحها) لتأتي بشيء خاص بها لا نعلمه !
وتبرز الثقافة الفنية للكاتبة بإلمامها بأسماء لامعة ، قد لا يعرفهم الشخص العادي أو على أقل تقدير سماع دون التفات لهم . . .الإخوة جبران أو الملحن شتراوس ،
مبينة الإبداع في موسيقات بــ ( يغرف كمنجته رشفة ماء ) . . .ويأتي اختيار نهر الدانوب موفقًا فمعروفٌ أنه يمر عبر 10 دول أوربية ، ويصب في البحر الأسود ، وكأنه يغرف من نهر تتعدد ثقافاته ، فهل كان اختيار الدانوب عفويًا أم هي التركيبة الجيدة . . . .
** (
متممًا استقلالية الحب في سنبله) **
وما تلبث الكاتبة أن يتدفق بعض إحساسها الجميل في هذا المقطع ،
فمعلومٌ أن أفضل طريقة لتخزين القمح أن يترك في سنبله ، حيث يقول الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام ( ذروه في سنبله ) ، لكنها هنا أرادت أن ينسلخ الحب عن مكمنه ، فك ارتباط !
** (
تقرأ في عيون الأرض تراتيل محمود درويش )
تعاود الكاتبة اعتزازها بأرضها ، وكأن الرجوع لحضن الأرض هو الملاذ الأخير الذي لا انفكاك منه ، ولديها تراثٌ أدبي عالمي لا يقل عن شتراوس ،
إنه الدرويش الذي تجول أشعاره الأرض . . .
** (
وتصحو على نداء حبيبتي أو ماما هذا حبلي السري الذي لم ينقطع مع الحياة ) **
تعود غريزة الأمومة لحال الكاتبة ، وهل أجمل من الصحو على صوت يأتيها من أطفالها !
نهاية النص ، تتويجٌ للحالة الإنسانية التي لا تغادر الكاتبة برغم ما كابدته من قبل ،
وننظر إلى التصوير الجميل للعلاقة بينها وبين أطفالها ، والحبل السري هو المغذي للروح التي تنبض داخل الأحشاء ، فإن انقطع ماتت الروح .
وحمدًا لله أنه ما زال هناك حياة وبه تحيى الكاتبة . . .
تلك الكاتبة التي هي امرأة عادية .
قراءة /
طلعت قديح
تح يتي
القيصـــــــــــــــــــــر