الإمبراطور ــ 1990
ــــــــــــــــــــ

ولادة مخرج جديد في مصر ليس حدثاً غير عادي، فالسينما المصرية من خلال معهد السينما بالقاهرة تخرج سنوياً عدداً من المخرجين . هذا إضافة الى المتخرجين من معاهد السينما في الخارج . لكن الحدث غير العادي هو تميز هذا المخرج الجديد وبروزه في الوسط السينمائي من خلال أول افلامه .
وفيلم (الامبراطور ـ 1990) يمثل شهادة ميلاد لمخرجه طارق العريان . هذا القادم من لوس أنجلوس حاملاً معه شهادة السينما . وقد إختار في أولى تجاربه فيلماً كتب السيناريو له السيناريست فايز غالي ، مقتبساً قصته عن الفيلم الامريكي (الوجه ذو الندبة SCARFACE) ، معطياً مادة درامية جيدة ومتقنة على صعيد الصياغة والحبكة .
وفيلم (الامبراطور) يحكي قصة صعود زينهم (أحمد زكي) .. هذا الانسان المتشرد الذي تفوق احلامه وطموحاته كل إمكانياته وقدراته . فهو يتجه لطريق يحقق اكبر ربح في اقل وقت ممكن بتوظيف قدراته وإمكانياته في خدمة الشر والجريمة .
يبدأ صعود زينهم من مجرم صغير في السجن الى مجرم طليق تحت إمرة المجرم الكبير (الامبراطور) صاحب تجارة المخدرات ، وشيئاً فشيئاً وبذكاء واضح من زينهم ، يصبح هو الامبراطور الاوحد في تجارة المخدرات ، بل ولا يستطيع أحد تهريب جرام واحد من الهيرويين الى مصر إلا بمعرفته . لكنه في نفس الوقت يعاني من مشاكل خاصة تمثل له قلقاً كبيراً ، فزوجته الراقصة السابقة (رغدة) لا تستطبع ان تنجب له وريثاً لكل هذه الثروة ، والتي يزداد شعورها بالقلق والاحساس بالخوف والتنافر بينها وبين زوجها . فنراها تتجه لتعاطي الهيرويين . كذلك شقيقه الاصغر الذي كان يمثل له الامل في ان يحقق فيه وبه ما لم يستطع هو تحقيقه ، هذا الاخ يجرفه تيار الانحراف فيبدأ بتعاطي المخدرات ثم الاتجار بها ، الى ان يتم القبض عليه وايداعه في السجن . هذا إضافة الى المشاكل التي يسببها له منافسوه من تجار المخدرات نتيجة احتكاره للسوق .
وفيلم (الامبراطور) قريب الشبه بالفيلم الامريكي ، بتفاصيله واحداثه وشخصياته ، حتى ان المشهد الاخير (مشهد قتل الامبراطور) مأخوذ بشكل شبه كامل من نهاية الفيلم الامريكي . وهذا الشبه قد أوقع صناع الفيلم المصري في خطأ واضح وهو انهم نقلوا أجواء الجريمة المنظمة ، التي اعتقد بانها لا توجد بهذا الشكل في مصر . ثم هذا العدد الكبير من القتلى والدماء في كل مكان مما جعلنا نشعر باننا نشاهد فيلماً أمريكياً عن عصابات المافيا .
وهذا بالطبع لا يمنعنا من القول بان وراء هذا الفيلم عناصر نجاح فنية وتقنية ساهمت في ظهور فيلم ذو مستوى جيد . أولها ذلك الاداء المتميز من أحمد زكي ، ذلك الفنان المبدع الذي يقدم دائماً قدرات هائلة من التعبير المتنوع والثري ، ويقوم بدراسة كاملة للشخصية بحيث تحقق المصداقية الدرامية الكاملة . مؤكداً من جديد بانه أفضل ممثل قدمته السينما المصرية خلال العشرين عاماً الاخيرة .
ولا يمكن ان نغفل بقية العناصر الفنية من تصوير ومونتاج وموسيقى بقيادة مخرج متمكن ، فانها جميعاً ساهمت في تقديم دراما مشوقة وعنيفة على الطريقة الامريكية في قالب مصري مقنع .
وأخيراً لا يسعنا إلا ان نؤكد مرة أخرى بأن (الامبراطور) فيلم يعلن عن ميلاد مخرج سينمائي جيد ، يعبر في أول افلامه عن نضج غير عادي في تعامله مع أدوات وتقنيات السينما .