الحسين بن مطير الأسدي
مصطفى معروفي
ــــــ
الحسين بن مطير الأسدي هو شاعر من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية،كان يقيم في مكان معروف باسم (زُبالة) بطريق مكة من الكوفة،واسمه الكامل هو الحسين بن مطير بن مكمَّل ،ويروى أن مكملا هذا كان عبدا ثم أعتقه مولاه.وكانت وفاة الحسين سنة 170 هجرية.
في العصر الأموي وفد على الوليد بن يزيد في ثلة من الشعراء منهم منهم طريح بن إسماعيل الثقفي،وقام بمدحه ،لكن شعره غي مدح الوليد ضاع ولم يصلنا منه شيء.
واتصل الشاعر بمعن بن زائدة الشيباني والي أبي جعفر المنصور العباسي على اليمن،ومدحه بعد أن شكا إليه سوء حاله،ولأن معن كان شاعرا فانتقده وبين له كيف يكون الشعر الجيد،ومن بعد ذلك مدحه الحسين بأرجوزة نالت استحسانه فأكرمه وأجزل إليه العطاء.
وقد نأى الحسين بنفسه عن أبي جعفر المنصور لأن العباسيين في تلك الفترة كانوا ما يزالون يتتبعون بني أمية وشعرائهم وينكلون بهم،لكن لما بويع المهدي وامتدحه ،استرضاه هذا الأخير وأعطاه المنحة تلو الأخرى.
ومعن بن زائدة قتل سنة 151هجرية غيلة على يد الخوارج فقال فيه الشاعرالحسين بن مطير مرثية سارت بذكرها الركبان،وقداعتبرت لحد الآن من أحسن ما قيل في الشعر من رثاء،ويقول فيها في بدايتها:
ألِــمَّــا عــلــى مَــعْنٍ وَقُــولاَ لِــقَــبْرِهِ
سَــقتْكَ الــغَوادي مَــرْبَعاً ثُــمَّ مَرْبَعا
فــيــا قَــبْرَ مَــعَنٍ كــنتَ أَوَّلَ حُــفْرَةٍ
من الأرضِ خُطّتْ لِلسَّماحَةِ مَضْجَعا
ويــا قَــبْرَ مَــعَنٍ كيفَ وَارَيْتَ جُودَهُ
وقــد كــان مــنه البَرُّ والبَحْرُ مُتْرَعا
وفي هذه القصيدة الرائعة يتفجح الشاعر أيما تفجع على معن،ويندبه ويألم لفقده.
وفي هذه القصيدة يقول متوجها بالكلام إلى معن:
وكــنتَ لِــدَارِ الــجُودِ يا مَعْنُ عامِراً
فــقد أصــبحتْ قَــفْراً مِنَ الجُودِ بَلْقَعا
فَــتىً عِــيشَ فــي مَــعْرُوفِهِ بَعْدِ مَوْتِهِ
كــما كــانَ بَــعْدَ السَّيْلِ مَجْراهُ مَرْتَعا
تَــمَــنَّى أُنــاسٌ شَــأوَهُ مــن ضَــلالِهِمْ
فأضْحَوْا على الأذْقَانِ صَرْعَى وظُلَّعا
ويمدح الشاعر الخليفة المهدي فيؤلف بين المعاني القديمة والمعاني الجديدة ،فلا تخلو أبياته من الافتتان بالصياغة،وملاحقة المعاني الطريفة والمبالغة كما في قوله في المهدي:
لَـــوْ يَــعْبُدُ الــنَّاسُ يَــا مَــهْديُّ أَفْــضَلَهُمْ
مَــا كــانَ فِــي الــنَّاسِ إِلاَّ أَنْــتَ مَــعْبُودُ
أضْــحَــتْ يَــمِينُكَ مِــنْ جُــودٍ مُــصَوَّرَةً
لاَ بَـــلْ يَــمِــينُكَ مِــنْــها صُــوِّرَ الــجُودُ
مِنْ حُسْنِ وَجْهِكَ تُضْحى الأرضُ مُشْرِقَةً
وَمِــنْ بَــنَانِكَ يَــجْري الــمَاءُ فــي العُودِ
لَـــوْ أَنَّ مِـــنْ نُـــورِهِ مِــثْــقَالَ خَــرْدَلَةٍ
فِــي الــسُّودِ طُــرّاً إذاً لاَبْــيَضَّتِ الــسُّودُ
وكان مما برع فيه الحسين بن مطير هو وصفه للمطر ،حتى عده ابن المعتز من أحذق الشعراء به.فهو مثلا يقول في هذا الصدد:
كَــثُرَتْ لِكَثْرَةِ قَطْرهِ أطْبَاؤُهُ
فــإذا تَــحَلَّبَ فَاضَتِ الأطْبَاءُ
وَضُروعَهُ عَدَدَ النُجومِ وَطَلُّهُ
أَخــلافُهُ عَــدَدَ النُجومِ رِواءُ
إلى أن يقول:
مُسْتَضْحِكٌ بِلَوَامِعٍ مُسْتَعْبِرٌ
بِــمَدامِعٍ لَمْ تَمْرِهَا الأَقْذَاءُ
فَــلَهُ بِلاَ حَزَنٍ وَلاَ بِمَسَرَّةٍ
ضَــحِكٌ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ وبُكَاءُ
حَــيْرانُ متَّبِعٌ صَباهُ تَقُودُهُ
وَجَــنُوبُه كِنْفٌ لَهُ وَوِعَاءُ
ويصف ابن المعتز شعره في الغزل في قصيدته الجيمية التي مطلها:
كَــأنَّنَا يَــا سُــلَيْمَى لَــمْ نُــلِمَّ بِكُمْ
وتَــحْــتَنَا عَــلَــسِيَّاتٌ مَــلاَجِيجُ
وَلَمْ نُكَلِّمْكِ والحُسَّادُ قَدْ حَضَرُوا
وفي الكَلامِ عَنِ الحَاجَاتِ تَخْلِيجُ
فيقول عن هذا الشعر:
شعر كأنه الديباج،بل نظم الدر في أحسن وصف،وإحكام رصف.
