تابعتُ أغلبَ البرنامج ، و قد كان ممتعاً جداً ، كان التميُّزُ الذي أثارَ إعجابي فيه للجبهتين المتقابلتين : الحبيب المتألق قايد الحربي و الأستاذ نايف الرشدان ، و كلٌّ من حضرَ له وزنه الكبير قدراً و أحتراماً .
أوافق العزيز خالد الحربي في كلامه ، و أزيد ، إنْ كان لم يُذكر ما أزيدُه في الحلقة ، أن الشعرَ تعبيرٌ عما يُخالجُ الشاعرَ ، و التعبيرُ يختلفُ من شخصٍ لآخر ، من حيث المعنى الشعري ، و أما من حيثُ الصناعة فلكل تعبيرٍ قواعده و أصوله و قوانينه ، و محاكمة أحد التعابيرِ عن المشاعرِ بصورةٍ شعرية إلى غير مجاله قاضٍ بالفشلِ للتعبيرِ ، فمن يُحاكم الشعر الشعبي إلى قواعد الفصيح سيخرج لنا بالحكمِ بأنه ليس شعراً ، و كذلك من حاكم الفصيح إلى النبطيَّ ، و كذلك محاكمة الشعرِ الصيني أو الهوساوي أو اللاتيني إلى قانون العربي قاضٍ بأنه ليس شعراً .
فنحن أمام نصوصٍ هي في دائرتها و مجالها شعراً ، و إبداعٌ ، كما قال الأستاذ نايف الرشدان ، و لكلِّ من نصوصِ الفريقين و المنهجينِ تاريخٌ من البقاءِ إذا كانا يُعايشانِ واقع الناسِ ، و هذا ما أٌقيِّد به كلام الحبيب قايد الحربي الحربي حين أشار إلى أن الشعر الشعبي سيموت ، حيثُ ذكرَ بعدُ بأنَّ الشعر الفصيح تحدَّثَ عن أحوال الناسِ و العالم المُعاشِ ، و الشعرَ الشعبي أغلبه في الأمور القبلية ، و في جمع بين هذين من الأستاذ قايد الحربي نخرجُ بنتيجةٍ أن الشعرَ الشعبي سيبقى حياً ما كان معايشاً أمور الناسِ و أحوال العالمِ ، على أن الشعرَ لا يموتُ ، جادته كجادة غيره من ثقافات الأمم ، كالأمثال و الحكم و الأساطير و الحكايا ، فإنه يكون له وُرَّاثٌ يرثونه و ينقلونه ، و عجبي من وقفة الأستاذ قايد الحربي مع الشعر الفصيح و هو شاعرٌ شعبي ، و لا أستبعد كونه ضليعاً في الفصيحِ فنثرُه ناطقٌ بذلك ، و وقفة الأستاذ نايف الرشدان مع الشعر الشعبي ، و هو شاعرٌ فصبحٌ و هو الغالبُ على اهتمامه مع كونه مشارك في الشعبي ، و هذا إذا دلَّنا على شيءٍ فإنه يدلُّنا على ما أشارَ إليه الأستاذ نايف أن الشعرين ، و أميلُ إلى التسمية بالتعبيرين ، متمازجان لا متجاورين ، و يردانِ من منبعِ الشاعرية الواحدِ ، و الشعر مغروز في كلِّ نفسٍ كما قال مصطفى صادق الرافعي [ " مختارات " المنفلوطي ( ص / 187 ) : و الشعر موجود في كل نفس من ذكر أو أنثى " ] ، و إنما الاختلاف في التعبيرِ عن ذاك المغروز .
عذراً كانت كلمةً تشعبت و طالَ منها الذيلُ ، و ضعفَ فيَّ الحيلُ ، فأستعيذ بكم من ثبورها و الويل .