ويضيف الشاعر قائلا من القصيدة أعلاه:
سَــقَى سَقَى اللّهُ جِيراناً لَنا ظَعَنُوا
لَــمَّا دَنَا مِنْ رِيَاضِ الْحَـــزْنِ تَهْيِيجُ
لَــمْ أخْشَ بَيْنَهُمُ حَتَّى غَدَوْا حِزَقاً
واسْــتَوْسَقَتْ بِهِمُ البُزْلُ العَنَاجِيجُ
فَــاحْتَثَّ مِنْ خَلْفِهِمْ حَادِيهُم غَرِداً
وَخُدِّرَتْ دُونَ مَــنْ تَهْوَى الهَوَادِيجُ
والشاعر مجيد كل الإجادة في شعر الغزل،فله أبيات أخرى في هذا الشأن يقول فيها:
قَــضَى الــلّهُ يــا أَسْــماءُ أَنْ لسْتُ زَائِلاً
أُحِــبُّكِ حَــتّى يُــغْمِضَ الــعَيْنَ مُغْمِضُ
فَــحُــبُّكِ بَــلْوَى غَــيْرَ أَنْ لاَ يــسُوؤُنِي
وإنْ كَــانَ بَــلْوَى أَنَّــنِي لَــكِ مُــبْغِضُ
فَــيَــا كَــبِداً مِــنْ لَــوْعَةِ الــحُبِّ كُــلَّما
ذكرتُ وَمِنْ رَفْضِ الهَوَى حِينَ يَرْفُضُ
وَمِــنْ عَــبْرَةٍ تُــذْرِي الــدُّمُوعَ وَزَفْرَةٍ
تُــقَضْقِضُ أَطْرَافَ الحَشَا حِينَ ننْهَضُ
فَــمِنْ حُــبِّها أَبْــغَضْتُ مَــنْ كُنْتُ وَامقاً
وِمْــن حُــبِّها أَحْــبَبْتُ مَنْ كُنْتُ أُبْغِضُ
إذا أنــا رضــتُ النَفسَ في حُبِّ غَيْرِها
إذَا حُــبُّــهــا مِـــنْ دُونِـــهِ يَــتَــعَرَّضُ
فَــيَا لَــيْتَنِي أَقْــرَضْتُ جَــلْداً صَــبَابَتِي
وأَقْرَضَنِي صَبْراً عَلى الشَّوْقِ مُقْرِضُ
وقبل الختام لا بد من الإشارة إلى أن الشاعر قال في الحكمة أيضا وتبدل الأحوال،وفي النصح والدعوة إلى الخير ومن ذلك قوله:
وَلَــمَّا رَأَيْنَا نِعْمَةَ اللَّهْوِ قَدْ مَضَتْ
بِــطِــيَّــتِها أيَّــامُــها وشــهُــورُها
عَــزَفْنا وَمَــا كــانَتْ بِــأَوَّلِ نِعْمةٍ
مَــحَتْهَا الــلَّيالي كَرُّها ومُرُورُها
فــكم قــد رأيــنا مــن تكدر عيشة
وأخرى صفا بعد اكدرار غديرُها
إلى أن يقول في ثنايا هذه القصيدة الجميلة التي تنم عن تجربة صادق:
وقَــدْ تَــغْدِرُ الــدُّنْيا فــيُضْحى غَنِيُّها
فَــقيراً وَيَــغْنَى بَــعْدَ بُــؤْسٍ فَــقيرُها
إذَا يَــسَّــرَ الــلّــهُ الأمُـــورَ تَــيَسَّرَتْ
وَلانـــتْ قُــواهَا واســتَقَادَ عَــسِيرُها
وَمَا الجُودُ مِنْ فَقْرِ الرِّجالِ وَلاَ الغِنَى
وَلــكِــنَّهُ خِــيــمُ الــرِّجَــالِ وَخِــيرُها
فَــكَــمْ طَــامِعٍ فِــي حَــاجَةٍ لا يَــنالُها
وَكَـــمْ يــائِــسٍ مِــنْهَا أَتَــاهُ بَــشِيرُها
وَكَــمْ خَــائِفٍ صَارَ المَخُوفَ وَمُقْتِرٍ
تَــمَــوَّلَ والأحْــدَاثُ يَــحلُو مَــرِيرُها
هذا هو الشاعر الحسين بن مطير الأسدي،لقد كان شاعرا بحق يصور نفسه وأحداث عصره انطلاقا مما يراه في مجتمعه وما تكتنفه من ملابسات.
وبالله التوفيق ومنه السداد.